التاه ولد أحمد
المدير الناشر لجريدة الفجر
يحتاج العالم العربي في سبيل تحقيق نمائه إلى ترسيخ المبادئ الديمقراطية، ويحتاج ترسيخ نظام الديمقراطية في العالم العربي إلى تحقيق أربع نقاط من شأنها الإسهام في إقناع الزعماء العرب بضرورة قبول التناوب السلمي كأساس للمبادئ الديمقراطية.. و”الديمقراطية” هي مجموعة مبادئ رسمها اليونانيون حين أبدعها مفكرهم العظيم “أفلاطون” من خلال أحكامه الستة، وتبناها الغرب حديثا، كحل جذري لجعل السلطة أداة للتقدم والنماء لا عائقا في وجه هذين الهدفين المهمين.
فكرسوا بتبنيها مجموعة مبادئ منها:
1- مبدأ التناوب السلمي
2- مبدأ حرية الرأي “المعارضة“
3- مبدأ حرية التعبير “الصحافة“
4- مبدأ حرية المبادرة
5- مبدأ العدالة الاجتماعية وغيرها من المبادئ ذات البعد الأخلاقي السياسي.
وقد حقق الغرب بتبني تلك المبادئ ثورة هائلة في شتى المجالات العلمية والاقتصادية والصناعية . غير أن العالم العربي مازال يعاني من حساسية مفرطة في تطبيق المبادئ الديمقراطية، محتفظا بالنمط التقليدي القديم في الحكامة والسلطة، فأدى به ذاك إلى التأخر عن ركب الحضارة رغم ما يتمتع به من ثروات اقتصادية هائلة.. إلا أنه ومع تزايد وتيرة تقارب الشعوب فيما يعرف بتمدد العولمة وانتشار الوعي، بدأ بعض الشباب في بعض الدول العربية، مدعوما من طرف وسائل إعلام عربية مستنيرة، يضع أسسا جديدة للحكامة في العالم العربي من خلال ثورات شبابية أطاحت ببعض الرؤوس وتهز أخرى للإطاحة بها كما أفزعت رؤوسا أخرى فبدأوا في إجراءات عاجلة لتفادي الموجات المهاجرة من بلد عربي إلى آخر وتظاهر آخرون بعدم اكتراثهم بها..
ومما يتضح من خلال مطالعة لواقع الحكامة في العالم العربي فإن رؤية واحدة تحكم عقليات جميع الحكام العرب، وهي الرؤية المتمثلة في “السلطة أو لا شيء”، وهي الرؤية المنبنية على أساس تقاسم الثروة بين القمة والقاعدة، فتستمر الأحكام وتتواصل في ظل تباعد مطرد على مستويات المعيشة بين تلك القمة وهذه القاعدة، حيث يزداد الحكام ثراء وتزداد شعوبهم فقرا وبؤسا.. ينزل الحكام العرب في مواضع اللعنة من شعوبهم، بعد إحساس تلك الشعوب بالغبن والتهميش، ويدرك القادة عدم ترحيب شعوبهم بهم فتحدث حالة انفصام، يدرك منها الزعماء أنه لا خيار سوى البقاء في السلطة أو الموت أو الإهانة والإذلال في السجون أو في المنفى. وأمام لوحة المستقبل القاتمة هذه، يختار الزعماء العرب البقاء إلى آخر لحظة في الحكم معتمدين – بالإضافة إلى أجهزتهم الأمنية- على بعض من ثلاثة دعامات أساسية هي
: 1- القبائل، حيث أن بعض الدول العربية مازالت عاجزة عن تجاوز مراحل العشائرية التقليدية، وهي تجمعات تنبني على أسس وروابط القرابة والعرقية، وهي منافية للحضارة والمدنية، وقد ساعدت بعض الأنظمة في ترسيخها كأداة لتثبيت النظام..
2- الجيش، حيث أن العقليات في أغلب الدول العربية مازالت محكومة بالقانون الفطري للطبيعة المتمثل في سلطة الأقوى، فقد مكن ذلك جيوش العالم العربي من التحكم في مصير شؤون مواطنيهم بقوة السلاح.
