ابراهيم ولد بلال ولد اعبيد
تناقلت بعض و سائل الإعلام نبئا مفاده أن الحزب الحاكم قام في بداية هذا الأسبوع بتنصيب لجنة تحت اسم ” لجنة حقوق الإنسان و العمل الاجتماعي” و يتضح من مجرد النظر إلى من أوكلت إليهم هذه المهمة، أن المبادرة غير جادة ، بل هي إحدى المناورات المكشوفة التي يقوم بها أباطرة النظام من اجل ذر الرماد في الأعين و تبني قضية الاسترقاق من أجل الاستهلاك الأجنبي.
إن هذه الأسماء التي اختيرت لمثل هذه المسؤولية، على الرغم من احترامي و تقديري لأبرزهم ، إلا أنه ليس لها أي تاريخ في مثل هذا العمل و لا تعرفهم شريحة لحراطين و لا يعرفونها بل إنهم كانوا إلى عهد قريب يتنكرون لانتمائهم إليها و يفضلون انتماءاتهم القبلية التي أوصلتهم إلى ما وصلوا إليه.
ثم إن الوقت الذي ظهر فيه هذا الاهتمام بمسألة الاسترقاق، قبل يومين من محاكمة بيرام و أقرانه من الحقوقيين على خلفية كشفهم عن حالة استرقاق لا غبار عليها في وسط العاصمة ، هي حلقة أخرى من حلقات ا لمسلسل المفبرك الرامي إلى حماية الاستعباديين و معاقبة المارقين على النظام العبودي الحاكم في مورتانيا.
عندما ظهرت حالة الاسترقاق هذه قامت السلطات بإجراءات استعجالية لمواراة الحقيقة عن الأنظار حتى لا يستيقظ النيام:
أولا: طلب من الشرطة أن تستفز الحقوقيين ، وتشتبك معهم، ليختلط الحابل بالنابل و تطلع النتيجة الأولية: عدد من الجرحى في صفوف الشرطة، واعتقالات تستهدف رأس الحربة، و مجموعة كبيرة تفحص فيما بعد لكي تصفى منها جماعة تشارك بيرام في “جرمه”
ثانيا: تحويل الأنظار نهائيا عن القضية الأم (استرقاق القاصرتين) حتى يعالج الملف بعيدا عن اللغط الحقوقي و الإعلامي ،و هذا أمر غير جديد لان تاريخ الاسترقاق لا يعرف النور، فالممارسات الإسترقاقية من بيع للعبيد و زناء بالإماء كان دائما يبرم بليل، و من كانوا يمارسون تلك الجرائم هم اليوم حكامنا و قضاتنا و مفوضينا و … فمن أين للمجرم إن يحاكم نفسه. إذن نسيت القضية الأم و استبدلت بقضية جديدة لغرض قديم يتمثل في ردع لحراطين وإيقافهم عند حدهم، حتى لا يتأثر” السلم الاجتماعي” الذي يعني فقط محافظة البيظان على مكاسبهم اللاّمشروعة، و هي مكاسب إن استيقظ لحراطين ستزول لأنها مبنية على غبنهم و إسكاتهم بسلطة المستعمر قديما و دولة الأـسياد هذه.
ثالثا: إرسال بعثات إلى داخل الوطن تقسم الفتاة على آدوابة ، و الخطاب الذي تحمل تلك “أللفتة الكريمة ” واضح جدا : أن الحكام و الوسطاء لا ينامون ، لشدة تأثرهم بما تعانونه من فقر وجوع و تهميش. و الغريب في الأمر إن ملاك العبيد هم من يتقدمون وفود الدولة المرسلة إلى هذه القرى، و لهم الفرصة لاستغلال ذلك في الانتخابات القادمة ز الاطمئنان على أن الرعية لم تسمع شيئا مما أثاره بيرام..
رابعا: تنصيب لجنة لمكافحة” آثار”الاسترقاق، والهدف الأساسي من ذلك هو أن نوهم الرأي العام الخارجي بأن المسالة تدخل في صميم اهتمامات القيادة الوطنية، بعيدا عن المزايدات والإعلام الجاد. و هنا أسجل ملاحظتين:
ــ أن اللجنة هذه لجنة سياسية في حين أن القضية التي أسست من أجل محاربتها هي قضية اجتماعية تاريخية لا سبيل إلى اجتثاثها دون محاكمة التاريخ، تاريخ الغبن و التهميش و الإقصاء . هذه هي مخلفات الرق و لا بد من نتفها بعروقها، ولن يكون ذلك نهائيا إلا إذا تحرك ساكن و تأثرت مصالح…
ــ ثم كيف يمكن معالجة مرض مشخص أصلا تشخيصا خاطئا ، فالاسترقاق هو الاسترقاق، أما آثاره فهي شيء آخر لا يقبل المعالجة بالوصفات، و لا بالقرارات بل إن معالجة الأسباب كفيلة باندمال آثار الجراح..
خامسا: بدء محاكمة الإخوة مع الإسرار على فصل ملفهم الجديد عن الملف الأصلي حتى لا يحاكم الرق و المسترقين و حتى يتم تنفيذ المشهد الأساسي في القضية البديلة. إذا من المنتظر أن تصدر أحكام قاسية ضد بيرام و جل زملائه ، حتى يستريح ملاك العبيد لفترة من هذا” المهرج” و ليكون عبرة لكل من سولت له نفسه السير على هذا الطريق، الذي يمس مصالح الأسياد و ملاك الدولة الموريتانية.
سادسا: في المقابل ستشهد الأسابيع القادمة عدة تعيينات من نصيب أطر لحراطين المستعدين لخدمة التوجه القديم الجديد للدولة و الرامي إلى شتم و سب بيرام و أمثاله و التطاول عليهم بكل ما يرضي ملاك العبيد و صناع القرار، إذا ضرب هؤلاء بيد من حديد و ترقية أولائك حتى يفهم ضعفاء العقول و المؤلفة قلوبهم بأن الدولة هي الآمر الناهي و القانون المتحكم هو قانون لتفتار.. و أن الّ كان ألاّ هو المزال: أقلية تتحكم في أغلبية ، إلى أن يمن الله على الذين استضعفوا في الأرض.. و هو وعد من الله لن يخلفه…
و نحن المستضعفين لن نرضخ و لن نسجد لغير الله.. و نضالنا مستمر بإذن الله و بكل الطرق الحضارية، مهما كانت نتائج المحاكمة ، أما الذين سيبلون بالتعيينات فأقول لهم إن الفضل في ذلك يعود إلينا نحن و نضالنا و ترفعنا عن الموائد المسمومة، إنكم تشربون دماء زكية شربها قبلكم أناس حققوا كل شيء في حياتهم ما عدى الوجود.. إن ما تأكلون هو تقيؤ بيرام يوم ضربته شرطة عرفات..
لقد خرج ماندلاّ من السجن بعد ان قضى فيه أكثر من ربع قرن متوجها إلى سدة الحكم، و قد كتب اسمه بأحرف من ذهب و سيبقى حيا إلى الأبد، فما هي النتائج التي حصل عليها الزولو و غيرهم من ماسحي نعل الجبابرة و ملاك العبيد.
ولقد أبيت على الطوى و أظله حتّى أنال به كريم المأكل
انواكشوط في 05يناير2011