– قراءة مقارِنة في مشروع القانون الإطاري المتعلق بالعنف ضد النوع –
الدكتور:هارون ولد عمَّار ولد إديقبي
رئيس محكمة ولاية نواكشوط الجنوبية.
دُون تَعَمُّق؛
يبقى الجدل حول مصطلح معالجة العنف المسلط على المرأة حائلا دون أي حسم في تحديد موضوعه: الاعتداء- agression، العنف- violence، النوع- sexe، الجَنْدَر- Gender، الجنس، أو الأنثى، ومردُّ ذلك للمسار التاريخي والفلسفي لقضية المرأة ككائن وللحركة الأنثوية التي بدأ التنظير لها إبَّان القرنين:18-19 مع الفيلسوف جون ستيوارت مل، الذي وضع أصول تلك الحركة في كتابه: “استعباد النساء”، مختزلا فيه قناعته بأن الزواج جمع كل العوامل المؤدية إلى استعباد المرأة، و مع تعالي الحراك الديمقراطي والثوري للتنظيمات النسائية المطالبة بالمساواة، كان الربع الأخير من القرن العشرين، ظرفا اقتنعت فيه الأمم المتحدة بضرورة التحرك الفوري في هذا الاتجاه فعقدت أربع مؤتمرات: مؤتمر المكسيك 1975، مؤتمر كوبنهاكن 1980، مؤتمر نيروبي 1985، مؤتمر ابكين 1995 الذي خصص بالأساس لمناقشة العنف الممارس على المرأة، و أعطت تلك المؤتمرات فرصة كبيرة للمجتمع الدولي لرصد حالات العنف ضد المرأة مما أدى إلى تداعيها لوضع إطار تشريعي دولي ناظم للمقتضيات الدولية المناهضة فكانت الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة SEDAW 1979 ، ومن خلال إعلان 1993 العالمي حول مناهضة العنف ضد النساء، تم تخصيص يوم عالمي لمناصرة قضايا المرأة، والقضاء على العنف ضدها، حددته الجمعية العامة للأمم المتحدة بيوم 25 نوفمبر من كل عام.
لقد شهد العالم طفرة في المفاهيم المعالِجة للعنف أدت إلى ظهور مصطلح النوع أو الجندر Gender لأول مرة في وثيقة مؤتمر القاهرة للسكان 1994 حيث ورد هذا المصطلح في 51 موضعا منها، فوثيقة مؤتمر بكين 233 مرة، ثم نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية 1998 الذي ورد فيه: إن كل تفرقة أو عقاب على أساس الجندر يشكل جريمة ضد الإنسانية”، و الجندر اصطلاح إنكليزي من أصل لاتيني يعني (الجنس) مطلقا، ظل متداولا من دون تعريف نهائي له في الوثائق الدولية مترجما في النصين العربي والفرنسي بمعنى الجنس sexe:ذكرا أو أنثى، ولئن كان هذا لفظ الجنس- sexe مرتبطا بالمميزات البيولوجية المحددة التي تميز الرجل عن المرأة وهي ميزات ثابتة لا تتغير بتغير الثقافة أو الزمان أو المكان، فان لفظ الجندر يرتبط بالخصائص التي يحملها الرجل والمرأة كصفات مركبة اجتماعية لا علاقة لها بالاختلافات العضوية، فالجنس حالة نولد بها وهي ثابتة، في حين الجندر حالة نكتسبها فهي متغيرة من خلال إعادة بناء العلاقات بين النساء والرجال على أساس المساواة الجندرية، بحيث يتساوى الجنسان فيما يتعلق بالعلاقة بينهما، لجعل المرأة تعلب بفاعلية أدوارها الثلاثية: الدور الإنجابي، الدور الإنتاجي المأجور، والدور المجتمعي.
وسواء أطلقنا على الممارسة الشائنة ضد المرأة عنفا ضد النوع، أو ضد الجنس أو ضد الجَنْدَر فإن الجميع مجمع بغض النظر عن الثقافة والعادة والدين على أن الاعتداء عليها من شأنه تدخل المشرع لمعالجته معالجة تشريعية تتماشى مع المقتضيات الدولية في مجال حقوق المرأة والتطلعات المشروعة للمرأة نحو المساواة.
وفي هذا المجال اتفق العالم من خلال الإعلان العالمي لمناهضة كافة أشكال العنف ضد المرأة على تعريف تلك الممارسة العنف في مادته الأولى بأنه: ” أي اعتداء ضد المرأة مبني على أساس الجنس والذي يتسبب أو قد يتسبب في إحداث إيذاء أو ألم جسدي ، أو جنسي أو نفسي للمرأة ، ويشمل أيضا التهديد بهذا الاعتداء أو الضغط أو الحرمان التعسفي للحريات سواء حدث في إطار الحياة العامة أو الخاصة”، و به يكون العنف ضد المرأة ليس نتيجة للتمييز فقط ، إنما التمييز مُــكوِن من مكوناته، وهو ما أدى إلى التخوف و الخوف إلى اختلاف المواقف منه، رغم تعاقب التوصيات الدولية بإدانته والقضاء عليه و الوفاء بالالتزام عن طريق سن القوانين الداخلية الكفيلة بذلك.
