إبراهيم الهريم – دكار (صحراء ميديا)
جدد الرئيس السنغالي المنتهية ولايته ماكي صال، هذا الأسبوع، التأكيد على أنه لن يبقى في السلطة لحظة واحدة خارج إطار دستور البلاد، وهو ما يعني أنه سيغادر مطلع شهر أبريل، القصر الرئاسي المطلَّ على خليج دكار، ليعود إلى بيته في حي “ميرموز” الشعبي على الجانب الآخر من شبه الجزيرة.
ولكن ماذا بعد خروج ماكي صال من القصر، وكيف سيتم تجاوز أزمة تأجيل الانتخابات الرئاسية، وما هي السيناريوهات التي تطرح في السنغال، في ظل صراع محتدم ما بين السلطتين التشريعية والقضائية، وفي ظل صراع آخر على رأس السلطة التنفيذية، ما بين طبقة سياسية تعيش لأول مرة منذ الاستقلال، انتخابات لا يترشحُ لها رئيس البلاد.
اليوم في غداء وداع مع الرئيس ماكي صال الذي اعلن انه لن يبقي يوما واحداً في السلطة بعد انتهاء مأموريته pic.twitter.com/mOXWUh6VKr
— Abdallah mohamedi (@aloukali) February 29, 2024
موعد الانتخابات
منذ أن تأجلت الانتخابات الرئاسية عن موعدها في الخامس والعشرين من فبراير الماضي، دخلت السنغال في أتون أزمة غير مسبوقة، خاصة حين حدد لها البرلمان الخامس عشر من ديسمبر المقبل.
ولكن المجلس الدستوري رفض قرار البرلمان، في محطة جديدة من الصراع بين السلطتين، ليجد رئيس البلاد نفسه مجبرًا على السير مع قرار المجلس الدستوري، ولكنه دعا إلى حوار وطني ومشاورات أسفرت عن مقترحٍ بتنظيم الانتخابات يوم 06 يونيو المقبل.
المقترحُ الذي وافقت عليه القوى الحية في البلد، رغم رفضه من بعض أطراف المعارضة، يتضمن أن تبدأ الحملة الانتخابية يوم 13 مايو المقبل، وأن تدخل البلاد في مرحلة انتقالية، ولكن كل ذلك يتطلب موافقة المجلس الدستوري.
المجلس الدستوري
المقترح الذي طرح على طاولة المجلس الدستوري يتضمن تنظيم الانتخابات الرئاسية بداية يونيو المقبل، مع اعتماد مرحلة انتقالية تدخلها البلاد حتى انتخاب رئيس جديد، ويتولى رئيس البرلمان قيادة هذه المرحلة الانتقالية.
وقال الصحفي السنغالي ماديامبال ديايين، القريب من ماكي صال، إن الأخير سيطلب من المجلس الدستوري اعتماد رئيس الجمعية الوطنية (البرلمان)، رئيسًا للمرحلة الانتقالية في السنغال.
ويترقب السنغاليون قرار المجلس الدستوري، تمامًا كما ترقبوا قراره حين صادق البرلمان على تأجيل الانتخابات، وخرج المجلس برفض التأجيل، دون تحديد موعد جديد.
ويشير أغلب المحللين في السنغال، إلى أن المجلس الدستوري أمامه ثلاث خيارات لا رابع لها، فالخيار الأول هو أن يرفض مقترح تنظيم الانتخابات بداية يونيو، وهو ما يعني إطالة أمد الأزمة في البلد.
أما الخيار الثاني الذي قد يتخذه المجلس الدستوري، فهو أنه بعد رفض التاريخ أن يقترحَ تاريخًا بديلًا، وهو في غاية الصعوبة بسبب ضيق الوقت.
أما الخيار الثالث، فهو أن يُقر المجلس الدستوري الموعد، مع تمديد فترة بقاء ماكي صال في السلطة بعد الثاني من إبريل، وهو ما قال ماكي صال نفسه إنه يرفضه، ويواجه معارضة واسعة من طرف كثير من السنغاليين.
