النبهاني ولد محمد فال
لا زال موقع “ويكلكس” لصاحبه الفتى الأسترالي الخريت “أسانج” يمطرنا يوما بعد يوم بنوادر وثائقه التي تحتوي غرائب ولطائف مما كان يجري بعيدا عن الأضواء بين معظم ساستنا وموظفي السفارات الغربية في أوطاننا والذين يعتبرون “الفوگالفوگ” دبلوماسيين، و “التحت التحت” منتدبين لحكم هذه الأمم والشعوب القاصرة…
وفي هذه الأسطر الموجزة لا بأس لو توقفنا عند الجزء اليسير الذي ظهر من الجزء القليل الذي يتعلق بنا كموريتانيين والذي كان حصادا لبعض ما دار في جلسات سرية بل وعلنية أحيانا.. متناثرة زمانا ومكانا بين بعض من ساستنا، وبعضا من ضيوفنا الثقلاء…
لقد أظهر ساستنا بمختلف تلاوينهم وانتماءاتهم وتوجهاتهم ثقة غير طبيعية في هذه السفارات.. يظهر سابق ألفة… حتى “الرجل الحصيف” الذي عهدناه لا ينبس ببنت شفة ولا يخالط الناس خوفا من مظان الرٌيب ومواقف التهم؛ كلما خلا بسفير أو قنصل أو مستشار إلى ما تحت ذلك تنطلق وتنحل عقد لسانه ويتحدث بما لا يصح وما يصح، ويعبر عن تصوره لكل شيء، ويفاتحهم في أخص
خصائص الوطن، وعن ماضي وحاضر ومستقبل، رجال الدولة ونسائها إلى أن “يسيل به الواد” فيصل معهم إلى مكنون أمره الشخصي ودارس أخباره ومسيرة حياته مع جارته وجاره.. وصولا إلى نوعية الأشربة والأطعمة المقدمة في داره…
استوقفتني في هذا الركون من طبقتنا السياسية لموظفي السفارات الغربية بمختلف رتبهم من الكبير إلى الصغير أمور منها:
– أن ثقة ساستنا وأهل الحل والعقد منا في موظفي هذه السفارات الأجنبية أكبر وأعمق من ثقتهم في وطنهم وشركائهم فيه، ومن ثقتهم حتى في أنفسهم…
– أن زوار ورواد هذه السفارات -عفا الله عنهم- يقولون لنا شيئا، ويقولون لهم شيئا آخر، ويأتوننا بوجه ويأتوهم بوجه آخر…
– أنه طال عهد ساستنا بروائع النصائح الأدبية التي دبجها سلفنا الأدبي الصالح…
وازعم مطمئنا أنهم لم يكونوا يحفظون ـ وهم يدلفون إلى إلى ما يدلفون إليه ـ قول ولدهدار في رائعته السيارة على الألسن…
سرك يمحمد لا تعطيه = = لل ماه مفلوش اعليه…
وأكاد اجزم أن حصائد السنتهم التي حسبوها نصيحة في غير ملإ لن يراها راء حتى يئوب القارظان.. لم يدر في أذهانهم أنها سوف تهرب من حواسيب الخارجية الأمريكية ليتلقفها الفتى “أسانج” و”يكرد بيها أفام الخيام“
ومن ما يثير العجب ويبعث على الدهشة والتساؤل هذا الاهتمام الغربي المنقطع النظير بأدق أدق تفاصيل أمورنا والتي لا نوليها نحن أي اعتبار…
فهل هذا من حرص الغربيين “الزائد” علينا، وحبهم “المبالغ فيه” لنا والذي وصل في بعض أقطارنا وخلال بعض الأزمنة حد قتنلنا (ومن الحب ما قتل)؟، أم أن الأمر له تفسير آخر لا زال يند عن أفهامنا؟.
واليوم وقد جرى ما جرى وانكشفت طبيعة من انكشفت طبيعته وظهرت حقيقة من ظهرت حقيقته وأصبحنا نعيش في زمن:
ومهما تكن عند امرئ من خليقة = = ولو خالها تخفى على الناس تعلم.
فإنه على الجميع أن لا ييأس وأن لا يحزن فطال ما كانت النقمة
مغلفة النعمة..
وقد يكون هذا من باب الذنب الذي يعقبه ندم واستغفار، وقديرى راجحوا العقل أن الأمر كله ربما كان امتحانا وتجربة مصغرة لما سوف يكون عليه الأمر يوم تحصد حصائد الألسنة بين يدي رب الأرباب ومالك الرقاب فتدخل اصحابها الجنة أوتكبهم في النار على وجوههم والعياذ بالله…
هذا ومن المعلوم أنه أصبح للوثائق السرية أكثر من راو صحيح الضبط معتمد في “الحفظ” و”مؤتمن” في “النقل” غير الفتى الأسترالي، فقد أصبحت مواقعنا الإلكترونية “ويكلكسات” هي الأخرى تنشر ما سربه إليها بعض المسؤولين لحاجات في نفوسهم …
ثم إن انهيار بعض الأنظمة العربية “المعمرة”، وهبوب رياح الثورات جعل الوثائق تتطاير ذات اليمين وذات الشمال، فوصلت بعض الوثائق الخطيرة، وبعضها في الطريق.. مما حتم على من يعلم في نفسه أن لديه أقوالا أو “نصائح” في غير ملإ -داخل أقبية بعض الدول التي بدأت أعاصيرالثورة تهب عليها ولم تقتلعها بعد- أمرين فإما أن يبادر ويسحب الوثائق ويحرقها أو يبتلعها إن استطاع، أو أن يرمي بوثائق جديدة داخل الأقبية تختلف عما سبق حتى إذا سقط البلد وفتحت الأقبية وجدوا لصاحبنا وثائق مختلفة متعارضة بعضها يشهد له وبعضها عليه حينها يستوي خيره وشره فيصبح في أحسن الأحوال “ريحت حجر” عند القوم فيكون في منزلة بين المنزلتين، وذلك أقصى ما يتمنى صاحبنا…