وكتنفيذ لهذا الالتزام الدولي الذي صادقت عليه موريتانيا قدمت الحكومة مشروعا من 74 مادة لمعالجة العنف ضد المرأة، لكنها لم تتخوف من هلامية مصطلح: النوع أو الجندر الذي يخيف كثيرا من الدول المشابهة لنا في الخلفيات: الدينية ، والثقافية، والتراثية ، فسمته القانون الإطاري المتعلق بالعنف القائم على النوع.. ، وفاء بالتزام دولي لسد الثغرات التشريعية في قانونا الوطني .
لكن هذا الوفاء قد تحول دونه عوائق “شكلية”، وعقبات تقنية تتجاوز تسمية المشروع إلى مضمونه الذي تشوه بفعل سوء الترجمة، وضعف المواءمة مع المقتضيات الشرعية، والدستورية، والخلط بين المصطلحات والمفاهيم القانونية المتمايزة، والتحليق بالإجراءات القضائية المصاحبة، إضافة إلى استفزاز التسمية الواضح، مما يحتم تجاوز التسمية إلى نقد المضمون، ودعمه أحيانا للوصول إلى الهدف الأساسي منه : معالجة الاعتداء أو العنف ضد المرأة الممارس في ظل الفراغ التشريعي الواضح من خلال النقاط التالية:
- يهمل المشروع وضع تعريف محدد للعنف أو الاعتداء الواقع على المرأة سواء في محيطها الداخلي أو الخارجي، و للخروج من شبهة الاختلاف حول تحديده ينبغي الالتزام بالمدلول الدولي الوارد في المادة الأولى من الإعلان العالمي لمناهضة كافة أشكال العنف ضد المرأة كما فعلت كل التشريعات المشابهة.
- يعنون المشروع الباب الثاني منه بالعقوبة المطبقة على الجنح والجرائم الجنسية ضد النساء ، ويخلط فيه مجموعة من الجرائم كالاغتصاب، والتحرش الجنسي، والزنا، وزنا المحارم وهي جرائم جنسية بحتة، بجرائم أخرى غير جنسية كالضرب، والجروح، والاحتجاز والممارسات اللانسانية، والشتم، والاختطاف و التخويف بالأطفال، وفرض السلوك والابتزاز، والمنع من الولوج للميراث، وعدم احترام قرار السلطة، و زواج فاقد الأهلية، وقيد الزواج، ومتابعة المدانين بالاعتداءات الجنسية ضد النساء، وكلها جرائم ليست جنسية بالمعنى المتداول للكلمة، فكان الأولى أن يكون عنوانه: باب في جرائم العنف أو الاعتداء ضد المرأة .
- يعالج المشروع جريمة الاغتصاب معالجة شوَّهت المقتضيات الواردة في القانون الجنائي، المواد: 309-310 ، والمادة:24 من قانون الحماية الجنائية للطفل ، و يأتي هذا التشويه أساسا من التعريف الذي اعتمده المشروع للاغتصاب: ” كل فعل أدى إلى اختراق للفرج أو المخرج أو الفم مهما كانت طبيعته مُرْتَكبٌ على شخص دون رضاه بعنف، أو إكراه أو تهديد” [المادة:7]، فزادت في القيد الاغتصاب الفموي وجعلته موجبا للحدِّ، وفقها لا يسلَّط الحد على المغتصب بواسطة إيلاج بالفم وإنما عليه الأدب الشديد، قال ابن فرجون: ” و في مفيد الحكام ومن أتى غلاما أو امرأة في غير الفرج بولغ في أدبه على قدر سفهه”، فالاغتصاب شرعا حمل الغير على مالا يرضاه بواسطة الإكراه والاستطالة والقهر على الزنا، وقد أحسن ابن جزي حين فرق بين الغصب والتعدي فجعل الغصب اخذ رقبة الملك أو المنفعة بغير إذن المالك على وجه الغلبة والقهر دون حرابة، بينما قال في التعدي، “وهو اعم من الغصب لان التعدي يكون في الأموال والفروج والنفوس والأبدان”. ولا شك أن تعبير الفقهاء بالاستكراه بدل الاغتصاب أعم لشموله للنوعين.
فالاغتصاب إكراه أو إلجاء يسقط الحد بلا خلاف و إنما اختلفوا في وجوب الصداق لها، قال ابن رشد: وسبب الخلاف هل الصداق عوض عن البضع أو هو نحلة فمن قال هو عوض عن البضع أوجبه في البضع في الحِليَّة والمحرمية ومن قال انه نِحْلة خص الله به الأزواج لم يوجبْه ، واختلف الفقهاء في الرجل المستكره فقال الأحناف بسقوط الحد عنه، مفرقين بين الإكراه الملجئ و غير الملجئ، وقال الشافعية لا حد عليه في كليهما، واختار الحنابلة المالكية وجوب الحد مطلقا ، وإن قال بعض المالكية بسقوط الحد إن كان التهديد بالقتل، والذي يظهر سقوط الحد عن المكره مطلقا لتطابقه مع قاعدة درء الحدود بالشبهات.
