يتوجه يوم الأحد 11 إبريل ملايين الناخبين التشاديين إلى صناديق الاقتراع للانتخابات الرئاسية التشادية، لاختيار رئيس لجمهورية تشاد، ويتنافس 7 مرشحين للرئاسة أبرزهم الرئيس إدريس ديبي، مرشح التوافق الوطني أو مرشح السلام والاستقرار كما يحب مناصرو الحزب الحاكم (mps) الإشارة إليه، ويحظى ديبي بتأييد 103 أحزاب في جبهة عريضة وواسعة من مختلف مكونات جمهورية تشاد.
وقد أعلن 17 عشر شخصًا نيتهم للترشح لهذه الإنتخابات، أبرزهم زعيم المعارضة صالح كبزابو، زعيم الاتحاد الوطني للتنمية والتجديد (UNDR)، ولكن نتيجة لبعض الظروف والأحداث التي حصلت، وأبرزها قضية المعارض السابق يحيى ديلو، أعلن عدد من الأشخاص الانسحاب من السباق، وعلى رأسهم صالح كبزابو زعيم المعارضة الذي حل ثانيا في رئاسيات 2016 بحصوله على 12 في المئة من أصوات الناخبين.
تجري هذه الانتخابات في ظروف مهمة وصعبة في المنطقة، وبعد لغط كبير، وخاصة بعد تعثر إجراء الانتخابات التشريعية منذ عام 2011 بسبب مشاكل لوجستية وتنظيمية، كما تأتي بعد أن عقد في تشاد الملتقى الوطني الثاني الذي شاركت فيه مكونات كثيرة كانت على خلاف مع النظام، وتم فيه اعتماد جملة من التوصيات والقرارات التي تعهد الرئيس إدريس دبي بتنفيذها، وأهم هذه التوصيات تعيين نائب لرئيس الجمهورية وإرجاع موقع الوزير الأول الذي ألغي في الملتقى الوطني الأول.
مما لاشك فيه أن وضع المعارضة صعب جدً، فبالإضافة إلى عدم وحدتها وتباين المواقف فيما بينها، لا تجد أجواء خارجية تساعدها في تطوير موقفها الداخلي من خلال الضغوط الخارجية على النظام التشادي، من أجل السماح بمساحة أكبر للمعارضة، وفرص متساوية لجميع المرشحين.
ونظرًا لانشغال العالم بأزمة كوفيد-19، وأيضا بالنظر إلى الأحداث الصعبة التي تمر بها منطقة الساحل نتيجة التداعيات الأمنية الخطيرة والأزمة الليبية والسودانية، وعملية التحول الديمقراطي الصعب جدًا، كل هذه الأمور جعلت المعارضة التشادية تفتقد للبعد الخارجي الذي كان عاملًا مساعدًا في كثير من الأوقات السابقة، على المستوى اللوجستي وعلى المستوى السياسي.
مع كل هذه الظروف الصعبة التي تمر بها المعارضة، إلا أن حجم مقاومة الولاية السادسة كان أكبر بكثير مما هو عليه من قبل، فما تشهده بعض مدن تشاد وبعض أحياء العاصمة إنجامينا من تظاهرات، خاصة ما تقوم به حركة (وقت تم) المكونة من أحزاب وجمعيات مدنية ونقابية، كل ذلك يجعلنا ننظر باهتمام إلى الداخل التشادي، وهذه الأصوات التي تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي بشكل جيد جدا، جعلها تصل إلى مساحات أوسع، ويكون لها صدى أكبر.
لقد واجه الرئيس إدريس دبي مطبات كثيرة طيلة ثلاثة عقود من رئاسته لجمهورية تشاد؛ مطبات سياسية ومطبات أمنية ومطبات اقتصادية ومطبات اجتماعية، إلا أنه في كل مرة ينجح في قيادة الطائرة بأمان إلى محطة أخرى.
لم تعرف جمهورية تشاد منذ إستقلالها عام 1960، الاستقرار بشكل كبير، وحصلت حروب وصراعات بين الشمال والجنوب، المسيحيين والمسلمين، وفيما بين المسلمين، وفيما بين قبائل الشمال، وكانت أبرز سمات هذه الصراعات هو التدخل الخارجي الذي ساهم في تعقيد هذه الصراعات وتشعبها.
وصل إدريس دبي للسلطة في الأول من ديسمبر 1990، بالتزامن مع تطورات دولية مهمة، بعد حرب الخليج الثانية وتفكك الاتحاد السوفيتي، ونجح الرجل في خلق منظومة متكاملة، ببعدها الأمني والقبلي، وخلق تحالفات ساعدته في إرساء دعائم نظام صمد أمام تحديات كثيرة، أبرزها أزمة دارفور بداية الألفية الجديدة، واشتبك سياسيًا وأمنيًا مع نظام يجيد المناورات والدسائس، هو نظام المؤتمر الوطني في السودان.
تواجه تشاد حاليًا مجموعة من التحديات، وهي تحديات أمنية وسياسية واقتصادية، فهي تتواجد في جغرافية ملتهبة بين الجماعات المسلحة وبوكو حرام مع الحدود النيجيرية والنجيرية، بالإضافة إلى حالة عدم الاستقرار في ليبيا وأفريقيا الوسطى، والصراعات الدائمة في إقليم دارفور المحاذي لاتشاد.
أما الوضع الاقتصادي فهو صعب جدًا، فرغم نجاح تشاد في تشييد أنبوب نقل النفط الخام يصل ميناء دوالا على المحيط الأطلسي، الذي وصفه الرئيس إدريس دبي بأنه أهم إنجاز تحقق لتشاد بعد الاستقلال، إلا أن الأوضاع الاقتصادية صعبة جدًا، ومعظم التقارير الدولية تضع تشاد في مكانة متأخرة.
أما التحول السياسي الداخلي فيواجه، هو الآخر، ضغوطًا كبيرةً من أجل تطوير العملية السياسية، حتى تلبي تطلعات الشعب التشادي، وهناك دور مهم لأبناء الرئيس التشادي بدأ يجد اهتمامًا أوسع من ذي قبل.
يوم 10 سبتمبر 2015 تشرفت بأول لقاء مع فخامة الرئيس إدريس دبي، وجدته شخصًا مرحًا، يستمع بهدوء وتركيز، تبادلنا أطراف الحديث، وناقشته في قضايا المنطقة فكان صريحًا، يتمتع بثقافة كبيرة.
مما لا شك فيه أن فوز الرئيس إدريس دبي بهذه الإنتخابات أمر محسوم، ومن المؤكد أيضًا أن تشاد مع بداية هذا العقد الجديد مقبلة على تحديات حقيقية، يجب أن يعي النظام حقيقتها، وأن يخلق الظروف المناسبة حتى يتجاوز أي أخطاء وقعت فيها أنظمة كانت أكثر قوة ونفوذًا من النظام التشادي، ودفعت شعوب هذه الأنظمة الثمن الكبير.
كل الأمنيات الطيبة لإخوتنا في تشاد بالأمن والأستقرار والتنمية
ياسين عبد القادر الزوي
باحت في الشؤون الإفريقية