بقلم / المختار ولد آمين
أصل هذا المقال محاضرة كانت مقررة في الأسبوع الثقافي في النعمة وتم إلغاؤها دون إبلاغي بذلك فضلا عن سببه ، فآثرت نشرها هنا لتعم الفائدة]
أولاً : أسباب الحديث في الموضوع:
1. اهتمام الشرع به.
2. اهتمام العالم به وإقامة المنظمات الدولية من أجله.
3. شيوع الفتن والدمار في مجتمعات مجاورة وغير مجاورة بسببه.
4. استفحال المشكلة في بلادنا خاصة ، حيث يعتبرها أحدث تقارير منظمة الشفافية العالمية – والصادر في هذا الشهر (سبتمبر 2011) – رابع دولة عربية أكثر فسادا.
5. اهتمام الرأي العام الوطني به لدرجة اعتماده معياراً في الانتخابات السياسية.
6. الحاجة إلى شرح حقيقته للرأي العام ، إضافة لوضع مقترحات عملية لعلاجه.
ثانيا :تعريف الفساد:
أ – غالبا ما تتحدث المعاجم عن الفساد باعتباره “ضدا للصلاح” ومن تعريفاته اللغوية : استحالة النافع إلى ضار.
ب – واصطلاحا : تعرفه منظمة الشفافية العالمية بأنه : “استغلال السلطة لحصول مكاسب شخصية“.
وهذا التعريف عندي يهمل أنواعاً كثيرة من الفساد لا تدخل في نطاق اختصاص منظمة الشفافية العالمية ، لذا فقد عرفته بأنه : “الخروج عن الضوابط المتفق عليها – شرعاً أو قانوناً أو عرفاً – من أجل تحقيق رغبات شخصية” .
ولا يخفى أن الرغبات لا تستلزم – بالضرورة – أن تكون مكاسب أو مصالح ، بل قد تكون شهوات ضارة حتى على صاحبها أحياناً.
ثالثاً : من أنواع الفساد:
يتنوع الفساد إلى أنواع كثيرة فمنها:
1. الفساد السياسي : ومن نماذجه : تزوير الانتخابات / توظيف الأقارب وذوي العلاقات / استغلال المنصب للمصلحة الشخصية / الزبونية / ضبابية الصفقات الحكومية / غموض معايير التوظيف / بيع الامتحانات.
2. الفساد المالي : ومن نماذجه : الرشوة / الاختلاس / تضخيم الفواتير / العقود الوهمية والمبالغ في تكلفتها / تحميل المواطن تكلفة الأنشطة غير المصنفة كالزيارات والمهرجانات مثلا.
3. الفساد الإداري : ومن نماذجه : التباطؤ في إنجاز المعاملات / ترقية الموظف أو إبقاؤه في درجته الوظيفية بدون معايير / استغلال الأجهزة والأداوات العامة للأغراض الخاصة / التأخر عن الدوام والخروج منه أثناء وقته.
4. الفساد الخُلقي : ومن نماذجه : بث البرامج الخليعة / تبرج النساء / إقامة نوادي الانحلال / تشجيع الفن الهابط / إفساد الذائقة الفطرية.
5. الفساد الاجتماعي : ومن نماذجه : اختلاط الأنساب / التفرقة العنصرية / التغيير الدمغرافي / تجنيس غير المواطنين بمعايير غير قانونية.
6. الفساد البيئي : ومن نماذجه : الحرائق / استنزاف الثروات / الصيد في أماكن أو أزمنة محمية / الإكثار من المبيدات المؤثرة على التربة / قلة استغلال الأماكن الصالحة للزراعة.
رابعا : من مظاهر الفساد:
تتعدد مظاهر الفساد في أي مجتمع بتعدد أنواع الفساد السائدة فيه ؛ فقد تقلُّ في بلادنا – مثلاً – مظاهر الفساد الخلقي بينما تكثر مظاهر الفساد السياسي والإداري والمالي ، أو العكس ، والحق أنه لا تخلو دولة في الدنيا من فساد من نوع ما ، وإن كان تركيز العالم على الفساد السياسي والإداري أكثر.