لقد زادت المادة الشروع ونصت على انه يعاقب بالأشغال الشاقة، وأغفلت التنصيص على استكراه [اغتصاب] الرجل على الزنا و سقوط الحد عنه أخذا بمذهب الجمهور القوي، و لم تأت بجديد فيما يتعلق بالصداق والتعويض اللازم مذهبا بدون يمين وفقا لاستحسان اللَّخمي، وبتعدُّد الوطَئات كما في التَّسُولي ، ولم تأت بجديد في مسألة إلحاق ما نتج عن الاغتصاب من ولد خصوصا في حال خلو المغتصبة من فراش أي زوجية و إقرار المغتصب به، و كان الأولى تشبثا بالمصلحة وهي أصل مذهبي ثابت الإلحاق، ولو خلافا لمذهب جمهور العلماء اعتمادا على قول مستساغ عقلا لتعويضها صداق المثل، و أرْشَ فض البكارة، وشرعا لتضارب أراء المذاهب الإسلامية في شان ولد الزنا أحرى الاغتصاب، بين قائل بثبوت نسبه من أمه دون أبيه، وهو قول الجمهور، وقائل بأنه لا يثبت نسبه شرعا لا من أبيه ولا من أمه ولا يرث منهما ، وهو مذهب الشيعة الإمامية ، وقائل بثبوت نسبه من أمه وأبيه إذا ادعاه و لو قال انه من الزنا، ولم تكن المرأة ذات فراش وهو مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم ، و حكى كل منهما ذلك عن إسحاق بن راهويه، و هو مذهب الحسن البصري، وعروة ابن الزبير، وسليمان بن يسار وهو مذهب الأحناف بقيد عدم القول انه من الزنا عند الادعاء، محتجين بان عمر بن الخطاب كان يليط أولاد الجاهلية بمن يدعيهم في الإسلام، وقد أوَّل إسحاق بن راهويه قول النبي صلى الله عليه وسلم الولد للفراش بان ذلك إنما يكون عند تنازع صاحب الفراش والزاني فحيث لا فراس فقد زال المحذور، قال ابن القيم: “وهذا المذهب ظاهر كما ترى قوة ووضوحا”.
بل يفهم من تعقيب التَّسولي على قول ابن عاصم: و واطئ لحرة مغتصبا صداق مثلها عليه وجبا، بقول الحطَّاب فائدتان: الأولى يجتمع لُحوق الولد والحد في خمس مسائل إحداها الرجل تكون عنده الأمة فتلد منه فيقر بعد الولادة بأنه غَصبها فيلحق به الولد لأنه يتهم على قطع نسبه ويلزمه الحد”، لذا يقول العلامة عدُّود: في التسهيل: “..ذكرها في التوضيح في كتاب الاستلحاق بعيد قول ابن الحاجب: و يحد الواطئ العالم و الولد رقيق و لا نسب له وقال بعدها :وليس ذكر هذه المسائل على سبيل الحصر بل الضابط أن كل حد يثبت بالإقرار ويسقط بالرجوع عنه فالنسب ثابت معه، وكل حد لازم لا يسقط بالرجوع عنه فالنسب معه غير ثابت..”.
ولم يتحدث المشروع عن رضا القاصر وهو غير البالغ سن 18 حيث كان ينبغي اعتبار الرضا بالزنا لدى القاصر منعدما فتكون كل مُوَاقَعَة له اغتصابا ولو برضاه وهو فراغ قانوني قاتل كان الأولى سدُّه، وقد أحسن الفقه حين كرس ذلك، يقول التَّسولي: … “وهذا إنما إذا كانت بالغة يعتبر إذنها، وانظر لو كانت صغيرة يوطأ مثلها وطاوعته على الزنا بها هل عليه صداقها وهو الظاهر لأن إذنها غير معتبر، وأما من لا يوطأ مثلها فإنما عليه ما شَانَها ونقصها عن صداق مثلها لان وطأها جرْح لا وطء”.
و لقد فات على المشروع اعتبار اغتصاب المحارم (الآباء، والأبناء…) ظرفا مشددا ترتفع معه عقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة إلى الشاقة المؤبدة إذا كانت العقوبة الجلد فقط خصوصا انه يعاقب على زنا المحارم (الواقع بالرضا) بالإعدام [ المادة:10 منه] وهو فراغ تشريعي يجب سدّه، ولنا هنا أن نشير إلى تفاهة العقوبة المنصوص عليها في تشريعنا للعقوق الذي هو كبيرة من الكبائر يعتبرها قانونا للأسف جنحة لا تتجاوز عقوبتها السنتين، المادة:288 من القانون الجنائي، وما من شك في أن اغتصاب الآباء كبيرة تنْضاف إلى كبيرة العقوق لأن كل مغتصب عاقٌّ في النهاية.
