“إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما”
ليكن في علم القارئ الكريم، أن هذا البيان ليسَ ذا غرض سياسي شخصي مطلقا، أحرى أن يكون إطراء أو تزلفا أو دعاية وما شابه ذك من تصورات قد تراود ذهن البعض من أصحاب الظنون.
وإنما ألمس من الحكمة والنصيحة أن يحذر المرء التشدد الزائد، فهو مقتل الفرص السانحة، ولا أريد لزعماء المعارضة الأفاضل أن يبقوا في محطة انطلاق مهجورة.. لا قاطرات بها ولا ركاب، بينما هم يعلمون حقيقة العلم أن “مواسم الانتهازيين” يجب أن تضرب في مقتل من أجل جيل وطني كفء.. وأرى من الضروري أن لا تضيع فرص الإخلاء النادرة في قصرنا الرئاسي. إنه بيان وموقف، وليس تجارة أو استئجارا. ولا هو عودة للسياسة كممارسة ميدانية، وقد أعلنت اعتزالي العمل السياسي قبل فترة، بل هو بيانٌ برؤيتي لحدث عام، لا أخال مواطنا واحدا في هذا البلد لم يهتم به، أحرى من يوصفون بالنخبة.
إن الثوابت الفكرية للمرء هي ملامحه الأخلاقية، وهذه الثوابت في جانبها الوطني هي عدم التردد لحظة في إعلان موقف صريح حين يتعلق الأمر بخطوة أو حدث ذا شأن كبير.
وإن غير هذه الثوابت الفكرية ليسَ إلا تهريج وفرجة على حفلات تنكرية، تتم فيها “أسفنجة” المصلحة الشخصية لتبدو وكأنها مصلحة عامة، والله يعلم المفسد من المصلح… “قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث”. والوطنُ هو ولا شك “مخرجات البذور”، التي تتربص بها آلاف الكواسر والجوارح، وحتى صغار الطيور في سلالاتها الأدنى.
من هذا المنطلق الثابت المستقيم، الذي لا يمكن أن تجرفهُ الانحناءات ولا الإغراءات في مجرى أي تيار، أعلنُ الآن موقفي مما أعتبره أهم حدث سياسي عرفه البلد هذا العام.
لقد كان مساء الخميس الماضي (20 أكتوبر 2016)، من تلك الأمسيات التي تختزلُ حقبا بأكملها، وإن الزمن لتقلباته وخفة من يعبرونه لا يسمح للنخب السياسية إلا نادرا بدور القابلة الأمينة، التي تتجاوز إرادتها المشاركة في حفلات العقيقة.
ففي مساء هذا الخميس، وبينما بلغت القلوب الحناجر من شدة التجاذبات السياسية وسوء الظن المتبادل والاختلالات المنهجية في رصد سير الشأن العام في جانبه النظري والميداني، وبينما البلاد كلها تمور مورا في تلك الحلقة، وذلك الفراغ الهائل من شقق البين، جاء الموقف المفاجئ والحاسم للرئيس محمد ولد عبد العزيز مختصرا في عبارات صلبة تقول “يمكنني تغيير الدستور، كما غيرته من قبل، لكنني لا أريدُ تغييرا لا يخدم غير الأشخاص”. انتهى الاستشهاد. وربما انتهت كل دواعي الجدل. مع أن تسريح كل مغفلي التاريخ وسفسطائيي المنهج والحياة أمر قد يتعذر على أولي الألباب.
فضلا عن التزامه الدستوري كرئيس للجمهورية في قسم التنصيب، استجاب الرئيس ولد عبد العزيز لأهم مطالب المعارضة والشعب الموريتاني.. “لا تغيير لمادة المأموريات” و”لا مأمورية ثالثة”.
إذا ما هي النتيجة..؟
إنها تلك التي يقررها الضمير الجمعي الوفاقي.. أما غير ذلك فالموريتانيون لن تضرهم مأموريات أو فترات أو حتى هزات… إنه لا يتوقع وجود حركية بدون نوابض… وميزة النوابض هي الهزات.
أقول ذلك للمتشددين من الإخوة غير الواقعيين في نظرتهم للواقع الذي تفرضه موازين القوة وعوامل أخرى من أبرزها المصلحة العليا لهذا الوطن.
إن الحديث عن فرض ديمقراطية فاضلة، يتطلب أيضا فرض وجود نخبة سياسية فاضلة، وهي ولله الحمد غير مفقودة وإن كانت صامتة أو مستترة. ولا يمكن توسيع الدائرة لتشمل كل المتسللين في غفلة من السياسة والشعب.
وبهذا المعنى وهذا المنحى، يكون على نخبة الموريتانيين أن تتجاسر على تجاوز غير المهم، من أجل الأهم.
