نواكشوط عاصمة المتاهات.. وحاضنة اليافطات المثيرة.. والعناوين القاتلة
نواكشوط – محمد ولد زين
في مدينة كالعاصمة الموريتانية ؛ لا يهتم سكانها ولا القائمون عليها بالعنونة، التي تعتبر في أغلب مدن العالم احدي الشروط الأساسية عند تأسيس أي مدينة، تبقي نواكشوط، كما غالبية مدن الوطن الأخرى، تعاني من مشاكل في العنونة.
صحيح أن العاصمة شهدت خلال السنوات الأخيرة نوعا من ترقيم الشوارع والمنازل اعتبره القائمون عليه محاولة لعصرنة المدينة، إلا أن تلك الجهود باءت بالفشل نظرا لطول الترقيم وتشعبه دون أن تكون هناك تسمية واضحة للشوارع.
ولما كان الخضوع للنظام إحدى ضرورات المدينة العصرية اليوم؛ وجدت العنونة كنوع من التمييز بين الأشياء، كي يتمكن الكل من الوصول إلي مقاصدهم وتلبية احتياجاتهم، فكان لزاما على نواكشوط أن تظهر بها عناوين مختلفة اختلاف الأذواق والمقاصد، فانتشرت أسماء على غير مسميات هنا وهناك، وان كانت توفر بعض الوقت الذي قد يضيع عندما لا توجد تلك اللافتات.. المغلوطة حينا؛ والغريبة أحايين كثيرة.
أخطاء قاتلة!
أما عن يافطات المحال التجارية فحدث ولا حرج، أخطاء بالكاد تصدق كمن كتب علي حلاقه باللغة الفرنسية Couper des têtes (قاطع رؤوس )، وفي مكان آخر تجد “عسال يعسل اللباس”، وعناوين لا معني لها، كـ”هنا محل للبيع” وعند ما تدخله تجد أن المحل يحتضن مواد معروضة للبيع وليس المحل بذاته.
وهناك جمع بين العناوين كـ”هنا وراقة وبيع قطع غيار المرسديس وبطاقات التزويد”. إلي غير ذلك من الخروج المريح علي الطريقة الصحيحة لوضع العناوين فالكل يعنون على هواه، حتى أن أحدهم كتب في واجهة متجره “دكان كلوة وفرسن”.
عناوين تطالعك صباح مساء؛ دون أن تثير الكثير من الاستغراب من قبل غالبية قارئيها، وهنا نورد بعض أخطاء اللوحات التجارية المغلوطة التي رصدناها في نواكشوط؛ فهذا محل تجاري كتب علي بابه (هنا تباع الحية السوداء) بدلا من “الحبة السوداء”، فهل يمكن لأحد أن يشتري حية أحري إذا كانت سوداء؟.. الله اعلم!!..
وفي صالونات تجميل النساء المنتشرة في طول وعرض نواكشوط، دأب المتجول في المدينة على قراءة يافطتها التي تكاد تتطابق، وكأن خطاطا واحدا تولى صفقة إنجازها، فحملت عبارة “صالون الحنة والخلوة”، وإن كانت خاصة بالنساء، إلا أن تلك الخلوة، إن تحققت، فلن تعدم من يصفها بغير الشرعية.
محالات بيع اللحوم؛ التي انتشرت في الآونة الأخيرة في نواكشوط والتي يطلق عليها “المجازر”، اختار لها بعض القائمين عليها مسميات عدة، كـ”مجزرة الشعب”، و”مجزرة الزبناء”، و”مجزرة الصحابة”؛ وهذه ليست مغلوطة، لكنها غريبة نوعا ما، وما يثير التساؤل هنا كيفت غابت مسميات من قبيل “مجزرة قانا”، و”مجزرة صبرا وشاتيلا” عن المشهد؛ رغم أن مدينة نواكشوط باتت غريبة في وطنها بفعل تسميات أحيائها المستوحاة من مدن عبر العالم.
أحد حراس السيارات اخذ لوحا خشبيا وكتب عليه بخط يده “محل الوباء لحراسة السيارات”، وهو ما يستشف منه أن ثقافته تقليدية حيث وضع نقطة الفاء تحته، لكنه لم يتفطن إلي حرف الفاء الذي كتبه فكان اقرب إلي الباء منه إلي مقصده الذي كان بطبيعة الحال “محل الوفاء لحراسة السيارات”؛ الغريب في الأمر أن أصحاب السيارات يوقفون سياراتهم ليلا عنده، ربما يعتبرون أن من كان محله “وباء” فلا مجال للصوص في قاموسه، وغير بعيد منه يكتب حارس آخر (حارس “سيارات في (خدمت) الجميع”، .
بعض هذه اللوحات أكل عليها الدهر وشرب؛ والنتيجة أن العنوان يفقد احد أحرفه جراء تعاقب الجديدين فاتخذ مسلكا آخر في المعني لدي كل قارئ، كمن كتب علي باب محله ” استندر” لكن الراء اختفي مع مرور الزمن لتتحول الكلمة إلي “استند”؛ والحقيقة انه ما من احد أحوج إلي الاستناد منه.
وسواء كانت هذه الأخطاء قاتلة أم سخيفة أم طريفة؛ فإنها تؤثر علي الوجه العام للعاصمة المتأثر أصلا جراء تفاعل عديد النواقص والمظاهر غير الحضرية.