صحراء ميديا تنقل روايات شهود عيان…أحدهم حاول التنظيم تجنيده
باسكنو ـ يعقوب ولد باهداه
روايات كثيرة تلك التي يتم تداولها حول القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، ولكن كلما كانت الرواية أقرب جغرافيا كلما بدت أكثر وضوحا وتفصيلا وربما مصداقية، فالتنظيم داخل الأراضي المالية، ليس مجرد أشخاص حملوا السلاح ضد أنظمة وجيوش يعتبرونها كافرة وموالية للغرب، وإنما هو منظومة أوسع، فيها السياسي والاجتماعي والتجاري، وحتى العاطفي.
يمعن “سيدي محمد” النظر ويعيد التفكير أكثر من مرة، وهو يقدم لصحراء ميديا روايات نقلها عن أقاربه وأصدقائه الذين احتكوا بعناصر القاعدة خلال الفترة القليلة الماضية، في مالي، وتحديدا في الأسواق الأسبوعية التي ينتقل إليها التجار والمشترون من طرفي الحدود.
بحسب رواية “سيدي محمد”، وروايات أخرى لم تتأكد صحراء ميديا من صحتها لكنها تأكدت من تطابقها، فإن عناصر تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، دأبوا على تنظيم محاضرات وعظية ودعوية تنتهي بدعوة للدخول في الجهاد المقدس، موجهة للشباب على وجه الخصوص.
المحاضرات بدأت قبل فترة، لكنها أيضا نظمت بعد هجوم الجيش الموريتاني على القاعدة في غابة وقادو، وكان أبرز ما ميزها هو كونها تتم على مقربة من ثكنات عسكرية مالية، بل وتحت أعين الدرك المالي على بعد مترات قليلة أحيانا.
كل المحاضرات التي رصدت، كانت داخل الأراضي المالية، ولم يجرأ عناصر القاعدة بعد على تنظيمها في بلدات موريتانية، و من ضمن المحاضرات تلك التي نظمها عناصر من التنظيم في سوق بلدة “تشفت” المالية، بحضور عمدتها وهو عربي مالي (بيظاني)، اعترض عليهم واتهمهم بتعطيل السوق وطالبهم بالانسحاب، وكان معهم 6 سيارات، في حين بقيت 7 سيارات أخرى تقوم بجولات استعراضية على مرأى من الحاضرين.
محاضرة أخرى في “أزويره” بمالي، والتي تبعد 270 كلم من باسكنو، حيث حضر عناصر التنظيم الساعة 9 صباحا، وقفوا على بعد 1 كلم، قبل أن يلتحقوا بالمتجمهرين في السوق، ويطلبون منهم التجمع للاستماع للمحاضرة وقال بعض الحاضرين من التجار إن السيارات التي أحضرها عناصر التنظيم كانت جديدة، وتعمل محركاتها بالبنزين، وكان عناصر القاعدة مصحوبين بكاميرا لتصوير الفيديو.
يقول أحد التجار الحاضرين إن أغلب الناس المتواجدين خافوا، ولم يملكوا من أمرهم شيئا، وأن بائعات بضائع مالية بدأن بذكر الله، وارتدين الحجاب. “في حين ابتعدت أنا قليلا..لأنهم بدأوا تصوير فيلم، وانتابني خوف من أن أظهر في ذلك الفيديو الذي سيبثونه بالتأكيد.
كان ضمن الحاضرين شاب لفت أنظار عناصر القاعدة من خلال مظهره، تقدم إليه أحدهم وسأله : لماذا لا تعطي نفسك لله، وتجاهد في سبيله؟ رد عليه الشاب أنه غير مقتنع بما هم فيه، وأن عليهم تركه في حاله، وأن عليهم تغيير ملابسهم “الخشنة” وغير المناسبة للجو الحار، وأن عليهم أن يكونوا بمظهر لائق، وبدت على وجه محدثه ورفاقه “المجاهدين” علامات الغضب من كلامه.