إن قادة المعارضة الأفاضل يجب أن يلتقطوا الإشارة الصحيحة للحظة التاريخية، وأن لا يَضِيعوا بين تلك الإشارات المضللة، التي تأتي من الداخل والخارج، بل حتى من المتسربين من المدارس بعد امتلاكهم هواتف ذكية تعوضهم ما فاتهم من الذكاء، وحسابات فيسبوكية..!
لا يفهم أي أحد من ذلك أنني أدعو قادة المعارضة الأفاضل للعب دور الحزب الحاكم، فالحزب الحاكم لا يريد منهم حتى هذه الخدمة.
يجب على هذه القامات السامقة والرموز الوطنية الصادقة أن يشاركوا في صياغة المرحلة المقبلة، ما دام هناك رئيس أعلن أنه سيتنحى سلميا عن السلطة وأنه لا يريدها. وإلا فإن هؤلاء القادة سيكونون قد تركوا “كل غيرهم” يصنع ما يشاء ويحمِّل القاطرة وهي على وشك الانطلاق ببضاعتهم.
لقد أعلن رئيس الجمهورية أن المأمورية الثالثة لم تعد مطروحة، وأنه يرفضها رفضا قاطعا.
وهذه فرصة للمعارضة لتجاوز الواقع الموبوء بالقطيعة، والشك والارتياب وعدم الثقة، نحو “المصارحة والمصالحة” مع “الحكم العميق”. وليضع كل ما شاء من خطوط تحت عبارة “الحكم العميق”.
إنّ البعض يتوهم أن عين الإبرة قادرة على ابتلاع الجمل..!
ذلك مستحيلٌ. لكنها تتسع لإدخال الخيط الذي سنرمم به ما أبلته ومزقته من نسيجنا الوطني عقود من التدابر والتنافر والتجاذب السياسي العقيم.
لكن المهم أنّ ما سمي منزلقا يخشى قد تم تجاوزه. وأن التخطيط السليم لمستقبل آمن للجميع يتطلب التنازل ثم التنازل ثم التنازل.
لقد تنازل ولد عبد العزيز مساء الخميس الماضي تنازلا كبيرا بل أكبر تنازل يمكن أن يقدمه… فيا قادة المعارضة الأوفياء ويا “نخبة الأغلبية الصامتة”، لا تتركوا “الجناح غير الديمقراطي في النظام” ينتصر مع “الجناح غير الديمقراطي” في المعارضة. فمن يقطف ثمرة الحكم مستقبلا هو من يشارك الآن ويتنازل الآن.. إن أمهر لاعب لا يمكن أن يربح لعبة لم يشارك فيها، وأشجع القادة لا يمكن أن يربح معركة رفض الدخول فيها.
ولكي لا أطيل في بيان الموقف هذا، أعلن”
أولا: تثميني الصريح لموقف رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز وإعلانه التاريخي الواضح الصريح، والذي يُعد أول مراحل التأسيس الجدية للتناوب السلمي على السلطة.
ثانيا: دعوتي للمعارضة، وللرجال الشجعان والمناضلين الأوفياء فيها، بأخذ زمام المبادرة، وعدم ترك تصميم المرحلة القادمة لمن يعلم الكل أن هدفهم لا يتجاوز “المرحلي” دائما.
ثالثا: أطالب النخبة السياسية كافة، وقد تحقق لها أهم مطلب لديها بفضل نضالها المستميت و اصطبارها، بأن تشارك جميعا في استكمال نتائج الحوار وتنقيحها وسد نواقصها وتوسيع آفاق الحوار وأهدافه.. ويا حبذا لو كان هناك “ميثاق شرف” جديد بين النخبة الحاكمة والنخبة السياسية المعارضة، يوقع الرئيس شخصيا على ضمان تطبيقه مع الالتزام بتوفير كل ضمانات شفافية ونزاهة الاستحقاقات الانتخابية، ويكون “دستورا أخلاقيا” توكل مراقبته للفيف من أكبر علماء في البلاد. “فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسنؤتيه أجرا عظيما”.
ختاما،
الله تبارك وتعالى أسأل أن يصقل قلوبنا حتى يكون ظاهرنا يدل على باطننا وأن يوفق كل الموريتانيين لما يحبه ويرضاه، وأن يجمعهم على كلمة سواء، وأن يؤلف بين قلوبهم، ويمنحهم البركة والتوفيق لخدمة الوطن والشعب والأمة والملة.
والله المستعان وهو ولي التوفيق.
