مهرجان الصحراء في مالي يتحدى الخوف.. وهاجس الخوف قلل عدد زواره الأجانب
تنبكتو ـ صحراء ميديا
نظمت بالقرب من مدينة تنبكتو المالية فعاليات النسخة الثانية عشر من مهرجان الصحراء، بمشاركة غربية، وفي ظل أجواء أمنية خاصة، وكانت السلطات قد طلبت من منظمي المهرجان منذ العام الماضي عدم إقامته في منطقة “اسكن” على بعد 80 كلم شمال تنبكتو وهي منطقة وعرة تمتاز بكثافة كثبانها الرملية.
وقال ضابط في الجيش المالي مسؤول عن أمن المهرجان لصحراء ميديا إنهم قاموا بنشر ما يزيد على 2500 جندي طوقوا منطقة المهرجان، إضافة لعناصر أخرى من الدرك والشرطة انتشرت حول وداخل مكان انعقاد المهرجان، وأضاف الضابط ان هناك أربع طائرات هلكوبتر وأربع طائرات حربية تقوم بطلعات جوية استطلاعية باستمرار.
وحضر المهرجان عدد من المسؤولين الحكوميين الماليين في مقدمتهم الوزيرة الأولى سيسي مريم كايدما سيديبي، و وزراء الأمن، السياحة، الثقافة، و الإعلام، وعشرات المسؤولين من مختلف القطاعات.
وفي الحفل الختامي أعلنت الوزيرة الأولى أن دعم الدولة للمهرجان قد تم على أكمل وجه تماما كالأعوام الماضية، معطية إشارة بدء التحضير للنسخة القادمة من المهرجان، وبدعم حكومي كذلك.
وطلبت السلطات المالية من المدير المشرف على المهرجان أماني آغ حميا الأنصاري، تنظيمه في تنبكتو نظرا لدواع أمنية، وهو ما كلفه تكاليف إضافية كبيرة، حسب إدارة المهرجان.
وكان منظم المهرجان قد أنشأ موقعا خاصا في عمق الصحراء على الكثبان الرملية، وقال إنه تكلف إمكانيات هائلة لكي يوفر الراحة لزوار المهرجان خصوصا القادمين من “الدول الراقية”.
ويقول منظمو المهرجان إنه لم يكن من السهل تذليل الكثبان وتوفير الإمكانيات اللازمة، ومن ثم ترك كل ما تم بناءه في “اسكن” نظرا للظروف الأمنية.
إجراءات أمنية
ولوحظ وجود عناصر أمن متخفين بين المشاركين أغلبهم مسلح، في حين تم تكليف أكثر من مائة شخص من ذوي الخبرة العسكرية بالسهر على ضبط المهرجان.
ورغم التحديات الأمنية وإعلان فرنسا ودول غربية تنبكتو منطقة حمراء وخطرة وممنوعة على الرعايا الغربيين، إلا أن المهرجان شهد حضورا غربيا ملحوظا، حيث حضره 143 سائحا و 35 متطوعا غربيا و41 صحفيا دوليا. وقال منظمو المهرجان إن المشاركين فيه جاءوا من 60 جنسية مختلفة.
ورغم استبشار المنظمين بهذا الحضور إلا الأرقام تشير إلى تراجع كبير بالمقارنة مع السنوات الماضية.
وقال مدير المهرجان اماني اغ حميا الأنصاري خلال مؤتمر صحفي في اليوم الأول من المهرجان إنه منذ 12 عام وهم ينظمون المهرجان المعروف بانه الأصعب على الإطلاق بسبب البعد.
وقال الأنصاري ردا على سؤال لصحراء ميديا إن الذي يزيد المهرجان صعوبة انه ينظم في الجانب الممنوع من مالي علي المجتمع الغربي، و الذي يخيف القادمين من الدول الغربية “ما يمنع عددا كبيرا من الناس الذين يودون مشاركتنا للمهرجان من المجيء، الأمر الذي قلص عدد المشاركين فيه بشكل كبير” حسب تعبيره.
