غيب الموت صباح اليوم الأديب المصري الكبير صنع الله إبراهيم (85 عاماً) أحد أبرز رواد الرواية العربية الحديثة، الذي شكلت أعماله علامة فارقة في الأدب العربي المعاصر عبر مسيرة امتدت ستة عقود.
نعى أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة المصري، الراحل في بيان رسمي، مؤكداً أن “الأدب العربي فقد اليوم قامة إبداعية استثنائية، جمعت بين الإبداع السردي المتميز والالتزام بقضايا الوطن والإنسان”.
وأضاف الوزير أن “الراحل كان أحد أعمدة الأدب العربي المعاصر، حيث قدّم أعمالاً روائية وقصصية أصبحت علامات مضيئة في المكتبة العربية، مؤثراً في أجيال متعاقبة من الكتّاب والمبدعين”.
ولد صنع الله إبراهيم في القاهرة عام 1937، وتخرج من كلية الحقوق ليعمل في الصحافة، حيث بدأ مسيرته الأدبية مبكراً عبر مجموعته القصصية الأولى “أول النهار” (1963).
لكنه اشتهر بروايته الجريئة “تلك الرائحة” (1966) التي تعرضت للمنع بسبب جرأتها في كشف واقع المجتمع المصري، لتبدأ رحلته مع الأدب غير المهادن الذي طبع مسيرته الإبداعية.
كما يذكر له تأليفه لرواية “ذات” التي تحولت إلى مسلسل تلفزيوني لاقى نجاحاً كبيراً مما زاد من انتشار أعماله وتأثيرها.
تميز أسلوب صنع الله السردي بالاقتصاد اللغوي مع مزج بين الواقعية والتجريب، حيث طور ما عرف لاحقاً بـ”الرواية الوثائقية” التي تعتمد على الأرشيف والصور الصحفية.
ظهر ذلك جلياً في أعمال مثل “اللجنة” (1981) التي قدمت هجاءً لاذعاً للبيروقراطية، و”بيروت بيروت” (1984) التي وثقت الحرب الأهلية اللبنانية، و”التلصص” (2007) التي كشفت ملفات التعذيب في السجون المصرية.
عرف الراحل بمواقفه السياسية المعارضة، إذ اعتقل في الستينيات بسبب انتمائه لليسار، وظل حتى آخر أيامه صوتاً نقدياً صارخاً ضد ما كان يراه بـ “الاستبداد والفساد”.
لم يمنعه ذلك من الحصول على تقدير نقدي واسع، حيث نال جائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون (2018)، كما تُرجمت أعماله إلى عدة لغات أجنبية.
في عام 2003، أثار إبراهيم جدلاً واسعاً عندما رفض تسلم جائزة الرواية العربية على مسرح دار الأوبرا المصرية، معلناً أنها “صادرة عن حكومة تقمع شعبنا وتحمي الفساد”.
وفي كلمة ألقاها بالحفل، انتقد الكاتب سياسة القاهرة الخارجية، بما في ذلك التطبيع مع إسرائيل، التي وصفها بـ”القتل وتشكيل تهديد فعلي لحدودنا الشرقية”. كما ندد بـ”الإملاءات الأمريكية، والعجز في السياسة الخارجية المصرية، وسائر مناحي الحياة”.
وستبقى آراء صنع الله إبراهيم، لا سيما تلك المتعلقة بأحداث يناير، محل نقاش دائم في المشهد الثقافي والسياسي العربي، شأنه شأن أعماله الأدبية التي طالما أثارت الجدل.
في أيامه الأخيرة، عاد الأديب التسعيني صنع الله إبراهيم إلى واجهة الاهتمام العام بعد أن طالبه الكثيرون الدولة المصرية بالتدخل للمساعدة في تغطية تكاليف علاجه في مارس الماضي.