انتهى اليوم، وأغلقت السوق الأسبوعية، وغادر بعض من حضروا إليها نحو موريتانيا، وكان ضمنهم الشاب الذي تحدث إليه عناصر القاعدة، بعد أن قطع الركب مابين 30 إلى 40 كلم التحقت بهم سيارات التنظيم وبدأت مرحلة أخرى من استجواب الشاب في محاولة لتجنيده.
تقدم إليه “الأمير” وهو جزائري، وسأله عن اسمه وقبيلته و هل درس وهل حصل على شهادة جامعية، وعلى عمل في بلاده وهل سبق وأن دخل الجيش الموريتاني. رد الشاب بأنه خريج جامعي ولم يدخل الجيش، فرد عليه الأمير : ماذا تنتظر إذا ؟ عليك أن تلتحق بنا مجاهدا في سبيل الله، ودار نقاش طويل لم يسفر عن اقتناع الشاب بالالتحاق بالتنظيم.
فتش عناصر القاعدة أمتعة الركب، لكنهم خصوا أمتعة الشاب بتفتيش دقيق، وسألوه إن كان يحمل أوراقا أو قلما أو كاميرا أو هاتفا بكاميرا..بدا انهم يخشون أن يكون “عميلا” للجيش الموريتاني، وبعد أن عثروا على هاتف بكاميرا فتشوا الصور ومقاطع الفيديو حتى اطمأنوا أن لا شيء بها يتعلق بهم.
سألوا الشاب عن بضاعته، واشتروا منه سكينا بسيطة وهزيلة بقيمة 4000 أوقية، كـ”عربون حسن نية” لكنه قال إنه حين دخل وقت الصلاة صدم بأن بعض أعضاء القاعدة اختاروا التيمم على الوضوء، وآخرون توضئوا على الأخفاف، وأن أداء بعضهم للصلاة كان دون ما توقعه، حسب قوله.
محاضرة أخرى في “بوكندوز” على بعد 15 لكم فقط من الحدود مع موريتانيا، حيث اعترض التنظيم سيارات قادمة من باسكنو، وطارد أخرى لم تتوقف لكن عناصره لم يتمكنوا من اللحاق بها، وخلال المحاضرة قدم عناصر التنظيم قصائد في رثاء أسامة بن لادن، وشكروا له ما قام به من جهود في سبيل الله. وقدم التنظيم 500 يورو لشيخ محظرة في المنطقة لأجل مساعدته في تدريس الطلاب. لكنهم صادفوا شابا آخر عرفه عضو موريتاني في التنظيم… لقد تأكد أنه أحد العرب الماليين الذين قاتلوا القاعدة إلى جانب قوات تابعة للضابط العربي المالي حمه ولد محمد يحيى الذي قتله التنظيم في يوليو 2009…بدأت موجة من الشتائم المتبادلة بين الاثنين، لكن “أمير” المجموعة الجزائري تدخل، وأقف الحرب الكلامية بين “أبناء العمومة”.
وأما في “لارنب” المالية، فقد كانت محاضرة التنظيم على بعد 700 متر من وحدة الدرك المالي، وبحسب شهود عيان فقد كان رجال الدرك ينظرون لعناصر التنظيم من شرفات المبنى. وهو ما يوحي بحسب مراقبين محليين بـ”عدم جدية السلطات المالية في مواجهة التنظيم وانتهاجها سياسية المهادنة.
مصدر آخر قال لصحراء ميديا إن أفرادا من القاعدة التقوا بتجار مغادرين من لارنب إلى باسكنو، وأبلغوهم أنهم لا يستهدفون المدنيين، وأن هدفهم هو محاربة القوى الغربية الصليبية المتواجدة في المنطقة وأعوانها.
يقول “سيدي محمد” إن تواجد عناصر التنظيم في بلدات مالية لبعض الوقت، وظهورهم من حين لآخر في مدن كبيرة مثل تبمكتو، لم يعد أمرا يصدق أو لا يصدق لأن كل سكان تلك المناطق هم شهود عليه، ويتذكر أنه حين كان في تبمكتو وجد أن عناصر القاعدة يأتون إليها لإصلاح سياراتهم، وللحصول على احتياجاتهم، بل إنهم أحيانا يطلقون رصاصات في الهواء بضاحية المدينة لتقديم إنذارات أنهم قد وصولوا.