في قصة وصفها بوبكر ولد مسعود، رئيس نجدة العبيد، بأنها “أقرب للخيال منها للواقع في نهاية العشرية الأولى من القرن الواحد والعشرين” وأمام حشد من الصحفيين بمكاتب (تجمع منظمات حقوق الإنسان) بنواكشوط كشفت (نجدة العبيد) عن سيدة تدعى أم الخير بنت يربه، قال ولد مسعود إن منظمته أبلغت عن وضعيتها سنة 2007 أثناء مهرجان تحسيسي حول قانون تجريم الممارسات الاستعبادية، ترأسه أحد أعضاء الحكومة آنذاك، لكن السلطات المحلية اعتبرت – حينها- الأمر مجرد دعاية، لا تمت للواقع بصلة، حسب تعبير رئيس منظمة “نجدة العبيد”.
مع مجموعة من الأطفال لا ينسبون لغير أم الخيري لأنهم بناتها وأبناؤها، بدأت هي نفسها في عرض قصتها مع المعاناة قائلة:”اسمي أم الخير بنت يربه، والدي أسمه يربه ووالدتي سلكها بنت يرك، قالوا أنني ولدت حوالي سنة 1965 عند (ڴلب هبول) التابع لولاية آدرار.
أم الخيري ودون تحفظ في تسمية اسر وأشخاص بعينهم – تعتذر (صحراء ميديا) عن استخدامها مقص الرقيب كلما ذكروا – تحاول أن تستحضر شريط حياتها منذ النشأة وتقول “تزوج والدي من أمة لأهل (فلان) تسمى تسلم، بعد أن انتقل إليهم في منطقة أكجوجت، وأنجب منها بنتا ربما هي اليوم أم لطفل أو أكثر” وتذكر محاورتنا أم الخير إنها رأت والدها آخر مرة وهي ما تزال صغيرة، بينما تؤكد أن أمها توفيت منذ فترة لا تستطيع تحديدها بالضبط ولا تذكر عنها أي شيء، وتواصل”لي أخوان، يدعى الأول أمبارك ولد محمود والآخر بنعيش ولد سلكه. وأنا أم لخمسة أطفال : ثلاث بنات وولدان”.
البنات هن: سلكه بنت أم الخير (15 سنة تقريبا) ولم تحضر معها لأنها – حسب قولها- عند سيدها الذي ذكرت أنه يدعي الزواج بها، وأمباركه بنت أم الخير (12 سنة تقريبا) وفاطمه الملقبة كونادي بنت أم الخير (10 سنوات).
أما الولدان فهما : يربه ولد أم الخير (5 سنوات) وبنعيش وعمره سنة ونصف تقريبا، إضافة إلى بنت تدعى أم البركه قالت أم الخير إنها توفيت رضيعة في ظروف مأساوية ، شرحتها بألم قائلة “كنت أرعى المواشي وأنا حامل وأستمر في العمل حتى أضع حملي، وكنت أحمل المولود وأسير وراء الماشية كالعادة.. لا أنسى أبدا ذلك اليوم الذي انتُزعت مني فيه أبنتي الصغيرة أم البركه وأرغمتُ على تركها لصالح رعي الموشي. كان عمرها سنة واحدة وكانت تحاول الحبو برجليها ويديها”.
وفي حشرجة واضحة تواصل أم الخيري حديثها “بالنسبة للأسياد، كانت هناك ضرورة ملحة في ذلك اليوم، تتطلب منح عناية خاصة لبعض الإناث من الماشية التي توشك أن تضع حملها. وكان علي أن أتحرر من أي عبء آخر حتى أتمكن من حمل صغار الأغنام على ظهري وبين يدي. في المساء، عند عودتي وجدت أبنتي ميتة، ملقاة في التراب وعيناها مفتوحتان.. يحيط بها النمل من كل الجهات.. عندما طلبت المساعدة لدفنها لم ألق إلا صمتا وازدراء تامين. حتى أن الأسياد لم يعبئوا بإلحاح والدتهم (فلانة بنت فلان) في حثهم على مساعدتي على دفن الجنازة، فهي التي أتت إلى جانبي وطلبت مني أن أضع الجسم الصغير في قطعة قماش ورافقتني إلى المقبرة وقمت أنا بحفر القبر ودفن ابنتي. ولم أجد من إغاثة غير دموعي فبكيت كثيرا على ابنتي وعلى ظروف حياتي.ثم إنهم – بدلا من مواساتي – أمروني بأن أسكت وإلا تعرضت لما لا قبل لي بتحمله.