الدكتور الشيخ المختار ولد حرمة ولد ببانا
نواكشوط في 27 أكتوبر 2016
ليكن في علم القارئ الكريم، أن هذا البيان ليسَ ذا غرض سياسي شخصي مطلقا، أحرى أن يكون إطراء أو تزلفا أو دعاية وما شابه ذك من تصورات قد تراود ذهن البعض من أصحاب الظنون.
وإنما ألمس من الحكمة والنصيحة أن يحذر المرء التشدد الزائد، فهو مقتل الفرص السانحة، ولا أريد لزعماء المعارضة الأفاضل أن يبقوا في محطة انطلاق مهجورة.. لا قاطرات بها ولا ركاب، بينما هم يعلمون حقيقة العلم أن “مواسم الانتهازيين” يجب أن تضرب في مقتل من أجل جيل وطني كفء.. وأرى من الضروري أن لا تضيع فرص الإخلاء النادرة في قصرنا الرئاسي. إنه بيان وموقف، وليس تجارة أو استئجارا. ولا هو عودة للسياسة كممارسة ميدانية، وقد أعلنت اعتزالي العمل السياسي قبل فترة، بل هو بيانٌ برؤيتي لحدث عام، لا أخال مواطنا واحدا في هذا البلد لم يهتم به، أحرى من يوصفون بالنخبة.
إن الثوابت الفكرية للمرء هي ملامحه الأخلاقية، وهذه الثوابت في جانبها الوطني هي عدم التردد لحظة في إعلان موقف صريح حين يتعلق الأمر بخطوة أو حدث ذا شأن كبير.
وإن غير هذه الثوابت الفكرية ليسَ إلا تهريج وفرجة على حفلات تنكرية، تتم فيها “أسفنجة” المصلحة الشخصية لتبدو وكأنها مصلحة عامة، والله يعلم المفسد من المصلح… “قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث”. والوطنُ هو ولا شك “مخرجات البذور”، التي تتربص بها آلاف الكواسر والجوارح، وحتى صغار الطيور في سلالاتها الأدنى.
من هذا المنطلق الثابت المستقيم، الذي لا يمكن أن تجرفهُ الانحناءات ولا الإغراءات في مجرى أي تيار، أعلنُ الآن موقفي مما أعتبره أهم حدث سياسي عرفه البلد هذا العام.
لقد كان مساء الخميس الماضي (20 أكتوبر 2016)، من تلك الأمسيات التي تختزلُ حقبا بأكملها، وإن الزمن لتقلباته وخفة من يعبرونه لا يسمح للنخب السياسية إلا نادرا بدور القابلة الأمينة، التي تتجاوز إرادتها المشاركة في حفلات العقيقة.
ففي مساء هذا الخميس، وبينما بلغت القلوب الحناجر من شدة التجاذبات السياسية وسوء الظن المتبادل والاختلالات المنهجية في رصد سير الشأن العام في جانبه النظري والميداني، وبينما البلاد كلها تمور مورا في تلك الحلقة، وذلك الفراغ الهائل من شقق البين، جاء الموقف المفاجئ والحاسم للرئيس محمد ولد عبد العزيز مختصرا في عبارات صلبة تقول “يمكنني تغيير الدستور، كما غيرته من قبل، لكنني لا أريدُ تغييرا لا يخدم غير الأشخاص”. انتهى الاستشهاد. وربما انتهت كل دواعي الجدل. مع أن تسريح كل مغفلي التاريخ وسفسطائيي المنهج والحياة أمر قد يتعذر على أولي الألباب.
فضلا عن التزامه الدستوري كرئيس للجمهورية في قسم التنصيب، استجاب الرئيس ولد عبد العزيز لأهم مطالب المعارضة والشعب الموريتاني.. “لا تغيير لمادة المأموريات” و”لا مأمورية ثالثة”.
إذا ما هي النتيجة..؟
إنها تلك التي يقررها الضمير الجمعي الوفاقي.. أما غير ذلك فالموريتانيون لن تضرهم مأموريات أو فترات أو حتى هزات… إنه لا يتوقع وجود حركية بدون نوابض… وميزة النوابض هي الهزات.
أقول ذلك للمتشددين من الإخوة غير الواقعيين في نظرتهم للواقع الذي تفرضه موازين القوة وعوامل أخرى من أبرزها المصلحة العليا لهذا الوطن.
إن الحديث عن فرض ديمقراطية فاضلة، يتطلب أيضا فرض وجود نخبة سياسية فاضلة، وهي ولله الحمد غير مفقودة وإن كانت صامتة أو مستترة. ولا يمكن توسيع الدائرة لتشمل كل المتسللين في غفلة من السياسة والشعب.
وبهذا المعنى وهذا المنحى، يكون على نخبة الموريتانيين أن تتجاسر على تجاوز غير المهم، من أجل الأهم.
