من مدرسة تكوين المعلمين في لعيون.. إلى ما يعتبرونه خط المواجهة مع “القاعدة“
النعمة ـ الرجل بن عمر.
بينما سيطر الإعياء على أغلب الخريجين من الشباب المعلمين أثناء مبيتهم في النعمة؛ شرق موريتانيا، في انتظار نقلهم صباح اليوم إلى أماكن عملهم في مقاطعات الولاية ـ لم يجد النوم طريقه إلى طاقم تدريس أول مدرسة في مدينة انيكت لحواش الناشئة.
تمحور حديث معلمي مقاطعات الولاية؛ أثناء سمرهم في منزل مخصص لإقامتهم في عاصمة الحوض الشرقي، بسبب ما وصفه بعضهم بدراما الرعب التي تعيشها ساكنة مقاطعة اظهر المعزولة.
المعلم الخريج لمرابط ولد سيدي محمود؛ لم يخف أثناء حديثه لصحراء ميديا، تفكير أحد زملائه في التخلي عن مهنة اتدريس، بعد القلق الذي انتابه من أحاديث تهويل الوضع الأمني في المنطقة الحدودية.
ويضيف لمرابط قائلا إن زميله عبر عن مخاوفه من أن “نكون هدفا للتنظيمات السلفية المقاتلة، فالمدينة لا تتوفر على وسائل نقل أو اتصالات أو علاج.. ولا حتى أمن”، مشيرا إلى اتهامه لمفتشية تعليم المقاطعة بإدارة شؤونها من النعمة، ومتسائلا: “لماذا يتم إرسالنا إلى المجهول”؟.
ويؤكد ولد سيدي محمود أن زميله المتردد ما لبث أن أبلغهم بقرار أمه القاضي بعودته الفورية إلى نواكشوط “خوفا على حياتي من منطقة موحشة ومحفوفة بالمخاطر؛ بحسب تعبيره.
كان ذلك مقطع من مسرحية الرعب التي سيطرت بعض فصولها على ليل أولئك الشباب المعلمين الجدد، أثناء مقامهم فيما يصفه بعضهم بمدينة الأشباح؛ خاصة ممن امتلأت أسماعه بقصص الحرب، والمعارك السرية التي يخوضها تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، ضد القوات الموريتانية المرابطة في “فصاله أننيره” و”أنبيكت لحواش”، و”باسكنو”.. والتي قد تحصد مدنيين بالصدفة؛ على حد قول أحد المدرسين.
عبد الله ولد محمد 23 سنة، تلقى هو الآخر أمر التدريس في مقاطعة “اظهر” ينتابه بعض التوجس، تصيبه هستيريا السؤال، حيث يبادر زملاءه والمحيطين به، بطرح استشكالاته ثم يسارع إلى إجابة نفسه بسؤال جديد؛ من قبيل “لقد قيل لي إن المقاطعة الجديدة مهجورة وأنه لم يعد بها غير قطع عسكرية.. ويسأل نفسه قائلا: من سندرس إذن؟.
عبد الله الشاب الملتحي ذو التوجه الإسلامي، يملؤه الكثير من الحماس، لكن اتصالات بعض أقربائه والقصص التي يسمعها من هنا وهناك تضعف تماسكه، ورغم أنه ينحدر من ولاية “لبراكنة” إلا أنه لا يبدي كثير استياء.
مضيفا،:”بغض النظر عن بعد المقاطعة وعزلتها إلا أنه ما من خيار، خاصة بعد رفض إدارتنا طلب التحويل”؛ بحسب قوله.
ويؤكد: “أنا متوجس من واقع انعدام الاتصالات في قرية (العرش) التي سأدرس فيها، إضافة إلى مواسم النقل المرتبطة ب(الأصواك) الموسمية، عوضا عن غباب الخدمات الأساسية بما فيها الصحة”.
وأكد ولد محمد أن ما وصفها الظروف الأسرية الخاصة هي التي دفعته إلى المضي في ما عبر عنه بالمغامرة، “ولو تطلب ذلك العمل على مقربة من معاقل تنظيم القاعدة”.
فيما يبدو المعلم، محمد محمود ولد إبراهيم 22 سنة، أكثر تصميما على المغادرة نحو “حاسي أهل بابه” حيث أعرشة التعليم الإبتدئية التي سيقضي فيها سنته الدراسية الجديدة، رغم الغربة التي قال إنه بدأ يستشعرها.
محمد محمود، ما زال يلاقي صعوبة في فهم معنى “الصوك” الذي هو السوق الموسمي، و”أرجل” التي هي الطرق المؤدية إلى القرى.. ويتساءل عن مدى صلابة العريش الذي سيزاوج فيه بين العمل والسكن، لكنه يتمسك بمقالته: “الرجل رجل أين ما وضعته الظروف“.
ويضيف محمد محمود، في لقائه مع صحراء ميديا أنه التقى مفتش المقاطعة وقد فك له شفرة بعض رموز المهنة، التي من بينها معرفة كيفية إرسال رسالة إدارية، وطلب بعض المعدات الدراسية.. ثم الإشعار عن أمر ما..
ولا يخفي محمد محمود؛ أن كل تلك الأمور تمر حتما عبر قنوات ما يعرف “بالصوك” الموسمية، التي يواجه مشكلة حقيقية في فهم نظام عملها وكيفية الوثوق بسائقيها في أمور خاصة.
محمد محمود، غير عابئ بموضوع “القاعدة” ونشاطاتها في المنطقة، فكل همه هو فهم نظام “الصوك” للاتصال بأمه المسنة في قلب ولاية لعصابة.
أما مخاوف زميله عبد الله من الرمال المتحركة واحتمالات ضياعهما أثناء زيارة بعض الزملاء قيل إنهم على بعد 50 كلم من “صونداج ولد الدرويش” الشهير في المنطقة، فهي ليست محل اهتمام من جانبه.
ويبقى حديث البعض عن تردد أفراد من جماعة التبليغيين على مسجد القرية أمرا مطمئنا لعبد الله.