الشيخ ولد محمد حرمه – دبي (صحراء ميديا)
تشاركُ موريتانيا في قمة الأمم المتحدة حول تغير المناخ (كوب 28) بدبي، وهي تسعى للدفاع بقوة عن مصالحها الاقتصادية وسط توجه دولي واسع نحو التخلي عن النفط والغاز، في حين تستعد موريتانيا العام المقبل لتصدير أول شحنة من الغاز الطبيعي.
ليست موريتانيا وحدها التي تواجه هذه المعضلة، بل إنَّ معها عددًا من دول العالم السائرة في طريق النمو، التي تطمحُ لاستغلال مواردها النفطية والغازية خلال العقود المقبلة، ولكن تزايد الكوارث الطبيعية وارتفاع حرارة الكوكب تجعل موقفها ضعيفًا أمام رغبة دول غربية في “التحول الفوري” نحو الطاقة النظيفة.
إلَّا أنَّ موريتانيا تشاركُ في (كوب 28) وهي تحملُ مقاربة مزدوجة، فهي من جهة متمسكة بحقها في استغلال مواردها الغازية الضخمة، ولكنها من جهة أخرى تقدم استراتيجيتها الخاصة لحجز مكان في سوق الطاقة النظيفة، وخاصة الهيدروجين الأخضر.
لا تناقض
الرئيسُ الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني كان صريحًا في هذه النقطة، حين تحدث أثناء جلسة عمل رفيعة المستوى، مخصصة لنقاش موضوع “التصنيع الأخضر في إفريقيا”، على هامش قمة المناخ.
ولد الغزواني قال بشكل واضح إنه “لا يوجد أي تناقضٍ بين استغلال مواردنا الغازية وتطوير الهيدروجين الأخضر، بل إننا نعتبر أنه من غير العادل حرمان الدول السائرة في طريق النمو من استغلال موارد الطاقة بحجة الآفاق التي يفتحها لنا التحول الطاقوي”.
ودعا الرئيس الموريتاني إلى ما سماه “مرحلة انتقالية” بين استغلال الوقود الأحفوري والاعتماد على الطاقة النظيفة، مشيرًا إلى أنه “في انتظار الوصول إلى التحول الطاقوي، سنبقى في مرحلة انتقالية نحاول خلالها الاستفادة من موارد الطاقة (الأحفورية)، مع الاستعداد للدخول في مرحلة التحول الطاقوي”.
بين المعسكرين
خلال حديثه أمام رؤساء أفارقة ومختصين وخبراء، استعرض ولد الغزواني ما تتمتع به موريتانيا من موارد غازية هائلة، ولكن أيضًا ما تمتلكه من مؤهلات لإنتاج الطاقة النظيفة، ليقدمها كبلد مهيئ للتحول الطاقوي ولكن بشروط.
وفيما يبدو واضحًا أن موريتانيا، على غرار عدد من الدول الأفريقية، تحتاج إلى الغاز الطبيعي من أجل الدخول في مرحلة التحول الطاقوي، أكد الرئيس الموريتاني أن البلاد “تتوفر على موارد هامة من الغاز، تقدر بأكثر من 100 تريليون قدم مكعب، مع موارد هائلة من الطاقة المتجددة؛ الشمسية والرياح، تقدر هي الأخرى بأكثر من 4 آلاف جيغاوات، من بينها 500 جيغاوات يمكن إنتاجها بشكل شبه فوري”.
وركّز ولد الغزواني على منطقة الشمال الغربي من البلاد، التي قال إنها “تتمتع بإمكانيات شبه فريدة من نوعها في مجال الطاقة الشمسية والرياح، وهي منطقة مناسبة لإنتاج الهيدروجين الأخضر، وهي أيضًا منطقة تتركز فيها المعادن، وخاصة الحديد”، مشيرًا في السياق ذاته إلى إمكانية استخدام الغاز الموريتاني في إنتاج “الصلب الأخضر”، وهو نوع من الصلب منخفض البصمة الكربونية، أي أنه صديق للبيئة.