- يعرف المشروع الزنا بأنه: “وطئ بمغيب حشفة في فرج أنثى برضاها خارج إطار الزواج وهو تعريف غير جامع يضيِّق من مفهوم الزنا حين خصَّه بمُواقعة برضا في فرج أنثى بينما عمم وفصل في الاغتصاب كما مضى فجعله في الفرج والدبر والفم ، يقول خليل :” الزنا وطء مكلف مسلم فرج آدمي لا ملك له فيه باتفاق تعمدا وإن لواطا، أو إتيان أجنبية بدبر، أو إتيان ميتة غير زوج أو صغيرة يمكن وطؤها ..” فمن أتى المرأة من دبرها فحكمه حكم الزنا إن جاوز الختانُ الشَّرْجَ، و وجهه أنه احد فرجي المرأة كالقبل و هو مذهب ابن الماجشون ، و ذهب أبو إسحاق أن حكمه حكم اللواط وهو الرجم أحصن أو لم يحصن ، ولم يخرج المشروع القاصر ذكرا أو أنثى كما فعل خليلٌ بقوله وطء مكلف، و قد أحسن الفقه حين فاق التقنين في التفصيل: وجعل أهلية البلوغ شرطا في توجب العقوبة يقول ابن فرحون: فلا حد على صبي و لا صبية ويعاقبان، ولا تحد البالغة بوطء صبي وان قوي على الجماع، ويحد البالغ بوطء الصبية إذا كان مثلها يوطأ، و قال ابن القاسم يحدّ و إن كانت بنت خمس، و اوجب في المدونة الحد بالإنبات ولم ير ذلك ابن القاسم وقال أحب إلي أن لا يحكم بالإنبات ، وإذا قلنا يحكم بالإنبات فلا بد أن يكون إنباتا بيِّنا بشعر اسود و من وجب عليه الحد وقد انبت ولم يبلغ أقصى سن من يحتلم وادعى انه لم يحتلم ففي حده قولان لمالك والأصح سقوط الحد لأجل الشك، قال ابن رشد ولا اختلاف عندي أنه يعتبر الإنبات فيما بينه وبين الله تعالى من الأحكام يريد الصوم والصلاة والحج”.
وقد أهمل المشروع الاعتداءات الجنسية الأخرى كالوطء بين الفخذين، والاستمناء، و المُسَاحَقة والتي لا تعتبر زنا في تعريف المشروع لكن الفقه لم يهملها حيث أوكل العقوبة فيها إلى اجتهاد الإمام بناء على تصويب الباجيِّ
إن الصياغة الواردة في المادة: 9 المتعلقة بالتغريب هي صياغة تروم ما ذهب إليه المالكية من حبس المُغرَّب في سجن البلد الذي غرب إليه خلافا لما ذهب إليه الأحناف و هي إضافة تسدُّ فراغا في الفهممدلول المادة:307 من القانون الجنائي.
لقد ورد في المادة الآنفة من المشروع: الإعدام بالجلد حتى الموت للزاني المتزوج أو المطلق و فضلا عما في الصياغة من إطناب أولى منه التحديد بالإحصان، فإنه ما من قائل بالجمع بين الجلد والرجمباتفاق المذاهب الأربعة وإن قال به الظاهرية.
- يتكلم المشروع عن جريمة التحرش الجنسي بالمرأة Harcelement [المادة:8] وهي إضافة قانونية موهِمة، و يجعله جنحة، حيث يعرف التحرش بأنه: “كل لفظ أو فعل أو معاكسة أو إيحاء أو إشارة أو تصرف له معنى جنسي أو مبني على الجنس مع الأخذ بعين الاعتبار النشاط الجنسي الحقيقي والمزعوم لامرأة بهدف انتهاك حقوقها وكرامتها أو خلق محيط مخيف و معادي و مهين أو فاضح “، ورغم طول التعريف وإساءة النقل عن القوانين كالفرنسي الذي يعرف التحرش بأنه:” بأنه الفعل الذي يقع من خلال التعسف في إستعمال السلطة بإستخدام الأوامر والتهديدات والإكراه بغرض الحصول على منفعة أو مزايا ذات طبيعة جنسية”، إلا أن هذا التعريف أهمل مكان وقوع التحرش فلم يفرق بين العام أو الخاص أو المطروق منه، كما يهمل الوسيلة التي تم بها التحرش: كوسائل الاتصال السلكية أو اللاسلكية…، وما إذا وقع هذا التحرش أو تكرر من خلال الملاحقة والتتبع للمجني عليه، وفي اعتباره اغتصابا عند العود خروج عن النسق التقليدي وفلسفة العود الجنائي المحدد في القانون المواد: 50-51-52 من قانون الجنائي
إن معالجة التحرش مهمة للغاية لعدم وجود مقتضيات قانونية رادعة في منظومتنا الجنائية، لكن إلحاحية طرحه في هذه المرحلةتوجب التركيز أولا على التحرش في الأماكن الخاصة خصوصا في أماكن العمل، وأماكن بسط السلطة، وهنا يمكن الاستفادة من مقتضيات القانون المقارن كالمادة:306 جديدة من قانون الجنائي المصري، التي حزت في مفصل التحرش الجنسي.
