تمر ثماني سنوات علي رحيلك عنا ،عن عالمنا ،عن دنيانا عن بلدك الذي أفنيت عمرك في بنائه وشكلت نواته الأولي فأي كلمات ستفي بحقك و أي حروف ” ذهبية ” ستكتب لك وتحكي لك عن ما جري بعدك في أرضك ووطنك الذي تلون وتشكل بعدك …؟
دعني أحدث روحك الطاهرة – التي تسكن كياني -عن همومنا عن آهاتنا عن آلامنا لعل الحديث يخفف لوعة الفراق ودرجة الاشتياق إليك وإلي أيامك حتى- وإن لم نعشها – لكنه حب فطري رسمته في قلوبنا حكايات الأولين عنك وعن أيامك و إنجازاتك وأمانتك وتقاك وزهدك وقبل ذلك وبعده حبك الجارف لهذا الوطن الذي لم يوفيك حقك – في ذكري رحيلك الثامنة – فقليلون جدا من يتذكرونك أو يذكرونك أحرى أن يخلدوك.
فالأولوية الآن لمن يحكم البلاد وكل من حكمها قبله وربما بعده -مفسد مفلس – عليه أن يشطب من تاريخ البلد وثقافته ولكن مع هذا حتى لو نسوك أو تناسوك ستبقي خالدا تالدا في كيان شعب أحبك وهو أصبح يتيما بعد رحيلك -عن السلطة – وازداد ضياعا بعد صعود روحك الطاهرة إلي بارئها…
سأغوص قليلا في التفاصيل وأروي لك بعضا من هموم الوطن فبعد رحيلك عاد قومك – الذين أطاحوا بك- وحاولوا نزع الثقة منك لكنهم نزعوها من أنفسهم فانقلبوا ثم انتخبوا ثم انقبلوا وانتخبوا وبين الانقلاب والانتخاب ولدت الكثير من المسميات المجلس الانتقالي للعدالة والديمقراطية,-المجلس الأعلي للدولة- – موريتانيا الجديدة – لم يجن الوطن من كل هذا سوى زيادة الأمية والفساد والبطالة مع جفاف فكري وثقافي اجتاح مثقفي هذا البلد وسياسيه فأدمنوا على الانتقال من حزب إلي حزب حتى أصبحنا نقترب من –بلد المليون حزب – ومع هذا فإن أيام حزبك الواحد قدمت أكثر وأكثر لموريتانيا التي تتردى اليوم في سن المراهقة الطائشة بعد أن تركتها في سن النضج والبناء وحيوية الشباب …
ظهر الفساد في البر والبحر بعدك و تأخرت البلاد وتقهقرت بعد أن كنت في أيامك تحرص علي أموال الدولة حرصك علي بضعة منك حتى أنه يحكي عن أحد وزرائك أنه كان في رحلة رسمية إلي الداخل وطلب منه أحد أقاربه سيارته ليسعف بها مريضا بحث الوزير عن بديل ولكن بعد تعذره أعطاه سيارة الدولة علي مضض وبعد عودته إلي نواكشوط اتصل به –الراحل – المختار داداه ليستفسره عن الأمر و قال له في لهجة الوالد الحنون – البياض قليل الحمل للدنس – فكم نحن بحاجة اليوم إلي وزير من رعيلك وإلي رئيس من طرازك ….
التعليم الذي وضعت أسسه و سهرت عليه أصبح يحتضر بعدك , فبعد أن يمضي الطالب نصف عمره في التحصيل ويحصد أعلى الشهادات يعود للوطن ليعمل تحت إمرة مسؤول آخر لا يملك من الشهادات سوى شهادة واحدة أنه أبلي بلاء حسنا في الحملة الإنتخابية أو الدفاع عن انقلاب –سابق أولا حق – أو لقرابته من هرم السلطة وعندها يحتقر الطالب شهادته العليا بل ونفسه..وربما أحيانا وطنه…
كنت فارسا في مجال الدبلوماسية وأوصلت دولتك الفتية حينها إلي -منابر العظماء – تدهورت وتذبذبت بعدك و أصبحنا دولة منسية في محيطها وفي إقليمها لا نذكر إلا عند ذكر الانقلابات .. فالمنقلبون عليك انقلبوا علي أنفسهم ثماني مرات تنوعت الأسماء وتبدلت الوجوه والداء واحد…….
لن ننسى كلمتك الشهيرة حينما خيرك ” هواري أبو مدين ” بين “المغرب ” والجزائر ” فرددت عليه بشجاعة البدوي ” سيادة الرئيس لقد اخترت بلدي موريتانيا“
سيادة -الرئيس ولعلك وحدك من يستحق هذا للقب من خلفائك – مؤسف أن نضيعك حيا وميتا ، فبعد أن جازيناك -أو جازاك زورا باسمنا – فئة من أبناء الوطن جزاء سنمار بسجنك ونفيك طوال ثلاثة عقود ها نحن ننساك اليوم ولا نحتفي بذكراك إلا –من رحم ربك-.., بروحك الغالية لو أن أمة أخرى هي من أنجبتك لجعلتك ملهما مرشدا و تنازعك قلوب وعيون مواطنيها كما فعل مع أمثالك ” مانديلا , غاندي , جورج واشنطن , و عبد الناصر” ..
سيادة الرئيس
عذرا لقد أثقلت علي روحك الطاهرة بهمومي وهموم وطني -ولكن افتقادنا لك و يتمنا بعدك و ألمنا بعدك دفعني للكتابة إليك ومناجاتك وأنا المسكون بحبك رغم أنه لا صلة نسب تجمعنا ولم أشهد أيامك فقط مذكراتك -التي أنارت كناشي- جعلتني أحبك أكثر
إنني أنتمي لموريتانيا المختار داداه…
عزاؤنا فيك وفي وطننا أن لهذا -البلد ربا سيحميه- وأنه سيبعث له مختارا آخر يعيد فيه أواصر الحياة من جديد ويشعل شمعة الأمل التي انطفأت منذ عقود … طيب الله ثراك أيها الخالد في قلوب الملايين