آدرار ـ سعيد ولد حبيب
تنوعت المظاهر التضاريسية في القرية الوديعة فحولتها لوحة طبيعية كأنما صنعتها يد فنان ، يناجي خرير ماء العيون حواف الجبال الداكنة فيلامسها ليشحذها ويصقلها محدثا بمداعبته تلك صفيرا خافتا يتناغم مع زقزقة طيور المساء وهي تبربش بحثا عن أعشاشها، ليصنع بذلك سمفونية فريدة …
تودع “اتوزيكت”؛ بلدة ريفية واحاتية قرب أطار شمال موريتانيا، النهار مستقبلة الليل البهيم، حين تهدأ حركة الزوار فيميلون إلى الدعة والخمول بعد يوم شاق من التجوال بين التاريخ والجغرافيا.
يتيفيئ المصطافون ظلال النخيل الباسقات فينتقون من كل عتقود بلح رزنامة ويحتسون من جداول مائه العذب الرقرارق كاسات رواء، ويستحمون منه.. انه ماء يقول أهالي القرية انه يشفي أمراضا ليست معروفة.
لكن “اتوزيكت” القرية الموريتانية التي تسرق الأضواء في موسم “الكيطنه”، موسم جني التمور، لا تمثل فقط تلك التجليات سر جاذبيتها، فإلى جانب ذلك تتقاطع في مظاهر أخرى أخاذة مع طبيعة تقترب من التنوع التضاريسي والبيئي للقارة الاسترالية.. فهي حسب الجيولوجيين تشترك مع مدن استرالية في ظاهرة طبيعية تسمى Stromatholite
و “استروماثيوليت” هي تمظهر تضاريسي يتمتع بأكسدة توفر خصوبة للأرض، وتتعانق فيه الجبال مع الوهاد والوديان الأشجار الكثيفة، مشكلة بنية طبيعية و جغرافية تصلح لزراعة العديد من المنتوجات، وهو مكان أكثر ارتفاعا عن سطح ا لبحر بحسب ما يقول العديد من سكان البلدة,
إن تلك الصورة المتحركة المتجددة والحية لا تضاهيها في الجاذبية والعمق سوى صورة أخرى تبدو جامدة لكنها حية بل أكثر حياة من الطبيعة نفسها، إنها مجسمات وهياكل عظمية وأدوات عيش وقطع وأوراق تبادل قديمة؛ كلها كلمة السر في سحر “اتويزكت” التي تهجع بين الوديان والصخور .
الماضي يعود غدا
تبهر الدروع والأسلحة والأوسمة التي تعود إلى القرون الوسطى والحديثة عيون الناظرين الذين يتحركون بحذر وسط محيط أسلحة تستحضر من خلالها بطش يد الإنسان وغدره وصلفه… وتكريمه لأخيه الإنسان الذي يتلقى الأوسمة تثمينا لدوره في القتل؟.. أو هكذا في عيون الغالبة.. جانب من متحف البلدة الذي يعيدك إلى عقود خلت .
يزور العديد من الأوروبيين دبلوماسيين وغيرهم متحف اتويزكت للاطلاع على معدات عسكرية هي من مخلفات الحروب، أسلحة إغريقية قديمة وأخرى أوروبية تحمل بصمات الحربين العالميتين الأولى والثانية ، لذلك لم يجد وزير دفاع فرنسي سابق بدا من التوقف لتكريم المتحف وإهدائه ميدالية برونزية، ونفس الشيء فعله المحافظ العسكري لمحافظة باريس العاصمة الفرنسية.. انه تكريس لشرعية الاستعمار أو هو الاستعمار يمجد نفسه ليعود في ثوب جديد وفق تعليق أستاذ في التاريخ.
وفي زاوية من زوايا المتحف الطبيعي تتبعثر عظام حيوان بحري يعود لآلاف السنين مثلما تبعثرت أسئلة الزوار حول عمره..
يقول متعهد المحتف؛ وهو احد أبناء قرية اتويزكت، انه عثر على الهيكل قرب شواطئ نواكشوط واثبتت الحفريات انه حيوان بحري عمره آلاف السنين، وبالإضافة إلى ذلك تأخذ القطع الحجرية والمعدنية النادرة مساحة لها من المتحف الذي يتربع وسط القرية تحفه جدران مسفلتة وقوية صنعت من صلصال… أوراق نقدية استعملت خلال حقب مختلفة تجد لها مكانا بين رفوف المتحفـ الى جانب وسائل عيش موريتانية أصيلة.. المطاحن الخشبية، الموريتانية تحضر بقوة فعلى شكل مخروطي يتموقع “المهراز” وهو وسيلة يتم بداخلها طحن الحبوب.
الموجودات الأثرية يمكن الدخول إليها عبر باب منزلي قديم يعود إلى أزيد من ثلاث مائة عام، تم الاحتفاظ به رفقة اكبر قدح خشبي في البلاد، القدح يروي عشرات العطشى مثلما يروي تاريخ المآدب في الصحراء حيث تقام ولائم جماعية توزع فيها أقداح الشراب التقليدي “ازريق” على المدعوين.
في المتحف تنبطح عشرات الخيام المصنوعة بأنامل شنقيطيات، وهي من مختلف أنواع الصوف والوبر، هذا بالإضافة إلى قرن غزال الراوي النادر الذي يوجد الآن في سلسلة جبال “تكل” بآدرار، ويضم المتحف في أحد جوانبه بعض الذخيرة mort-né التي استخدمت أثناء الحرب العالمية الأولى.
جهل التراث وسرقته
يرى العديد من الباحثين في موريتانيا أن البلاد تشتمل على كنوز ثمينة من المنحوتات والمخطوطات والمجسمات النادرة، بيد أن قلة الوعي بأهميتها يجعلها عرضة لسرقة الأجانب الذين يعرفون قيمتها أكثر من السكان المحليين.
وتتعرض المخطوطات والكتب النادرة والثمينة للسرقة، ويتم بيعها خارج البلاد، وهي هواجس تؤرق القائمين على متحف “اتوزيكت”.. لذا فهم يقولون إنهم يرفعون نداء إلى السلطات والمواطنين لحماية تراثهم من الضياع وضرورة الاعتناء به، فبه فوائد جمة؛ كما يؤكد الياحثون.