- يعاقب المشروع على عقوبة زنى المحارم بالإعدام [المادة:10]، وهي عقوبة لم تنطق بها الشريعة لأن زنى المحارم إما أن يكون فاعله محصنا فحدُّه الرجم، و إما أن يكون بكرا فحده الجلد وما زاد على الجلد يكون تعزيرا، ومعلوم أن التعزير و إن كان غير محدود في المذهب المالكي خلافا للأحناف الذين حددوا أعلاه بأربعين جلدة و أقله بسوط ، و القول بزيادته بقدر الجناية إجماع الصحابة في قضية معـْن بن زائدة الذي زوَّر كتاب عمر بن الخطاب وختمه فجلده مائة جلدة، مأوِّلين حديث الصحيحين لا تجلدوا فوق عشر في غير حدود الله” إلا انه لا يكون بالقتل اجماعا. و قد أشبع القرافي في الفرق:246 من فروقه ما بين الحدود والتعازير من فروق جازما بعدم القتل فيها، فلم يقل قائل بإعدام غير المحصن الزاني، بل قال ابن فرحون : ” ومن زنى بذات محرم فعليه الحد مع الأدب الشديد لما انتهك من الحرمة و هذا مذهب ابن عبد الحكم ، وأبى ابنُ القاسم و أشهب وقالا لا يزاد على الحد”، فكان المشروع في غنى عن ذلك سيَّما أن هذا الإعدام لن يطبق.
- يتحدث المشروع عن الضرب والجرح ويعتبرهما جنحة في [المادة :11] دون تحديد المقصود بهما حتى يكون إّضافة إلى ما نُصَّ عليه بشكل مفصل في المواد:286- 287 من قانونا الجنائي، و لا شك انه يمنع شرعا كل ضرب للمرأة فيه استطالة و مُجانفة لمبدأ القوامة، و القوامة CURATELLE فقها: كون الزَّوْج أَمِينٌ عَلَيْهَا يَتَوَلَّى أَمْرَهَا وَيُصْلِحُهَا فِي حَالِهَا، وَيَقُومُ عَلَيْهَا آمِرًا نَاهِيًا كَمَا يَقُومُ الْوَالِي عَلَى رَعِيَّتِهِ، فالمفهوم الفقهي السائد للقوامة ينطلق من تفسير آية القوامة التي لا يمكن أن تحسب نوعا من التمييز ينافي الإنصاف والمساواة بين الرجل والمرأة لان فهم القوامة كنوع من التغلب والاستطالة والقهر ينافي المقصد الشرعي منها ، باعتبار أن الفقهاء اجمعوا على أن القوامة تُسْتَحَقُّ بِالْفَضْل لاَ بِالتَّغَلُّبِ وَالاِسْتِطَالَةِ وَالْقَهْرِ ، وقد أفاض الفقهاء في ضوابط الضرب كثالث المعالِجات التأديبية بعد الوعظ، والهجر، عند مخافة النشوز وهو الارتفاع عن الطاعة ، واجمعوا على أن المقصود به الضرب اليسير غير المبرح على وجه التأديب والتأنيب على أن لا يترك أثرا و لا يكون في وجه، وتغلب مظنة الإصلاح و النَّجاعة منه، فان لم يكن فلا يجوز ، وقد أحسن الحجة ابن العربي المالكي عند تفسير آية القوامة [النساء:34] حين قال: ” قال عطاء : لا يضربها و إن أمرها ونهاها فلم تطعه ، ولكن يغضب عليها ، و هذا من فقه عطاء ، فإنه من فهمه بالشريعة و وقوفه على مَظانِّ الاجتهاد علم أن الأمر بالضرب هاهنا أمر إباحة ، و وقف على الكراهية من طريق أخرى في قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن زمعة : ” إني لأكره للرجل يضرب أمته عند غضبه ، ولعله أن يضاجعها من يومه”، روى البخاري معناه، فأباح و ندب إلى الترك ، وإن في الهجر لغاية الأدب [……]، فإذا علم ذلك الرجل فله أن يؤدب، و إن ترك فهو أفضل”.
أما الجرح فلا خلاف في حرمته بل فيه القَوَد، فلا عيب في تجريمه وتشديد العقاب عليه للردع، بيد أن الذييقلق في صياغةهذه المادة هو المقصود من ممارسة العنف البدني أو المعنوي أو النفسي على القرين فإطلاق العنف دون تحديده بما يرفع التوهمكترك آثار جسيمة، أو تحت تهديد بالسلاح، وقد وضع المشرع التونسي قيدا على الضرب أو الجرح وحده بالواقع عمدا دون قصد القتل والذي نتج عنه الموت المادة:14 من مشروع القانون المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة.
- تظهر المادة:12 من المشروع أن الاحتجاز المنفذ من قبل احد الزوجين جنحة يوجب عقوبة تصل إلى سنة، وفي حال وجود ظرف مشدد ترتفع العقوبة إلى خمس سنوات، والواضح من تجنيج هذا الاحتجاز أنه غير الاحتجاز المقصود في المواد:319-320-321 من القانون الجنائي والذي يتعلق أساسا بالاحتجاز الواقع بدون إذن السلطة المختصة، وخارج الحالات التي يأمر بها القانون حيث تكون عقوبته بالأعمال الشاقة المؤقتة، وليس هذا هو المفهوم من هذه المادة، وإنما المقصود به هو الاحتجاز القَسْري للزوج أو الزوجة وهو مناف للعشرة الحسنة وليس من الوسائل التي يُتَذرَّع بها عند مخافة النشوز لما يؤدي القول بزيادتها على الثلاثة الواردة في الآية وليس منها الاحتجاز، وأما ما رواه البيهقي من ” أن امرأة نشزت من زوجها في إمارة عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأمر بها إلى بيت كثير الزِّبلِ فمكثت فيه ثلاثة أيام، ثم أخرجها، فقال لها: كيف رأيت، قالت: ما وجدت الراحة إلا في هذه الأيام، فقال عمر رضي الله عنه: اخلعها ولو من قرطها ” فرغم كلام المحدثين فيه لوجود كثير بن أبي كثير البصري في سنده وهو ليِّن الحديث إلا في المتابعة كما يقول ابن حجر في التقريب، إلا انه لا ينطبق إلا على الناشر ولا يمكن تطبيقه إلا من قبل الإمام كما هو بيِّن من سياقه.