فصول الرحلة الشاقة
“كنت أمة لأسرة (فلان) – تشرح ام الخيري – وتابعة لأصغر أولاده (فلان) شقيقنا الأسن، أمبارك ولد محمود، أخبرني يوما كيف أصبحنا؛ أو ولدنا ؛ عبيدا لأهل (فلان). قال لي إنه قبل ولادته، كانت أمنا سلكها بنت يرك أمة (فلان) الذي باعها لـ(فلان). وهكذا نتجت عبوديتها لهذه الأسرة من عقد بيع وأنا ما أزال- حتى الآن- أمة لهذه الأسرة التي ولدت معها وربتني على هذه الحالة. ومنذ صغري أغسل اللباس، أؤدي ما أومر به من طرف أسيادي.. أجلب الحطب، أصنع الشاي، أرعى المواشي وأقيدها وأطلق سراحها، أطحن الحبوب وأعد الطعام..كان هذا في الصغر”.
“عندما كبرت- والكلام لمحدثتنا دائما – أصبحت أرعى الأغنام والأبقار والإبل، ومضطرة لسقيها من الآبار وحدي، وكنت شخصيا أستخرج الماء بالدلو من قعر البئر العميقة. وحين أعود مساء لا بد من ممارسة العمل المنزلي رغم التعب. ثم بعد ذلك أبدأ بحلب الماشية”.
تؤكد أم الخيري إنها تبدأ العمل يوميا في الصباح الباكر وتستمر فيه حتى ساعات متأخرة من الليل. وأنها لم تتلق أي أجر مقابل عملها هي وأطفالها” وتقول “لم نتعلم لا في المحظرة ولا في المدرسة، ولا أحفظ حتى سورة الفاتحة، ولا أميز بين الحروف الهجائية. لم أتزوج أبدا”.
وعن أسباب عدم زواجها تجيب:”عند أول خطبة، تحدثتُ مع والدة (أهل فلان) فصرحت لي بأن أسيادي لن يقبلوا زواجي وسيضربونني ويضربون الخطيب إن علموا بذلك…. أنا وأولادي لا نملك أية ورقة للحالة المدنية .. هكذا كانت حياتي مع أهل(فلان)”.
سيد جديد!
لأسباب ردها ممثل”نجدة العبيد” لضرورة أخفاء أم الخيري عن عيون منظمته تم فصلها عن أسيادها في غمرة حملات التحسيس بقانون تجريم الرق، لكنها تستدرك قائلة “لقد نقلوني مع عيالي إلى أسرة أخرى في (…) وفي يوم من الأيام، وبعد أن قضيت حوالي شهر وعشرة أيام ، زارني شقيقي بنعيش الذي لا يزال مستغلا من طرف (فلان) دون مقابل، وذلك رفقة سيده. نقلني هذا الأخير إلى أهله وتآمر مع شقيقي ليجعل منا عبيدا من جديد، أنا وأولادي، ومعه عانيت من المشقات ما لم أعانيه من قبل. استغلني واستغل أولادي وسخرهم عبيدا. وبدأت مرة أخرى أرعى وأسقي الأغنام والإبل والبقر، وأطحن الذرة وأهيئ الطعام، وكل ذلك بيدي وكان يضربني أكثر مما كان يفعله أهل (فلان) وكلما تخليت عن إنجاز مهمة كان يضربني وأحيانا يرهبني ويطلق النار فوق رأسي. ويوما من الأيام أراد أن يقتلني ولم أنج إلا بفضل أخته التي أنقذتني وحالت بيني وبينه وناشدته الله ورسوله أن لا يقتلني.وإذا كنت الآن حية فالسبب هو تلك المرأة”.
