وأخيرا ….قررت أن أكتب هذا المقال الذي كلما هممت بكتابته – سابقا – سقط القلم من يدي على ورقة الكتابة بفعل الحسرة والإحباط، لا بفعل قانون الجاذبية ، فلا مجال إذ ذاك للحديث عن القوانين الفيزيائية التي يحكمها العقل وتتميز بالدقة، فموضوع مقالتي أبعد ما يكون عن العقل! ونسبة الخطإ في قضيتي أكبر ما يكون! بيد أنني في آخر المطاف كسرت القيود، ورفعت الحواجز، واعتصمت في ميدان “الغيرة على الوطن” وخاطبت التردد بملء فمي، رافعا عقيرتي “إرحل” “إرحل” “إرحل” .
فالحقيقة لا يمكن حجبها، وقداسة الوطن وحرمته أسمى من أن تكون نهبا للمغتصبين والمرجفين، وفعلا رحل التردد، عندها أطلقت العنان للقلم لينفض الغبار عن الحروف ويسطر الكلمات، فالتنويم لم يعد مجديا في أرق الكلمة والتخدير أخفق في الوقوف أمام صحوة الشعوب، وأعني بالشعوب – هنا – في المقام الأول – سكان قريتي “كرو”، تلك القرية التي نشأت بها وترعرعت بين أكنافها وكانت أرضها أول أرض مس جلدي ترابها، وحقيق علي أن أسر وأسعد وأن أنتشي فخرا واعتزازا فتاريخ قريتي شعاع من الضياء شق طريقه مخترقا كل سطوح الظلام ولم ينكسر، وأخشى ما أخشاه – الآن- أن تنال مطرقة السيبة من ذلك الشعاع المضيئ فتكسره على سندان كيد الكائدين وتربص المتربصين، فقرية أنجبت الأعلام الأفذاذ، والحفاظ المجيدين، والدعاة المخلصين، والنساء العابدات، لن تقبل الدنية في أمر دينها، ولن تستكين لواقع يقدح في مروءتها . . هذا ما يجب …. لكن الرياح قد تجري بما لا تشتهي السفن !
وإن قرية أشاد جل علماء البلد بمآثر أبنائها، ومناقب علمائها، وخصال مشائخها، فهذا العلامة الراحل / الشيخ محمد سالم ولد عدود رحمه الله تعالى يقول في شأن أبنائها :
جزى معشرا من حسن ما صنعوا بنا
من المجد ذكرا صالحا لشعوبنا
لنهدم ما شادوا وقد رفعوا بنا
جزى الله عنا الحي جاكان خير ما
هم خلدوا في كل قطر ثووا به
أنحسدهم فينا ونجحد فضلهم
وتالله إن القوم كانوا كذلك فلقد شيدوا سفارات لبلاد شنقيط في جميع أصقاع العالم تحمل لواء العلم وترفع تاج الدعوة إلى الله بالتي هي أحسن فنشروا الأخلاق الفاضلة والخصال الحميدة وتعاليم الإسلام السمحة فكانوا رواد حضارة، وخطباء منابر، وفقهاء حلقات… رفعوا هامات علماء وقادة البلد في المشرق والمغرب… أجل.. إن قرية بذل أسلافها الغالي والنفيس من أجل بناء ماض مشرق، ومجد تليد لجدير بأبنائها ـ اليوم ـ أن يدعموا تليد المجد بطارفه و أن يكونوا سورا منيعا، وحصنا حصينا تحتمي بهما القرية من كل من أراد بها سوءا، أو سامها سوء العذاب. هذا ما يجب …. لكن الرياح قد تجري بما لا تشتهي السفن!.
وإن قرية ما فتئت نشاطاتها التجارية تدر دخلا معتبرا لميزانية الدولة مما يشكل رافعا قويا للاقتصاد الوطني، وعاملا أساسيا في محاربة الفقر والإتكالية، لحري بها أن تنال حقها من الأخذ على يد الظالم، ومن الوقوف في وجه الضياع الأمني المستشري في ربوعها بعد أن كان العلم والعمل به – وحدهما – هما المستشريان في جنباتها. هذا ما يجب أن يكون .. لكن الرياح قد تجري بما لا تشتهي السفن!