- يؤدي عدم تحديد مفهوم الممارسات غير الإنسانية [المادة:13] إلى احتمال أن المقصود بالممارسات الإنسانية هو الجرائم ضد الإنسانية CRIME CONTRE L’HUMANITÉ التي ورد تعريفها في القانونين المتعلقين بالاستعباد، ومناهضة التعذيب ، وهو ما لا يستقيم بالنظر إلى العقوبة التي حددتها المادة بـ 5 سنوات بينما تصل في القانونين المذكورين 25 سنة ، ولكن حين نستقي المفهوم من خلال التشريعات المشابهة نجد أن المقصود بها أساسا التمييز بمنع الضحية من الحصول على منفعة أو منعه من ممارسة نشاط بصورة اعتيادية أو رفض تشغيل الضحية أو فصلها عن العمل وتعذيبها ” مع إمكانية التوسع في المدلول ليشمل ما هو وارد في القانونين المتعلقين بالاستعباد والتعذيب.
- تعاقب [المادة:14] من المشروع بعقوبة من عشرة أيام إلى سنتين حبسا كل من شتم زوجته بعبارة مهينة يمكن أن تمس من كرامتها أو شرفها..ولا جدال في أن سب الزوج لزوجه مخالف للشرع بل يوجب حل العصمة لما فيها سوء العشرة والضرر البين الذي هو أحد موجبات التطليق قانونا لان كل ضرر يزال. لكن ينبغي أن يستبدل الحبس بالغرامة، وجبر الضرر خصوصا إذا كان له اثر مضاعف أو كان في مكان عام أو مطروق، و يزاد الافتراء، و الاهانة إضافة إلى الشتم.
- التهديد باختطاف الأبناء والتخويف بذلك [المادة:15] و في تجريمه معالجة لظاهرة تستحق التجريم والعقاب وسد لفراغ تشريعي بيِّن إذا حدد نطاقه بالزوجية فقط، لكن صياغة عنوان المادة شوهت المقصود منه ، وأحالت إلى غاية أخرى وهي تجريم تخويف القرين هو مصطلح يوحي بدلالة غير مستساغة إسلاميا فالقرين أو الشريك لهما دلالة خاصة توحي بعلاقة من غير رباط شرعي CONCUBINAGE ، ولم تترك المادة أي ملاذ عن أن المقصود هنا إنما هو القرين أي غير الزوج ليخضع لإرادة الفاعل وهو ما لا يحتاج إلى تجريم خاص لعدم استساغته شرعا، و لتجريمه وعقابه في القانون حسب المواد:281- 332 من القانون الجنائي فهذه المادة تتجه مباشرة إلى معالجة أمر عام لان تهديد القرين كأي تهديد آخر لشخص أجنبي أما إن أريد بالقرين الزوج هنا وهو مستبعد فهما فانه لا ملاذ من إعادة ترجمة المادة وصياغة عنوانها بما يتماشى مع هذا الفهم.
- يناقش المشروع بعض المفاهيم بضبابية كتجريم ومعاقبة فرض السلوك [المادة:16] وهو وان كان فضفاضا إلا أن المقصود منه في المادة منصرف إلى المسلكيات السلبية التي تناقض مع المتعارف عليه إنسانيا كالإجبار على الرقص مثلا ، أو التدخين، أو شرب الخمر، أو ممارسة جنسية شاذة، لكن عدم تحديد هذا السلوك قد يفهم منه أن فرض السلوك المباح وان كان غير واجب هو المقصود مما يوجب التحفظ على هذه المفهوم.
و تعاقب المادة:19 من المشروع كل زوج يقيد أو يمنع شريكه ممارسة الحريات العامة، ورغم أن صياغة المادة محتوية على مصطلح الشريك ذي الدلالة الخاصة اللاشرعية إسلاميا إلا أنه ينبغي أن تضاف…. عبارة يقيد زوجه عن ممارسة الحريات العامة التي يكفلها له الدستور؛ لتنصرف المادة إلى الحقوق الأساسية المنصوص عليها في الدستور كالحق في التعليم والتصويت والعمل و الفكر..
كما تعاقب المادة 17 الابتزاز و تحدده بالتهديد بإفشاء معلومات تمس من شرف الزوج، وهو أمر في غاية الأهمية خصوصا إذا علمنا انه ينافي المعاشرة بالحسنى.