زواج من دون مهر
وفي فصل آخر تحكي أم الخيري “ذات يوم، قدم إلي (فلان) سيدي يخبرني أنه سيتزوج ابنتي ليقترب مني، وتمكنه مصافحتي باليد، وبعد أيام أخبرني أن ابنتي سلكه أصحبت زوجته، ولكن من حضر حفل الزواج، متى وأين؟ أنا لم أستلم الصداق ولا أي وثيقة عقد.. أمرني أن أهيئها (أنحفلها) وأن أزفها إليه في خيمته (أكيطون). كان اللباس الذي ارتدته تلك الليلة صدقة من الجيران. وكانت ابنتي تمضي الليلة معه وتعود إلي في الصباح. حينها علمت زوجته الشرعية بالأمر بواسطة ابنتي فاطمة الملقبة اكوادي، شقيقة سلكه فلما سألتها زوجة (فلان) أجابت أكوادي بأن سلكه تمضي الليل مع (فلان). ولما علم هو، جاءني يقول إنه طلق ابنتي، ولم يكن الأمر كذلك لأنه استمر في الاستمتاع بها ولما اطلع على حملها حاول تزويجها من راعي ماشية اسمه يبه…”
لم تعد محاورتنا أم الخيري محرجة من الأضواء وعدسات المصورين، ولم تعد تلقي بالا للحضور، وكأنها تقص على صديقاتها “هكذا حاول (فلان) التنصل من أبوته، إلا أن الراعي يبه رفض الزواج، لأنه علم بحمل سلكه بطريقة غير شرعية، وعندها بدأ (فلان) يلومنا ويشتمنا بحجة أن خدمتنا ليست جيدة…دعانا – أنا و ابنتي سلكه – في أحد الأيام، ونقلنا في سيارة تجري بسرعة فائقة في طرق ملتوية ووعرة وتعرضنا لهزات عنيفة وأصيبت سلكه بآلام شديدة وسقطت مريضة وتسبب ذلك في إجهاضها بمستشفى أطار.. وكان يستخدمني في كل مرة يحتاج فيها إلي ويعيدني إلى القرية ليتركني هناك حين لا أعود مفيدة له.. كان يتصرف هكذا معي. حين جاء ليأخذني هذه المرة بينما كنت في الحقل رفضت الذهاب معه. .عندها حمل أطفالي في سيارته، واتصل أخي امبارك ولد محمود ببعض أعضاء منظمة (نجدة العبيد) الذين جاؤوا لزيارتي واصطحبوني إلى بلدية عين أهل الطايع حيث أخبر العمدة حاكم مقاطعة أطار”.
حرب النهاية
أمر الحاكم البلدية – تروي لنا ام الخير- بإرسالي إلى فرقة الدرك في (رأس الطرف) وجاء القائد ليراني وطرد عناصر (نجدة العبيد) الذين كانوا قد رافقوني. ثم سألني ماذا أريد فأجبته بأنني أريد أطفالي وخرافي الذين استولى عليهم (فلان)؛ لكنه قاطعني قائلا : (فلان) أعلى رتبة منا ولا سبيل لنا عليه، واقترح علي أن أذهب إلى (فلان) نفسه، لكي أستجديه لأنني من قبيلة أخواله. فإذا رد بالقبول فنعم ماهي وإلا عودي إلينا… سوف نتدخل. رددتُ بأنني لا أجرؤ على الذهاب إليه خشية أن يقتلني رميا بالرصاص. فعرض علي الدركي سيارة تعيدني إلى القرية فرفضت العودة للقرية خشية أن يأتيني هناك وفضلت النزول في عين أهل الطايع. وفي الأخير ذهبوا بي إلى أطار حيث جاء قائد الدرك بصحبة (فلان) ومعهما أطفالي. سألني القائد ماذا أريد بالضبط؟ فأجبته بأنني أريد أطفالي وحيواناتي.ثم ذهب قائد الدرك وأحضرهم إلي قبل أن يحملونا، لكن بدون ابنتي إسلكها، التي ذهب بها (فلان) في سيارته. وقد أنزلنا الدرك في عين أهل الطايع حيث بقيت إلى غاية وصول أخي امبارك ولد محمود الذي ذهبت معه إلى نواكشوط.. أطلب الدعم من كل الموريتانيين والأشخاص الخيرين على هذه الأرض. أريد فقط حصتي من العدالة وأن أستطيع العيش مع أولادي بكل حرية وبعرق جبني.
لخص القصة: عبد الله ولد أتفاغ المختار