وقال ولد الغزواني: “بلدنا هو ثاني مصدر للحديد في أفريقيا، ونبيع حديدنا في الصين وأوروبا والجزائر، وقريبا سنبيعه في مصر، وما يميز الحديد الموريتاني هو قدرته على خفض البصمة الكربونية، وبالتالي الدخول في إنتاج الصلب الأخضر”.
الهيدروجين الأخضر
معسكر التحول الفوري نحو الطاقة النظيفة، تقوده دول الاتحاد الأوروبي وخاصة ألمانيا، وهي دول تنفق أموالا طائلة على استيراد الغاز والنفط، وتسعى للاعتماد مستقبلًا على الهيدروجين الأخضر.
هُنا قال ولد الغزواني إنَّ “أوروبا التي تعد شريكنا التجاري الأساسي، تحتاج في نفس الوقت إلى الغاز الطبيعي والهيدروجين الأخضر ومشتقاته، تشير تقديرات لجنة الاتحاد الأوروبي إلى أن البلدان الأوروبية ستكون بحاجة إلى استيراد 10 ملايين طن من الهيدروجين الأخضر في أفق 2030”.
وأوضح الرئيس الموريتاني أن الهدف الذي يسعى إليه هو “إنتاج الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء على نطاق واسع في أفق 2030، أولًا من أجل تصديرهما للخارج، ولكن أيضًا من أجل استخدامهما محليًا في إنتاج الكهرباء والصلب الأخضر”.
من الواضح أن ولد الغزواني في حديثه كان يؤكد انخراط موريتانيا في مبادرة “التصنيع الأخضر في أفريقيا”، والتي عرضها الرؤساء الأفارقة في إطار “إعلان نيروبي”، كما عرضت دولة الإمارات العربية المتحدة مشروع إفريقيا الخضراء بقيمة 4.5 مليار دولار.
تحديات المستقبل
موريتانيا التي تتمسك بمشاريع إنتاج الغاز الطبيعي، وتسعى بقوة نحو دخول سوق الهيدروجين الأخضر المستقبلي، عليها أن تواجه تحديات كثيرة وكبيرة وهي تسلك هذين المسارين، ذلك ما يؤكده الصحافي الموريتاني المهتم بمجال الطاقة محمد أكا.
يقول الصحافي في حديث مع “صحراء ميديا” على هامش قمة المناخ، إنَّ “نجاح موريتانيا في تجربة إنتاج الغاز الطبيعي، أصبح يواجه تحديات أكثر من ذي قبل، خصوصا أن العالم بدأ يقطع خطوات حثيثة نحو التحول الطاقوي، وبالتالي لم تعد هنالك شركات راغبة في الاستثمار في حقول الغاز الطبيعي”.
وأضاف في السياق ذاته أن “موريتانيا لديها حقل كبير للغاز (بير الله) هو الآن قيد الدراسة من طرف شركة بريتش بيتروليوم (BP)، ولكن ذلك لا يضمن كونها ستستثمر في الحقل وتبدأ في استغلاله”.
وتأتي شكوك الصحافي الموريتاني بعد سلسلة من التأجيل طالت الشروع في إنتاج الغاز من حقل السلحفاة الكبير (آحميم) المشترك بين موريتانيا والسنغال، والذي تشرفُ عليه شركة بريتش بيترولوم.
وفي سياق حديثه عن التحديات التي تنتظر موريتانيا في مجال إنتاج الطاقة المتجددة، وخاصة الهيدروجين الأخضر، قال ولد أكا إن “هنالك سعيا عالميا حثيثا نحو هذا السوق المستقبلي، وهنالك دول عديدة في العالم تقدم نفس خيارات الاستثمار في مجال إنتاج الهيدروجين الأخضر، ولديها نفس المؤهلات التي تمتلك موريتانيا، ويحتدم تنافس عالمي على هذا السوق الذي هو سوق المستقبل”.
وخلص الصحافي الموريتاني المهتم بمجال الطاقة إلى أنَّ “الحصول على نسبة معتبرة من هذا السوق، يستلزم الكثير من الاستثمارات ومن تحسين البنى التحتية وتطوير الخيارات وتحسين مناخ الاستثمار وتحسين القوة التفاوضية لدى الكادر البشري المشرف على هذه المشاريع”.