وأضاف :”الصعوبة الأخرى هي ان ممولينا أغلبهم غربيون، وانسحبوا بسبب الوضع الراهن، ما عدى ثلاث دول، إضافة لصعوبات أخرى في التمويل، فلقد قلت التذاكر وقل الحضور وقل الرعاة”.
وردا على سؤال لصحراء ميديا عن ماذا يفتقد في هذا المهرجان مقارنة مع النسخ السابقة؟ قال اماني اغ حميا الأنصاري :” افتقد العديد من الأصدقاء الذين منذ الأمس تصلني مئات الرسائل منهم…يودون الحضور معنا ويمنعهم، أبنائهم أو آبائهم أو أقاربهم خوفا عليهم”.
ردا على من يتهم المهرجان بأنه يستهدف للإسلام في المنطقة، قال الأنصاري إن هذه هي المرة الأولى التي يسمع بها مثل هذا الاتهام، قائلا:”إننا في أول مدينة إسلامية في غرب أفريقا جنوب الصحراء، والمدينة مشهورة بذلك من خلال مكتباتها الإسلامية، ووضع تنبكتو معروف لدي الجميع من هنا إلى الأزهر الشريف في مصر.. إلى المدينة المنورة في السعودية، وإذا لم يقل علماء وأئمة تنبكتو إن المهرجان مستهدف للإسلام لا اعرف من يمكنه قول ذلك”.
المهرجان..والقاعدة
تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي يعادي المهرجان ومثيله من الأنشطة، ألا تخشى على نفسك بصفتك العمود الفقري للمهرجان؟
يرد اماني اغ حميا الأنصاري على سؤال صحراء ميديا بأن المهرجان ينظم منذ 12 عاما ولم يسبق لمنظميه أي نوع من الاتصال مع القاعدة ولم يسبق أن تلقوا رسالة منهم، ولم يسبق أيضا أن تلقوا تهديدا منهم.
قائلا : كل ما اعلمه أن عناصر القاعدة التي تدخل بعض المناطق تقول للناس نحن لسنا هنا من أجل ما يتعلق بكم ولا نهتم به، عداؤنا مع الغرب وأنتم كل ما يتعلق بكم ويخصكم ليس مشكلتنا، وهذا مهرجان خاص بشعب تنبكتو وليس للغرب وهو متعلق بإسلامنا الذي يرحب بكل الديانات ومدينة تنبكتو دائما كانت جسر بين مختلف الأديان ومختلف الثقافات.
وأضاف : وكانت تنبكتو مركز الالتقاء بين الشعوب الشمالية المسلمة والجنوبية غير المسلمة، ما ساهم في نشر الاسلام في تلك الدول بفضل تنبكتو التي كانت ملتقى الجميع، والشيء نفسه للمسيحيين الذين كانوا يمرون من هنا ولم يسبق أن سمعنا بأن مبشرا مسيحيا قتل لأنه مسيحي. إذا هذه المشكلة لم تصل إلينا بعد، وأيضا احتاج لان تخبرني (يقصد مراسل صحراء ميديا) من أين سمعت بأن القاعدة ضدي، فأنا على حسب علمي فان القاعدة إذا كانت معادية لشخص فسوف تخبره حتى الأمريكان الأكثر قوة.
وخلال المؤتمر الصحفي قال مدير المهرجان إن عدم مجيء أكثر من 4 فرق غربية ليس ناتجا عن الخوف، “فعندما وقعت أحداث هومبري وتنبكتو كنا نعد للمهرجان ولقد حددنا الفرق الغربية الأربعة التي ستحضر، لأنه مهرجان تراثي للفرق التقليدية وهناك عشرات الفرق الغربية طلبت منا الحضور رغم المخاطر ولكن برنامج المهرجان لا يسمح بأكثر من 4 فرق غربية” حسب تعبيره.
