أصوات ثغاء الخراف تطغى على الصوت المجلجل لماكينة العبارة التي بالكاد تتوقف عند المرسى الموريتاني لنزول قادمين جدد من الجارة السينغالية حتى تعود أدراجها في رحلة تحمل مئات العائدين معهم بخراف العيد، فطقوس “تاباسكي” بطلها خروف أبيض بقرنين طويلتين وشعر كثيف وصورة تذكارية تؤرخ للحدث.
تعمل الممرضة الموريتانية الشابة على فحص دقيق عبر جاهز صغير يرسل إشارات ملونة تعكس مستوى درجة حرارة الجسم بالنسبة للقادمين من الضفة الجنوبية.
يمكن أن تثير الاشتباه عندما يسجل المؤشر زيادة في درجة حرارة جسمك عن مستوى 36 درجة فقط ..عليك ان تقلق لأن الإجراء ضروري لصحتك تقول الممرضة لأحد المسافرين..
لم تسجل أية حالة من الوباء في بلادنا، ورغم ذلك فإن فرقنا الصحية تعمل ليل نهار على رصد أي حالة اشتباه، ففي حال ارتفعت درجة حرارة الجسم عن المعتاد يتم حجزصاحبها لمعرفة ما اذا كان مصابا بإيبولا أو بحمى الملاريا.. يقول طبيب الوحدة الصحية وهو يستعرض حصيلة الفحص اليومي للمسافرين.
المخاوف من أن يتسلل حامل لفيروس إيبولا، تتسلل الى نفوس عمال الصحة، وكإجراء احترازي تواصل الفرق الطبية الموريتانية معززة بطوق أمني في استقبال وفحص أفواج الوافدين من دول افريقية شتى عبر العبارة.. السلطات الصحية قررت أيضا منع رعايا جمهوريتي ليبيريا وغينيا من دخول البلاد، وهي الدول التي تفشى فيها إيبولا وأودى بحياة الآلاف من سكانها مما أضطرها إلى فرض حظر التجول على سكانها.
وفي زاوايا أخرى من النهر، عشرات المراكب الصغيرة تتهادى في عرض الماء حاملة فقراء الضفتين بأسعار رمزية.. وفي حالة تشكيك قائد المركب الصغير في جدية ركابه لدفع التذكرة فانه قد يوقف الزورق في منتصف الطريق ويطلب الاجر ملوحا بالعودة.
وقد يحدث أن يفلت أشخاص من الرقابة النهرية فيذوبوا في النهر قبل ان يطلوا رؤوسهم على اليابسة فرحين بتجاوز “خفر النهر” وأجهزة كشف الوباء.
زحمة المسافرين تعكس حركة بشرية وتجارية غير مسبوقة، وربما يكون للاتفاقيتين اللتين وقعتا مؤخرا بين موريتانيا والسنغال دور في انتعاش التبادل بين الدولتين، تتعلق احداهما باتفاقية تصدر من خلالها موريتانيا الأضاحي إلى الجارة الجنوبية، أما الثانية فتتضمن تصدير الكهرباء.
لا تنقطع أصداء البيع والشراء المتبادلة بلغات مختلفة، حتى عندما تكون العبارة في منتصف النهر.. فالعبارة المملوكة لشركة “معديات روصو” التى تأسست بدعم ألماني، ولدت سوقا عائما عابرا للحدود يبيع فيه الفقراء أشياءهم: شرائح هواتف وأحيانا عملات صعبة.. لا حدود للتجارة هنا، والشيء الوحيد الثابت فوق النهر المنساب هو رحلات الصباح والرواح، التي لا يعرف هل ستصمد مع الاستعدادات الجارية لبناء جسر فوق النهر..؟!