أما ما تنص عليه [المادة 18] منه وتسميه المنع من الولوج إلى الميراث وهو مستساغ عقلا وقانونا لان الحرمان من الميراث أو المنع منه على أساس الجنس اعتبارا لمسلكيات تقليدية كحرمان المرأة من ميراث عقارات العائلة، أو بيتها، إلا أن الأولى منه تجريمالحرمان من ثروة العائلة المتحصل عليها أثناء الزواج وهو الأهم عن طريق التنصيص بمقتضيات زجرية تحرم المرأة من حقها في السعاية والكدِّ أي نتاج كدحها مع زوجها خلال الرابطة الزوجية و هو حق شرعي ثابت فقها، طالما حرمت منه المرأة، يقول الفاسيُّ:
وخدمة النساء في البـــــــــواديللزوج بالدَّرَّاس والحَصَادِ
قال ابن عرصون لهن قسمهْعلى التَّساوي بحِساب الخدمهْ
لكنَّ أهل فاسٍ فيها خالفـــــــوا قالوا في ذلك عرفٌ يعرفُ.
نعم لقد رأى بعض الفقهاء قديما أن الزوجة في البادية تشارك زوجها على قدْر سعايتها، ونساء الحاضرة خلاف ذلك لأنهن للفراش؛ و لكونهنَّ لا اثر لهنَّ في السِّعاية وتنمية أموال الأسرة ، إلا أن الواقع اليوم وليس زمن أولئك الفقهاءيوجب تغيير ها الرأي لتبدُّل مسوِّغه، نظرا لندرة التَّبدِّي، و لما تقوم به المرأة اليوم عموما من أعمال وصيانة وإنماء. وهو ما أدَّى إلى القول بشمول هذا الحق للمرأة الحضرية كذل كما في تخريج أحد علماء هذا القطر العلامة سيدي محمد (بايْ) بن سيد أعمر بن الشيخ سيد محمد الكُنتي حين سئل عن قول القصري بان ذلك هو المذهبنقلا عن نوازل الورزازي، وابن عطار، لقد أسَّسوا كل ذلك على قضاء عمر بن الخطاب، في قضية عمرو بن الحارث وزوجته حبيبه بنت زُرَيْق حيث كان عمرو قصَّارا وزوجته ترقِّم الأثواب حتى اكتسبا مالا كثيرا فمات عمرو وترك الأموال فاخذ ورثته مفاتيح المخازن والأجنة واقتسموا المال ثم قامت عليهم زوجته حبيبه وادعت عمل يديها وسعايتها فترافعت مع الورثة لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقضى بينهما بشركة المال نصفين فأخذت حبيبه النصف بالشركة والربع من نصيب الزوج بالميراث لأنه لم يترك ولدا واخذ الورثة الباقي”.
- يعتبر تزويج فاقد الأهلية دون احترام القانون شرعيا وتسلط عقوبة على الولي إذا ثبت انه تصرف لمصلحته الخاصة [المادة:21] ، ورغم صياغة المادة المهلهلة؛ إذ لم تتحدث عن مآل الزواج من حيث الفسخ وجبر ما ترتب عليه من أضرار إذا لم يثبت أن فيه مصلحة فُضلى للقاصر، و خلوها من ضابط عملي كإذن القاضي الأكثر ضمانا من ضابط احترام القانون فقط.
فالمقصود بالأهلية: أهلية التزويج التي تكمل بالعقل وإتمام الثماني عشرة من العمر طبقا للمادة: 6 مدونة الأحوال الشخصية، وقد منحت المدونة الحق للولي في تزويج ناقص الأهلية إذا رأى مصلحة راجحة في ذلك ويترتب على مخالفة ذلك عقوبات جنائية، وهذه المخالفات هي التي جاءت هذه المادة من المشروع لتقنينها ، ورغم أن المشرع حمى لقاصر إلا انه ترك ثغرتين أساسيتين: عدم وضع معيار واضح تحدد به تلك المصلحة الراجحة، ، بالإضافة إلى إبعاد القضاء عن الإشراف على تزويج القاصر مما يجعل تقدير تلك المصلحة مسنودا بالأساس إلى الولي وحده الذي لا يحسن تقدير المصلحة الفضلى للطفل في اغلب الأحيان، وكان الأولى إسناد تقدير تلك المصلحة الراجحة إلى القاضي، بعد الاستماع لأبوي القاصر أو نائبه الشرعي والاستعانة بخبرة طبية، وإجراء بحث اجتماعي، و يجب أن يكون القرار القاضي بالاستجابة إلى الزواج أو عدمه غير قابل لأي طعن، فإذا خرق الولي كل هذه الضوابط كان مستحقا للزجر.
- يتطرق المشروع في فصله الثالث من المادة:24 إلى 53 للإجراءات القضائية المتعلقة بالاعتداءات الجنسية، وهنا نلاحظ أن المشروع عدل عن اصطلاح العنف ضد النوع إلى اصطلاح الاعتداء الجنسي ضد النساء، و رغم أن المادة:26 منه تتكلم عن مسألة التماس واجب الحماية والأولى تسميه بالحيلولة وهو اصطلاح ذو جذور فقهية جميلة تستدعيه ظروف معينة تقتضي حماية المرأة ممن اعتدى عليها بوضع ضوابط تتعلق حتى بالمساكنة والمضاجعة، بل بالزيارة أحيانا دون سقوط واجب النفقة لان الحيلولة أو الحماية هنا قضائية تستدعيها الظروف حفاظا على مصلحة محققة، وليست كالنشوز الذي لا تجب فيه النفقة لخلل في الرابطة الزوجية على القول بان سبب سقوطها فيه هو انعدام الموجب الذي هو الوطء خلافا للجمهور الذين يرون أن موجب النفقة هو العقد وبالتالي فلا تسقط حتى مع النشوز.
