بسم الله الرحمن الرحيم
تُوَزِعُ النصوص القانونية و التنظيمية الناظمة لتسيير الأموال العمومية ببلادنا صلاحيات تسيير المال العام بين آمر و “مراقب قَبْلِي” و منفذ للصرف و مفتش داخلي و مفتش خارجي “بَعْدِي” للصرف و لو تم احترام توزيع الصلاحيات هذا و اضطلع كُلٌ بمأمورياته أدقَ و أنظفَ اضطلاع لكان ذلك ضامنا و كافيا لنظافة وطهارة تسيير المال العام.
لكن فعل “العشريات الشهباء” المتمثل في ترسيخ “ثقافة سيبة المال العام” أو “ثقافة مال السيبة” وسياسة “اللامساءلة” لا زال يعيق جهود الإصلاح و محاربة الفساد الإداري و المالي التي تم اتخاذها خلال السنوات الأخيرة رغم تحقيق بعض المكاسب “المحسوسة” و “غير المحسوسة” التي أعادت للمال العام شيئا من الهيبة و الحرمة و “مكانة الذِمَارِ”.
و سبيلا إلي مزيد ضبط تسيير المال العام و سد الثغرات و النواقص التي لا زالت “تفاجئ” الرأي العام الوطني من حين لآخر أقترح أن يتم إدخال مبدإ ” التسيير التشاركي” للمال العام إلي تقاليد تسيير الموارد العمومية ذلك أنه من المجرب أنه كلما تعدد شركاء التسيير كلما عَسُرَ ونَدُرَ التحايل و سهلت و كثرت فرص اكتشاف الخروقات و الانحرافات.
و يمكن تعريف “التسيير التشاركي للمال العام” بأنه: ” مجمل الإجراءات و المبادرات التي من شأنها إشراك جميع موظفي و عمال قطاع وزاري معين عبر الاطلاع بصفة دورية خلال السنة المالية علي الحصيلة المفصلة لصرف الموارد الميزانوية، ضف إلي ذلك ضمان إطلاع الجمهور و العموم علي التقارير المفصلة للتنفيذ الفصلي و السنوي للميزانية”.
و التسيير التشاركي للمال العام يمكن التنظير له باعتباره نوعا من ما أصبح يعرف “برقابة المواطن علي الشأن العام”(Contrôle Citoyen de l’Action Publique-CCAP) الذي مكن بعض منظمات المجتمع المدني العاملة في مجالات تعزيز الشفافية من الولوج إلي المعلومات المتعلقة بتصور و تنفيذ السياسات العمومية.
و لأن المقام (مقامي العلمي) و المقال ( الحجم المعتاد لهذا المقال شبه المنتظم) لا يسمحان بسبر غور مفهوم و آليات التسيير التشاركي للمال العام فسأكتفي باقتراح إجراءات إن تم اعتمادها ببلادنا فقد تشكل أساسا لولوج مفهوم “التسيير التشاركي للمال العام” للقاموس الإداري و المالي باعتباره نوعا من رقابة جميع الموظفين علي تسيير الموارد المالية الممنوحة للقطاعات الوزارية التي يتنسبون إليها:-
أولا: عرضُ الحصيلة الفصلية لتنفيذ الميزانية علي الجمعية العمومية للموظفين: و يقصد بهذا الإجراء أن يحرص الآمر بالصرف بكل قطاع وزاري علي عقد جمعية عمومية يدعي لها كل الموظفين المنتسبين للقطاع الوزاري علي اختلاف رُتَبِهِمْ و مَرَاتِبِهِمْ و تكون مناسبة لتقديم عرض تفصيلي حول التنفيذ الفصلي للميزانية و الاستماع إلي ملاحظات و توجيهات جميع المشاركين؛
ثانيا:نشرُ التقارير الفصلية للتنفيذ الميزانوي علي وسائط ورقية و رقمية: و من شأن إجراء من هذا القبيل أن يعزز فرص ولوج الجمهور و العموم إلي الحصيلة الفصلية لصرف الموارد المالية المخصصة للقطاعات الوزارية و كذا تمكين المواطن العادي الذي هو الممول العمومي الرئيس دفعا للضرائب أن يتأكد من الصرف القويم و المستقيم لأمواله.
ثالثا:انتخاب “مراقب ذاتي مستقل” من بين موظفي القطاع: و يقصد بهذا الاقتراح أن يتم سنويا أو كل سنتين انتخاب أحد موظفي القطاع بغية تكليفه بمهمة “مراقب ذاتي مستقل” يتمتع بصلاحيات واسعة في مجال الرقابة و السهر علي احترام الإجراءات النظيفة لتسيير الأموال العمومية المرصودة للقطاع واليقظة كل اليقظة اتجاه شبهات الفساد، و يجدر أن يتم اختيار المراقب الذاتي المستقل من بين أرفع أطر القطاع رتبة و أكثرهم تجربة و أنظفهم سيرة،…