Le Dialogue national a proposé le 2 juin 2024 comme nouvelle date des élections présidentielles au Sénégal. Je remercie les forces vives pour ces assises. Toutefois je tiens à préciser que je quitterai mes fonctions au terme de mon mandat le 2 avril, comme je l’ai déjà indiqué.…
— Macky Sall (@Macky_Sall) February 29, 2024
نقطة البداية
تحديد موعد جديد للانتخابات الرئاسية، فتح نقاشًا حول إعادة المسار الانتخابي من بدايته، والعودة إلى المربع الأول، وهو ما يثير الكثير من الخلاف داخل الطبقة السياسية في البلد الذي يعيشُ منذ سنوات حراكًا سياسيًا وصل في كثير من الأحيان إلى الاحتقان والتوتر.
وزير الداخلية السنغالي شرح العودة إلى المربع الأول، في تصريح لوكالة الأنباء السنغالية قبل يومين، وقال إنه يعني فتح مجال الترشح للانتخابات الرئاسية من جديد، أي إلغاء لائحة المرشحين السابقة.
وأوضح الوزير أن ذلك يعني إمكانية ترشح كريم واد الذي رفض المجلس الدستوري ترشحه في السابق، بحجة حمله للجنسية الفرنسية، إذ ينص الدستور السنغالي على منع تمتع أي مرشح للرئاسة بجنسية ثانية.
كما أشار وزير الداخلية إلى أن فتح باب الترشح من جديد، يعني أيضًا أن المعارض عثمان سونكو يمكنه أن يترشح، ولكن بشرط أن يصوت البرلمان على “قانون العفو العام”، والإفراج بموجب ذلك عن سونكو وتبييض سجله الجنائي.
ومن هنا يتضحُ أنه في حالة ما إذا وافقت الطبقة السياسية في السنغال على قرار إلغاء المسار السابق، والدخول في مسار انتخابي جديد، فإن خارطة انتخابية سياسية جديدة ستتشكل، وسيبرز إلى السطح مشهد سياسي جديد، لا أحد يتوقع ما قد يسفر عنه.
سيناريو آخر
سؤال آخر يطرحه السنغاليون في هذا النقاش، وهو أنه في حالة اعتماد رئيس البرلمان لقيادة المرحلة الانتقالية، فإن مرحلة جديدة ستدخلها البلاد، لا يمكنُ التكهن بما سيحدث فيها.
ويذهبُ هؤلاء إلى أن الرئيس الذي سيدير المرحلة الانتقالية ربما تكون لديه خطة أخرى للخروج من الأزمة، وبالتالي قد يتجه نحو إعادة كل شيء من الصفر، والدخول في مسار انتخابي جديد يتطلب وقتا أطول مما هو متوقع حاليًا.
وربما يدفع الرئيس الانتقالي بعد تنصيبه نحو إلغاء موعد الانتخابات الرئاسية في يونيو المقبل، وتحديد موعد جديد، وهو ما قد يفتحُ مسارات أخرى في السنغال.
نقاش حول “ماكي”
تتباين قراءة السنغاليين للقرارات التي اتخذها ماكي صال في الفترة الأخيرة، خاصة تأكيده المتكرر لقراره النهائي بمغادرة السلطة مع نهاية ولايته الرئاسية يوم 02 أبريل المقبل.
في النقاش العام، يعتقدُ بعض السنغاليين أن ماكي صال يسعى بشدة لترميم صورته في الخارج، والحفاظ على سمعته كرئيس يحترم تعهداته، بعد ما لحق به من ضرر إعلامي خلال الفترة الأخيرة.
ولكن آخرين أكثر راديكالية يقولون إن صال يُظهرُ الزهد في السلطة لدفع المجلس الدستوري إلى “شرعنة” بقائه في الحكم حتى تنصيب رئيسٍ جديد، وهنا يرد عليهم أنصار صال بالسؤال عن مصلحته في ذلك.
ويدافعُ أنصار صال عنه، بالقول إن الائتلاف الحاكم ليس لديه الوقت الكافي لتجاوز خلافاته الداخلية، واختيار مرشحٍ جديد بديلاً عن أمادو با، الذي أصبحَ خيارًا وحيدًا يفرضه الواقع.
ولكن معارضي ماكي صال يردون بالقول إنَّ كل ما يصدر عنه من قرارات هو “مجرد تلاعب”، لأن هدفه الحقيقي “هو كسب الوقت وإطالة المسلسل”.