إن كافة الإجراءات الوقائية الحمائية التي تحمي المرأة مطلوبة و لازمة وعلى القاضي الاحتياط الفوري فيها كالمنع من حمل للسلاح، وحماية البيانات الشخصية، واجب الإبلاغ وهي أمور ينبغيوقد أحسن المشروع صنعا حين قننها، و لم يكلها إلى سلطة القضاة التقديرية.
إن تخصيص قاض مختص في مرحلة المتابعة و التحقيق أكثر إلحاحا بالنظر إلى ضرورة وجود قضاة خبراء مختصين لاستخلاص الأدلة والتعامل و معالجة القضايا المتعلقة بالاعتداء على النساء من وجود محكمة مختصة في هذا المجال لعدم الجدوائية أولا وثانيا لندرة الكادر القضائي، وثالثا لما يؤدي إليه من تشتيت الجهد القضائي بتحويل الهيأة القضائية إلى شظايا متخصصة في معالجة الجزئيات.
- تعالج المادة:35 من المشروع مسألة الإثبات في مجال الاعتداءات ولم تعط هذه المادة تقرير الطبيب الشرعي قيمة استثنائية، وإنما جعلته مجرد قرينة من القرائن التي تسهم في ترسيخ قناعة القاضي الجنائي، و رغم أن المشروع أحدث طفرة في مجال الإثبات بالحمض النووي واعتبره دليلا في مجال مكافحة الاعتداءات الجنسية المادة:39 ، إلا أن هذه القيمة يجب أن تتعزز وتعتبر يقينية خصوصا في مجال الاغتصاب لأنها تؤدي إلى درء الحد عن المغتصبة فينبغي استخدامها كوسيلة يقينية تؤسس للشبهة التي يندرء بها الحد عن المغتصبة ان لم تكن دليلا يثبت نسب ابنها من الغاصب بالأخص إن كانت قاصرا خالية من فراش، لقد أحسن الفقه حين اعتبر القرينة موجبا لدرء الحد عن المغتصبة يقول الدسوقي في تحْشِيَّته لقول خليل: ويثبت بإقرار مرة.. ” ولم تقبل دعواها أي من ظهر بها الحمل الغصب بلا قرينة تصدقها فتحد، و أما مع قرينة تصدقها فتقبل دعواها ولا تحد كتعلقها بالمدعى عليه على ما مر عند قوله وان ادعت استكراها على غير لائق بلا تعلق حدت له و أولى إن شهدت لها بينة بالإكراه”.
إن افتراض صدق شهادة المرأة ضحية الاعتداء الجنسي حتى يثبت العكسكما نصت عليه [المادة:38]لا يخالف الشريعة، وإنما نجد الفقه يؤسس له بمفهوم العكس على من لاق به الاعتداء يقول خليل: وان ادعت استكراها على غير لائق بلا تعلق حدت له…” فمفهومه أن من
وما من شك أن اعتبار هذه القرائن الوقتية الثابتة أكثر دلالة من مجرد التعلق أو التَّدْمِيَّة ( أي سيلان الدماء منها، واستغاثتها ) لقربها من اليقينية التي توجب على الأقل الحق في التعويض إن لم تثبت الحد كما قرر الفقهاء آنفا، وقد أخطأ المشروع حين أوجب الحكم به في نفس الجلية المادة:3لاستحالة ذلك الإجرائية لعدم إمكانية تقدير أحيانا في نفس الجلسة خصوصا إذا تطلب العجز تحديدا نهائيا تلزم معه الخبرة مما يتوجب معه التمسك بمقتضيات المادة:424 من قانون الإجراءات الجنائية على عِلاتها الواضحة (الإدانة المبدئية ثم الشروع في تحديد التعويض).
أخيرا يمكن اعتبار هذا المشروع القانوني، إضافة نوعية للتقنين الفعال لمعالجة الأفعال التمييزية بسبب الجنس التي يترتب عنها ضرر جسدي أو نفسي أو جنسي أو اقتصادي ، سواء كان الاعتداء لفظيا أو فعليا أو بالإكراه أو التهديد أو الإهمال أو الحرمان، ومن ثم فإن الغاية الأساسية يجب أن تنصب على تميكن العاملين في مجال إنفاذ القانون من سبل ضمان الحدود اللازمة للحماية القانونية للنساء ضحايا العنف أو الاعتداء ، وذلك بخلق آليات مؤسسية مندمجة للتكفل بالضحايا، ضمانا لمواكبة التطورات الهائلة التي يشهدها العام ومواءمة مع المقتضيات الدولية التي صادقت عليها موريتانيا ومنها اتفاقية SEDAW التي صادقت عليها دون أن تتحفظ إلا على المادتين:13أ و 16 منها.
ولن يكون ذلك إلا بالقراءة الفاحصة غير المتشنجة لهذا المشروع ومحاولة إعادة صياغته وترجمته من قبل المتخصصين لا المُفتاتين حتى لا يصطدم مع ثوابتنا الإسلامية الناصعة وقيمنا الحضارية الراقية، التي لا مساومة عليها.
انو كشوط.12 يناير 2017