الحادثة التي قال السكان المحليون إنها الأولى من نوعها، أثارت الكثير من الجدل خاصة في ظل حديث البعض عن وقوف تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وراء الحادثة، ومحاولة التنظيم لإحداث نوع من “توازن الرعب” في الإقليم الذي تنتشر فيه قوات فرنسية وأممية.
بدأت القصة عندما اختطف مسلحون يعتقد أنهم على صلة بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، قد اختطفوا الأسبوع الماضي خمسة رجال من السكان المحليين، ينتمون لقبائل الطوارق التي تقطن في قرية الزويره، على بعد 120 كيلومتراً شمال غربي مدينة تمبكتو التاريخية.
وكان من ضمن المختطفين الشيخ محمد الحاج أغ أحماد (70عاما)، ومعه ابنه (30 عاما)، بالإضافة إلى ثلاثة أشخاص آخرين، ويعد الشيخ السبعيني أحد الوجهاء ورموز الأنصار، إحدى قبائل الطوارق الشهيرة.
بعد أيام من اختطاف الرجال تم تحريرهم، باستثناء حما أغ سيد أحمد الولي، الذي ذُبح بطريقة بشعة ورميت جثته في منطقة قريبة من تمبكتو، قبل أن يعلق الخاطفون رأسه في وسط سوق قرية الزويره، وتركوا بجانبه رسالة كتبوا فيها أن “هذا هو مصير من يحاول الوقوف في وجه الفتوى، أو يعلن تحريم أو تجريم أعمال القاعدة”.
وبحسب ما أكده شهود عيان بالقرية فإن الخاطفين كانوا يحملون على سياراتهم رايات الحركة العربية الأزوادية، فيما تفيد بعض المعلومات أن قائد مجموعة الخاطفين يدعى “أبو طلحة”، وهو تابع ومجموعته لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.
تتباين آراء سكان شمال مالي حول العملية التي تعد الأولى من نوعها منذ وصول الجماعات الإسلامية المسلحة إلى الإقليم، حيث وصل الأمر بالبعض إلى وصف ما جرى بأنه “تصفية عرقية” تتم بالتنسيق مع فصيل من الحركة العربية الأزوادية.
تكثر الروايات وتتعدد حول هذه القضية، وذلك ما يشير إليه عبد الله الشريف حين يقول: “الجميع يسأل من هو حما الأنصاري، وما عمله بالتحديد، ومن قتله وماذا يريد، وما الذي قد ينتج عن ذبحه؟”؛ ويحاول الشريف أن يجيب على هذه الأسئلة عندما يؤكد أن حما الأنصاري كان يعمل طبيباً في مخيمات اللاجئين الأزواديين، قبل أن ينتقل للعمل في قرية الزويره، ولم يسبق له أن التحق بالحركات الأزوادية ولا الحركات الجهادية، كما لا تُعلم له صِلاتٌ بالقوات الفرنسية والأممية.
في المقابل هنالك رواية مغايرة تماماً ومناقضة لما سبق، حيث يقول الشريف: “في الرواية الأخرى نجد من يقول إن الأنصاري كان عميلاً مزدوجا لعدة جهات في أزواد، من ضمنها تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي والحكومة المالية؛ وما كان عمله طبيباً إلا غطاءً لإخفاء أنشطته الحقيقية”.
تضارب الروايات حول حياة الأنصاري لم يتوقف عند مقتله، حيث تباينت الروايات حول الجهة التي نفذت عملية الخطف وذبحت الأنصاري وأرفقت رأسه برسالة وعيد؛ يقول عبد الله الشريف إن “هنالك احتمالين يطرحهما مراقبو الوضع في أزواد، أولهما أن فصيل الحركة العربية الأزوادية المتمركز في قرية (لرنب) هو من يقف وراء العملية، وهو فصيل موالٍ للحكومة المالية”؛ ويستدل الشريف على هذه الرواية بأن السكان المحليين تحدثوا عن رايات الحركة العربية على سيارات الخاطفين، وتعرفوا على بعض السيارات وركابها.
الرواية الأخرى هي تقول إن العملية من تنفيذ تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي الذي تصول وتجول سياراته ورجاله في المنطقة؛ ويقول الشريف إن هنالك من يؤكد أن ما جرى في قرية (الزويرة) هو مجرد عملية واحدة من عشرات العمليات التي تم تنفيذها في شمال مالي واستهدفت من يصفهم التنظيم بـ”العملاء والجواسيس”.
ولعل أبرز ما يميز عمليات تنظيم القاعدة هو أنها لا تُفرِّق بين عرق ولا قبيلة، فقد طالت شخصيات من جميع الإثنيات في الإقليم، فالتنظيم يستهدف من ثبت لديه أنه يرتبط بصلة مشبوهة مع القوات الفرنسية والأممية التي تشن الحرب على التنظيم منذ يناير 2013.
تختلط حسابات الصراع بين القوات الفرنسية والأممية من جهة والجماعات الإسلامية المسلحة من جهة أخرى؛ مع الصراع القبلي المتجذر في إقليم أزواد؛ ذلك ما يثير قلق أبوبكر عبد الرحمن الأنصاري الذي يفسر ما جرى بوجود “ولاءات قبلية في المنطقة تستغل من قبل أطراف خارجية، وحركات أسست بناء على توجهات إقليمية ودولية ومصالح مادية وقبلية”.
ويضيف الأنصاري أن حادثة (الزويره) هي في حقيقتها “امتداد لحرب تابنكورت ولرنب التي هزمت فيها الحركتان الوطنية والعربية، كما هزمتا دبلوماسياً بعد خروج قادة الفريق الموالي لمالي والجزائر والمتحالف مع التوحيد والجهاد من السجن ببراءة، كأمثال اليورو”.
ويشير إلى أن ما جرى في (الزويره) يأتي أيضاً كـ”ضربة استباقية لإرهاب وتخويف أهل تمبكتو ليخرجوا من المعادلة، وذلك بعد أن تصاعد نفوذهم في الآونة الأخيرة”، وقد نفذت هذه الضربة من طرف “الفريق الذي يمثل توجه التوحيد والجهاد ومالي والجزائر، وهو الفريق الذي لا يريد لأحد أن ينافسه في منطقة تمبكتو التي يعتبرها قاعدته الخاصة”.
وحول تداعيات الحادثة وما سينجم عنها، يبدي سكان شمال مالي قلقهم الكبير، حيث يقول عبد الله الشريف: “هذه الحادثة لن تمر بسهولة، فقد واكبتها حملة إعلامية واسعة تطالب بالنيل من الجناة وحماية المدنيين، في ظل أنباء عن تحركات سياسية وعسكرية في المنطقة”؛ قبل أن يقول: “لا شك ستكون النتائج وخيمة”.