إن قادة المعارضة الأفاضل يجب أن يلتقطوا الإشارة الصحيحة للحظة التاريخية، وأن لا يَضِيعوا بين تلك الإشارات المضللة، التي تأتي من الداخل والخارج، بل حتى من المتسربين من المدارس بعد امتلاكهم هواتف ذكية تعوضهم ما فاتهم من الذكاء، وحسابات فيسبوكية..!
لا يفهم أي أحد من ذلك أنني أدعو قادة المعارضة الأفاضل للعب دور الحزب الحاكم، فالحزب الحاكم لا يريد منهم حتى هذه الخدمة.
يجب على هذه القامات السامقة والرموز الوطنية الصادقة أن يشاركوا في صياغة المرحلة المقبلة، ما دام هناك رئيس أعلن أنه سيتنحى سلميا عن السلطة وأنه لا يريدها. وإلا فإن هؤلاء القادة سيكونون قد تركوا “كل غيرهم” يصنع ما يشاء ويحمِّل القاطرة وهي على وشك الانطلاق ببضاعتهم.
لقد أعلن رئيس الجمهورية أن المأمورية الثالثة لم تعد مطروحة، وأنه يرفضها رفضا قاطعا.
وهذه فرصة للمعارضة لتجاوز الواقع الموبوء بالقطيعة، والشك والارتياب وعدم الثقة، نحو “المصارحة والمصالحة” مع “الحكم العميق”. وليضع كل ما شاء من خطوط تحت عبارة “الحكم العميق”.
إنّ البعض يتوهم أن عين الإبرة قادرة على ابتلاع الجمل..!
ذلك مستحيلٌ. لكنها تتسع لإدخال الخيط الذي سنرمم به ما أبلته ومزقته من نسيجنا الوطني عقود من التدابر والتنافر والتجاذب السياسي العقيم.
لكن المهم أنّ ما سمي منزلقا يخشى قد تم تجاوزه. وأن التخطيط السليم لمستقبل آمن للجميع يتطلب التنازل ثم التنازل ثم التنازل.
لقد تنازل ولد عبد العزيز مساء الخميس الماضي تنازلا كبيرا بل أكبر تنازل يمكن أن يقدمه… فيا قادة المعارضة الأوفياء ويا “نخبة الأغلبية الصامتة”، لا تتركوا “الجناح غير الديمقراطي في النظام” ينتصر مع “الجناح غير الديمقراطي” في المعارضة. فمن يقطف ثمرة الحكم مستقبلا هو من يشارك الآن ويتنازل الآن.. إن أمهر لاعب لا يمكن أن يربح لعبة لم يشارك فيها، وأشجع القادة لا يمكن أن يربح معركة رفض الدخول فيها.
ولكي لا أطيل في بيان الموقف هذا، أعلن”
أولا: تثميني الصريح لموقف رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز وإعلانه التاريخي الواضح الصريح، والذي يُعد أول مراحل التأسيس الجدية للتناوب السلمي على السلطة.
ثانيا: دعوتي للمعارضة، وللرجال الشجعان والمناضلين الأوفياء فيها، بأخذ زمام المبادرة، وعدم ترك تصميم المرحلة القادمة لمن يعلم الكل أن هدفهم لا يتجاوز “المرحلي” دائما.
ثالثا: أطالب النخبة السياسية كافة، وقد تحقق لها أهم مطلب لديها بفضل نضالها المستميت و اصطبارها، بأن تشارك جميعا في استكمال نتائج الحوار وتنقيحها وسد نواقصها وتوسيع آفاق الحوار وأهدافه.. ويا حبذا لو كان هناك “ميثاق شرف” جديد بين النخبة الحاكمة والنخبة السياسية المعارضة، يوقع الرئيس شخصيا على ضمان تطبيقه مع الالتزام بتوفير كل ضمانات شفافية ونزاهة الاستحقاقات الانتخابية، ويكون “دستورا أخلاقيا” توكل مراقبته للفيف من أكبر علماء في البلاد. “فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسنؤتيه أجرا عظيما”.
ختاما،
الله تبارك وتعالى أسأل أن يصقل قلوبنا حتى يكون ظاهرنا يدل على باطننا وأن يوفق كل الموريتانيين لما يحبه ويرضاه، وأن يجمعهم على كلمة سواء، وأن يؤلف بين قلوبهم، ويمنحهم البركة والتوفيق لخدمة الوطن والشعب والأمة والملة.
والله المستعان وهو ولي التوفيق.
الدكتور الشيخ المختار ولد حرمة ولد ببانا
نواكشوط في 27 أكتوبر 2016