يغلب التعب على العديد من المسلمين العائدين إلى إفريقيا الوسطى في مجموعات صغيرة على متن شاحنات استأجرتها منظمات إنسانية، لبدء حياة جديدة رغم المخاوف، بعد أن اضطروا للفرار أمام أعمال العنف العرقية والدينية مطلع العام الحالي.
ويقول كثير من العائدين انه لم يعد لديهم من خيار سوى العودة إلى بلادهم، نظرا للصعوبات التي لاقوها خلال منفاهم القسري في الملاجئ التي أقاموا فيها في البلدان المجاورة.
وقال الشاب أحمد ادوم بائع الحديد العائد إلى العاصمة بانغي “كانت حياة قاسية جدا، حقا قاسية في تشاد، كنا في أمان لكننا لم نكن أحرارا في تحركاتنا”.
وعلى غرار عشرات آلاف المدنيين المسلمين، اضطر الشاب لترك كل شيء للنجاة بحياته. وتوجه الفارون إلى تشاد وكذلك إلى الكاميرون ومالي وغينيا وبوركينا فاسو وحتى السنغال.
وقالت عيشاتا بائعة جوز الكولا التي تبدو منهكة “لا أريد أن أشقى في الغربة، بعيدا عن موطني في أفريقيا الوسطى”. وأضافت “عند الحدود مع الكاميرون، تكفلوا بنا، أنا وأبنائي، لكن الظروف كانت بائسة. فقدت اثنين من أبنائي، لم يكن بوسعي أن أبقى هناك، لهذا عدت إلى بلادي”.
وروت عيشاتا بصعوبة بلغة السانغو (اللغة الوطنية في أفريقيا الوسطى) كيف كانت حياتها اليومية في مخيم اللاجئين في الكاميرون، حيث توفي ابناها الصغيران جوعا وما عانته من قلة الطعام وطوابير الانتظار الطويلة التي لا تنتهي عندما يجري إحضار المؤن.
وقالت “كنا نكافح كثيرا من أجل الوصول إلى الطبيب”.
وقال كثيرون من العائدين إنهم اشتاقوا لرؤية مدنهم وما حل بها بعد تراجع الخطر.
غير أن أحياء شمال بانغي ما زالت تلتهب باستمرار ويسمع فيها الرصاص ليلا في حين تنغص الجريمة حياة عاصمة أفريقيا الوسطى، رغم توقف التجاوزات التي كانت تمارسها حركة سيليكا التي يغلب عليها المسلمون والتي سيطرت على الحكم في مارس من العام الماضي، ومليشيات انتي بالاكا المسيحية التي تصاعدت أعمالها العنيفة بعد الإطاحة بتحالف سيليكا في يناير الماضي.
وعمدت ميليشيات انتي بالاكا بدعوى أنها تعتبر المدنيين المسلمين متواطئين مع سيليكا، إلى تطهير عرقي حقيقي أرغمهم على الفرار، ولم تجرؤ أي منظمة على أعداد حصيلة كاملة لعدد الضحايا.
ويأمل معظم العائدين في استتباب السلم، وكل ما يهمهم الآن هو استئناف نشاطاتهم لاسيما التجارة مثل بيع قطع غيار السيارات وغيرها من الآليات والزيوت والمواد الأساسية والنسيج والأحذية. لأنهم هم الذين كانوا يسهمون في إدارة عجلة الاقتصاد في العاصمة قبل رحيلهم وكان لغيابهم انعكاسات سلبية أدت إلى ارتفاع الأسعار في الأسواق.
وقال التاجر عيسى “ننتظر الكثير من المجتمع الدولي، كان لي متجر قيمته أكثر من مليوني فرنك افريقي (ثلاثة آلاف يورو) وذهبت إلى تشاد فقيرًا، لكنني قررت العودة. وبما أنني لا أملك شيئا ويبدو أن السلام قد عاد إلى البلاد، أتوقع مساعدة من المجتمع الدولي”.
واضاف عليو مختار وهو أيضا تاجر “بعد عودتي فتحت متجري بالقليل المتوفر لدي”. استقر مختار بعد عودته من الكاميرون في حي “بي كا5” شمال بانغي الذي ما زال يشهد أعمال عنف من حين لآخر.
وفي دلالة على مخاوفهم، تخلى المسلمون عن ملابسهم الملونة التي اشتهر بها مسلمو بانغي من باب الاحتياط وباتوا يلبسون ثيابا غير ملونة تشبه ملابس أغلبية المسيحيين.
وقال الجزار اوسيني الذي فقد كل ما يملكه تقريبا، “ما زلنا خائفين لأن البعض يريد الاستمرار في ممارسة العنف، أنا رحلت من تشاد إلى الكاميرون لكي أعود إلى بانغي. كل ما يهمنا الآن هو التسامح”.