عجبا من أمر هذه القرية !… قرية كهذه التي حاولت أن أرسم في ذهن القارئ بريشة فنان لوحة مصغرة لتاريخها المجيد وماضيها العريق، فإذا بي – مضطرا – في نفس اللحظة، وبنفس الريشة إلى أن أرسم لوحة أخرى مغايرة للأولى، ولا تجمعهما أية مواصفات إلا أن الأخيرة لا تحتاج إلى عدسة مكبرة، فالصبح أبلج لا تخفى دلائله، ولا أود – عزيز القارئ – أن أنتقل بك من الحقيقة إلى الخيال، ولا من الواقع إلى التمثيل إلا أن الخطب جلل، والداء متفاقم، والسيل قد بلغ الزبى، فهل يعقل أن يتفشى السطو وتستشري السرقة في قرية كقريتي ويبقى المجرم طليقا ينعم بالراحة والهناء ولا يناله حد ولا عقاب ؟ أم هل يعقل أن يبلغ الأمر ب “مرتزقة” أو “بلطجية” أن تعيث في أرض قريتي فسادا فتسرق وتنهب وتغتصب وتروع الآمنين في بيوتهم ولا تجد من يقف في وجهها لإحقاق الحق وإزهاق الباطل ؟ أم هل يعقل أن يعيش ابناء قريتي تحت سياط القهر والحيف والخوف بعد أن كانت قريتهم آمنة مطمئنة وملاذا للخائفين وملجأ للمظلومين ؟ وإن العيون لتدمع أسى والأكباد لتتفطر خجلا حينما أقول لك – عزيزي القارئ – أن من بين أبناء هذه القرية من لهم اليد الطولى في خدمة جهازي الأمن والمخابرات الوطنيين إلا أن ذلك لم يشفع لها ولم يمنع لسان حال القرية من أن ينشد مخاطبا هذين الجهازين وخاصة الأمني منهما:
يا أظلم الناس حتى في معاملتي فيك الخصام وأنت الخصم والحكم
وكيف لا ينشد لسان حال القرية شعرا كهذا والمجرم – لو تم إيقافه – فإن سراحه سيطلق دون أية محاكمة ولو مفبركة ودون أي عفو من أولياء المجني عليه ولو مزورا ؟ وإنما نتيجة لتدخل في الظلام ومن تحت الطاولة من طرف هذا أو ذاك .. والأدهى والأمر من هذا كله أن داء الرشوة في قريتي قد استفحل وضرب أطنابه حتى طال الجانب الأمني، فهل تعلم أن مبلغ 20000 أوقية فقط قد يؤمنك لساعات؟ وهذا ما يعني أن العاجز والمضطر وذوي الدخل المحدود ليس لهم نصيب من الأمن في بلدهم وبين ظهراني أهلهم مما سيجعلهم عرضة للقناصة والمغتصبين! وهنا أهيب بكل ولاة الأمور في هذا البلد العزيز أن يتحركوا قبل فوات الأوان لوأد الفتنة وقطع الطريق على كل من سولت له نفسه استغلال الوضع المنحرف والشاذ لتحويل القرية إلى مركز للجريمة بعد أن كانت مأوى لرفع الظلم وإلى وكر للإرهاب بعد أن كانت مهدا للوسطية والتسامح ، ومن هنا فإنني ألفت عناية القادة الأمنيين في البلد ورؤساء الأركان الوطنية وجميع منتسبي القوات المسلحة إلى أن الحال لو بقي على ما هو عليه في “مقاطعة كرو” من رداءة في الأمن وتفشي للجريمة المنظمة فإن خلايا إرهابية من خارج القرية ستجد فيها أرضا خصبة للعمل على نشر ثقافة التطرف ومعتقدات التكفير مما سيهدد الأمن والسلم المدنيين والإجتماعيين والمجتمعيين في عموم البلد لأن أوارنار تلك الخلايا سيمتد حتما إلى أبعد من حدود القرية … عندها، وعندها فقط سيعلم قادة البلد ورجالات الأمن أن الفرصة قد ضاعت وأنهم يلعبون بالنار في الوقت بدل الضائع فيا “كل من له ضمير حي “مقاطعة كرو” تناديكم وتخاطب فيكم النخوة والشهامة فهبوا لنجدتها ”