3- الأحزاب السياسية وعادة ما تكون هذه الأحزاب وكرا لطبقة المثقفين السلبيين ممن لا يملكون القدرة على أداء الدور المنوط بهم من تنوير المجتمع وقيادته والدفاع عنه، حيث تتراجع مكانتهم وثقة الناس بهم مع اتساع الهوّة بين ما يكتبون وما تعيشه شعوبهم وتصطلي به من وقائع قد يصل إلى الحضيض في بعض الأحيان، ولكنهم يمدون السلطة بالقوة من خلال تبريراتهم لتصرفاتها ودفاعهم عنها.
وبهذه الدعائم رسخ الحكام العرب قبضتهم على النظم وكانت حصنا حصينا لهم في مواجهة الزعازع وهبات الشعوب للتخلص منهم.. وأخيرا أدركت أغلب الشعوب العربية، من خلال مقارنة واقعها بواقع مثيلاتها من الدول الغربية، أهمية ترسيخ المبادئ الديمقراطية في سبيل اختيار قيادات صالحة وذات قدرة على تحقيق النماء والتقدم، غير الحكام العرب كانت لديهم نظرة أخرى. لا يرغب أي حكام عربي في التنازل عن كرسيه وسلطته، إذ يرى أن مصيره بعد ذلك هو الإذلال والإهانة بالسجن أو المنفى بل وربما بالإعدام شنقا حتى الموت، وبالتالي فإنه يتوجب عليه البقاء حتى آخر لحظة.. غير أن السؤال الذي يجب أن يثار في هذا الموضع هو: هل يقبل أي زعيم عربي أن يعيش في وطنه مكرما كما يعيش الآن بيل كلينتون وغيره من الزعماء الأمريكيين و الأوربيين السابقين في بلدانهم؟
قد لا يبدو من السهل إقناع زعيم عربي بتطبيق ذلك على غرار عبدو ضيوف في السنغال مثلا.. مما قد يقود أغلب الشعوب العربية إلى اتخاذ قرار حاسم بالتصادم مع أنظمتها، ليبقى وعي عقليات القائمين على المؤسسات العسكرية أو تخلفها هو الميزان المرجح لإحدى الكفتين إما لصالح الشعوب أو لصالح الحكام.. غير أن ضمانات من نوع ما قد توفر للحكام العرب فرصة التفكير في مصيرهم، والتعايش بسلام مع شعوبهم وفي أوطانهم.. وذلك من خلال معرفة الهواجس والمخاوف لدى هؤلاء القادة والزعماء من أجل علاج وضمانات لها تسمح لهم بالتنازل عن أحكامهم وتجنيب بلدانهم وأنفسهم شر التسلط والتدمير، ولعل من أهم تلك الهواجس والمخاوف ما يلي:
1- الخوف من فقدان المركز المالي: ففي حالة خروجه من السلطة دون الحصول على مبالغ مالية قد يتعرض الزعيم للفقر وسوء الحال بعد أن كان متحكما في كافة موارد الدولة، بل إنه في حالة خروجه من النظام وقد وضع لنفسه كل الاحتياطات المالية، فإنه قد يتعرض لمصادرة تلك الممتلكات في غياب عدالة حقيقية، أو بمفعول العدالة نفسها.
2- الخوف من فقدان الميزات المعنوية: فبعد أن كان الزعيم العربي هو الآمر الناهي والمتصرف المطلق، فإنه يصبح فاقدا لكل تلك الميزات والمكانة العالية وبالتالي يشعر بالتهميش والدونية خصوصا في المجالات السياسية والتنموية..
وكحل لتلك المخاوف فإنه ينبغي وضع حلول ملائمة من طرف القادة العرب أو المحيطين بهم، ولتحقيق ذلك فإن مقترحا كإنشاء مؤسسة ذات طابع خيري اجتماعي وبميزانية سنوية عالية توازي ميزانية أكبر القطاعات في ذلك البلد على أن تكون معفية من الضرائب والتفتيش فإنها قد تساهم -في حالة تقريرها لمدة عشرين إلى ثلاثين سنة- لأي زعيم عربي يقبل التنازل عن حكمه مقابل ترسيخ مبدأ التناوب السلمي.. كما قد تساهم العلاجات النفسية والإقناع بامكانية استمرار حياة الإنسان بعد تنازله عن السلطة في قبوله لهذه المؤسسة وتخليه عن الحكامة.