ويضع رئيس منظمة الشفافية العالمية بيتر إيجن وصفا دقيقاً لنوع من أنواع الفساد فيقول : “إن الفساد في عملية إبرام وتنفيذ العقود يعتبر كارثة كبيرة على الدول المتطورة والنامية على حد سواء ، وعندما تكون الرشوة كبيرة ويغلَّبُ المال على القيم تكون النتيجة إنشاءات رديئة وإدارة ضعيفة للبنى التحتية ، إن ما يعمله الفساد هو رفع التكلفة وتخفيض مستوى الجودة“.
ومن مظاهر الفساد عدم العدل في توزيع البنى التحتية على المناطق المتعددة في الوطن الواحد.
خامسا : من النتائج السلبية للفساد:
1. استنزاف ثروات الوطن.
2. إفساد الذوق والضمير الوطنيين.
3. الإخلال بأمن المجتمع وتهيئته للتصارع.
4. ازدياد معدل الجريمة.
5. هروب رأس المال طلباً للأمان.
6. هجرة العقول والكفاءات بحثاً عن العمل.
7. الإحباط وتدهور الحالة النفسية للمواطن.
سادساً : من أسباب الفساد:
1. ضعف الوازع الديني.
2. ضعف الانتماء الوطني.
3. اقتران الثروة بالسلطة.
4. ضعف الحالة المادية للموظف.
5. البداوة والتخلف الحضاري.
6. ضعف الشخصية وقابلية الابتزاز.
7. الأنانية وضيق الأفق.
سابعاً : حديث القرآن عن الفساد:
قال تعالى : والله لا يحب الفساد.
وقال تعالى : فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم.
وقال تعالى : أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار.
وقال تعالى : ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد.
وقال تعالى : والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار.
ويكفي الفاسد خزياً أن يكون سلفُه فرعونَ وهامان:
قال تعالى : إن فرعون على في الأرض وجعل أهلها شيعاً يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين.
ومن العجب أن يتهم الفاسد خصومه بالفساد فيقول فرعون عن نبي الله وكليمه موسى : إني أخاف أن يبدل دينك وأن يظهر في الأرض الفساد.
وقال تعالى عن قارون إن الناصحين قالوا له : وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين.
ثامناً : من أسس علاج الفساد:
1. نشر الثقافة الإسلامية.
2. تعميق المواطنة والمسؤولية الجماعية عن طريق إصلاح التعليم والإعلام.
3. الصرامة في محاسبة الفاسدين وقطع الطريق أمامهم بمنعهم من تولي مناصب يمكن أن يفسدوها.
4. تحسين المستوى المادي للموظفين.
5. تفعيل هيآت الرقابة واختيار أصحاب النزاهة لتوليها.
6. إصلاح القضاء والمحافظة على فصل السلطات بشكل جاد.
أخيراً أهم الأفكار كخلاصة للمحاضرة:
1. يجب تجسيد الرغبة الوطنية في محاربة الفساد إلى واقع.
2. يجب علاج جميع أنواع الفساد كل حسب نسبة وقوعه في المجتمع.
3. الفساد من أخطر الكوارث على الدول حتى ولو كانت قوية.
4. من أكبر مظاهر الفساد العقود الوهمية والضابية في شروطها وضوابطها.
5. لا تنمية للمواطن ولا للوطن بدون إصلاح حقيقي.
6. لا يتوقع إصلاح من المفسدين (إن الله لا يصلح عمل المفسدين).
7. لا بد من الصرامة في تعقب المفسدين أينما كانوا وبشفافية واضحة.
والله أسأل أن يصلح نفوسنا وأحوالنا ، وأن يبارك لنا فيما أعطانا.
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.