ظهر الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، مساء يوم الثلاثاء 02 أبريل، وهو يرتدي ثوباً أبيض اللون، هو الزي التقليدي الجزائري، ويجلس على كرسي متحرك، سلم رسالة استقالته إلى رئيس المجلس الدستوري، فلم يكن خبر الاستقالة بأهم من خبر ظهور الرجل المختفي منذ عدة سنوات، وكانت الأنباء متضاربة حول وضعه الصحي، بعد أسفار متكررة إلى مستشفيات جنيف.
بوتفليقة أحد المناضلين البارزين في حرب التحرير ضد الاستعمار الفرنسي في الفترة من 1954 وحتى نيل الاستقلال عام 1962، وكان أول وزير للخارجية عقب الاستقلال، ليصبح فيما بعد الرئيس الذي حكم الجزائر لأطول فترة (20 عاماً)، وغادر على وقع احتجاجات شعبية بدأت مطلع شهر فبراير الماضي.
في رسالته إلى المجلس الدستوري قال بوتفليقة إنه قرر الاستقالة من أجل « تهدئة نفوس مواطني وعقولهم، لكي يتأتى لهم الانتقال جماعيا بالجزائر إلى المستقبل الأفضل الذي يطمحون إليه طموحا مشروعا »، وختم رسالته بالقول: « قراري هذا يأتي تعبيرا عن إيماني بجزائر عزيزة كريمة تتبوأ منزلتها وتضطلع بكل مسؤولياتها في حظيرة الأمم ».
جاءت استقالة بوتفليقة تحت ضغط قوي من الشارع الجزائري، أرغمه في البداية على التراجع عن قرار الترشح لعهدة رئاسية خامسة، ثم تراجع بعد ذلك عن قرار تأجيل الانتخابات الرئاسية وتمديد العهدة الرابعة، وها هو اليوم يقدم استقالته من أجل إنهاء الأزمة، فهل تنتهي ؟
ما إن أعلن خبر الاستقالة حتى خرجت المسيرات الشعبية في العديد من المدن الجزائرية احتفالاً بالخبر، وردد المحتفلون هتافات تعلن انتصار الشارع في مواجهة النظام الحاكم، فيما بدأت تظهر مطالب تدعو لاستقالة الفريق أحمد قايد صالح، نائب وزير الدفاع وقائد أركان الجيش، وهو الرجل القوي الممسك بتفاصيل الأمور في المؤسسة العسكرية.

صالح الذي حاول في الأيام الأخيرة أن ينحاز للشارع، ووصف مطالب المحتجين بأنها مشروعة، داعياً إلى تطبيق المادة 102 من الدستور الجزائري التي تنص على شغور منصب رئيس الجمهورية، واصفاً رفيق دربه وصديقه بأنه « عاجز » عن مزاولة مسؤولياته كرئيس للبلاد.
واليوم قبل استقالة بوتفليقه بدقائق، عقد صالح اجتماعاً مع قادة المؤسسة العسكرية، صدر عنه بيان يتهم أفراداً من محيط بوتفليقه باختطاف رئاسة الجمهورية وإصدار بيانات واتخاذ قرارات باسم الرئيس، واصفاً هذه المجموعة بـ « العصابة »، لقد وصلت لغة البيان إلى درجة من الحدة جعلته يشبه في الكثير من تفاصيله « البيان رقم 1 »، فيما بدا واضحاً أنه « انقلاب » متخفياً في رسالة « استقالة ».
ولكن الجزائرين في الشارع وعلى مواقع التواصل الاجتماعي يعتقدون أن الفريق قايد صالح مهما فعل في الأيام الأخيرة يبقى أحد رفاق الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة، وسيظل أحد أركان النظام الذي يدير الجزائر منذ الاستقلال، وكان يتوعد المتظاهرين قبل أسابيع، ويحذرهم من مصير بلدان الربيع العربي.
ويبقى السؤال المطروح هو إن كانت الاحتجاجات الشعبية ستتوقف باستقالة بوتفليقه، أم أن سقف المطالب سيرتفع مرة أخرى، ليصل إلى ضرورة الإطاحة ببقية رؤوس النظام، أم أن الجزائريين سينشغلون بمرحلة انتقالية تضمن لهم الدخول في مرحلة جديدة.
ردود الفعل الدولية على استقالة بوتفليقه بدأت من الولايات المتحدة الأمريكية التي قالت وزارة خارجيتها إن « الشعب الجزائري هو من يقرر كيفية إدارة هذه الفترة الانتقالية ».
أما فرنسا فقد وصف وزير خارجيتها جان إيف لودريان استقالة بوتفليقه بأنها « لحظة مهمة في تاريخ الجزائر »، مؤكداً أن بلاده تثق في قدرة الجزائريين على مواصلة الانتقال الديمقراطي بطريقة هادئة ومسؤولة.