وأضاف أن مجيء نجم الروك العالمي الايرلندي “بونو” لم يكن مبرمجا، فقد ورده اتصال بان هناك شخصية بارزة تنتظره في المطار فذهب إليه، ووجد الطيار وقال له ادخل وسوف ترى من ينتظرك لتنزل معه وعندما دخلت وجدت بونو ، وهو الوحيد من الفنانيين الغربيين الذي حضر رغم أنه لم يكن في البرنامج.
وأكد الأنصاري بأنهم تلقوا الضوء الأخضر من أعلى سلطة في البلاد، حيث سمح لهم بأن يعدوا برنامجهم، وأبلغوا أن الأمن ليس من مسؤوليتهم.
وشكل حضور عملاق الروك الايرلندي الشهير الفنان الأكثر شعبية في أوروبا مصدر فرح للمشاركين في المهرجان حتى أن احدهم قال لصحراء ميديا إنه الأكثر حظا على وجه الأرض وانه كان خائفا بعض الشيء ولكنه بعد ان علم بوجود بونو هنا لم يعد قلقاً.
وكان بونو يرفع إصبعيه أثناء الغناء مع فرقة “تناريوين” الأكثر شهرة على مستوى الساحل، وهي فرقة من الطوارق استمدت شعبيتها سنوات التسعينات، أيام التمرد حيث كان فنانوها ألفوا أغان تدفع الناس للثورة، وهي المثل الأعلى لكافة الفرق.
بين الخوف..والفرح
كانت مشاعر الخوف واضحة في البداية على وجوه المشاركين القادمين من دول غربية، بسبب التهديدات الأمنية، وتتالي عمليات الاختطاف في المنطقة، غير أنهم حرصوا على عدم تفويت فرصة نادرة مثل هذه على حسب ما قال بعضهم، خصوصا وأن الإجراءات الأمنية ساهمت في طمأنتهم.
ومن بين من حضروا المهرجان الفنانة الموريتانية الشابة نوره بنت سيمالي التي ضمت فرقتها أمريكيا وفرنسيا، وردا على سؤال لصحراء ميديا عبرت بنت سيمالي عن شكرها للسلطات المالية ومنظمي المهرجان والشعب المالي على حسن الاستقبال.
و قالت :” في البداية كنت مرتبكة وخائفة على نفسي وعلى الفرنسي والأمريكي اللذين معي في الفرقة، ولكن بعد أن وصلت ورأيت بنفسي الإجراءات الأمنية لم أعد خائفة.
من جهته قال الفرنسي “داستين” عضو فرقة الفنانة الموريتانية نوره، إن المشاركة في مهرجان في الصحراء هو حلم بالنسبة له، وقد تحقق ولم يفكر إلا في ذلك الحلم، ولم يفكر في الخوف وخاصة عندما وصل ووجد أن الأمن مستتب جدا.
وعلى هامش المهرجان نظم برنامج الأمن والتنمية الخاص بشمال مالي والساحل من أجل السلام والتنمية PSPSDN لقاءا صحفيا حضره عدد كبير من العائدين من ليبيا من أبناء تنبكتو، وأكدوا في بعض المداخلات بأنهم أتوا دون سلاح، لذلك لم تستقبلهم حكومتهم كما ينبغي وأنه لا سلام بلا حقوق للجميع.
وذهب بعض المتدخلين للقول بأنهم لا يفرقون بين الموت بالسلاح والموت جوعا، وأنهم مع السلام ويدعون دولتهم بأن تقف معهم من أجل السلام ومن أجل تشغيل وتأهيل الشباب، وتوفير المياه للزراعة.
وفي مداخلة لرئيس برنامج PSPSDN “امغار آغ اغلاف” أكد أن البرنامج الذي تبلغ ميزانيته أكثر من 30 مليار فرنك، معد على أن ينشىء معسكرات ومنشآت مدنية، و أن السلام والأمن هما الأساس في أية تنمية وانه لا تنمية دون سلام و أكد بان البرنامج سوف ينشىء سجنا في كيدال التي لا يوجد فيها سجن، ومن الظلم أن المتهم يحضر إلى “غاو” أو باماكو مما يضيع الكثير من الوقت قبل أن تثبت براءته.