في قاعة مغلقة يسودها الصمت، طلب القاضي من محامي دفاع المتهم في قضية “تهريب المهاجرين غير النظاميين” تقديم مرافعته، فبدأ بالقول إن موكله “زُجّ به في ملف لا علاقة له به، وإن التحقيقات ومحاضر الشرطة لم تثبت بالأدلة القاطعة تورطه في تهريب البشر”.
منذ أشهر، يخوض المحامي مولاي حافظ معركة قضائية يصفها بأنها مختلفة عن القضايا المعتادة، بعد أن وكّله أحد المتهمين في قضية الاتجار بالبشر، مؤكداً أن “موكله لم يكن ضالعاً في تهريب أو إيواء المهاجرين”.
ويضيف في حديث لصحراء ميديا أن توقيف موكله جاء على خلفية استقباله لمجموعة من الأجانب في المطار، دخلوا البلاد بطريقة قانونية، بعد حصولهم على تأشيرات دخول وختم جوازاتهم من طرف شرطة المطار.
ويشير إلى أن القضية معروضة حالياً أمام القضاء، ومن المنتظر أن تُعقد جلسة نهاية الشهر الجاري للبتّ في قضية ضمن ملف أثار الكثير من الجدل في موريتانيا.
خلال الأشهر الأخيرة، فككت الحكومة الموريتانية عشرات الشبكات العابرة للحدود، التي تنشط في تهريب المهاجرين بطرق غير شرعية إلى داخل البلاد عبر معابر ومنافذ غير قانونية.
وفي مارس الماضي، حيث بلغت الحملة الأمنية ذروتها، أعلنت الحكومة تفكيك أربع شبكات لتهريب المهاجرين غير النظاميين إلى أوروبا، تضم عناصر من جنسيات مختلفة.
وقال وزير الشؤون الخارجية والتعاون والموريتانيين في الخارج، محمد سالم مرزوك، إن هناك شبكات منظمة تعمل على تأطير المهاجرين غير النظاميين وتسهل تحركاتهم.
وقد أسفرت هذه الحملة عن اعتقال المئات من المهاجرين غير الشرعيين، معظمهم من دول أفريقيا جنوب الصحراء، حيث تحتجزهم السلطات في مراكز إيواء مخصصة، في انتظار ترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية.
حزام أمني
قبل شهرين، أصدرت السلطات تعميمًا موجّهًا إلى سائقي المركبات وشركات النقل، تحذّر فيه من نقل الأجانب الذين لا يحملون أوراق إقامة قانونية في البلاد، مؤكدة أن “كل مركبة يُضبط على متنها أجنبي دخل البلاد بطريقة غير شرعية سيتم توقيف سائقها ومصادرتها”.
في إحدى محطات نقل المسافرين شرق العاصمة نواكشوط، بات السائقون يدققون في هويات الركاب وأمتعتهم، وهو إجراء أصبح روتينيًا، بحسب ما يقول السائق المختار.
ويعمل المختار على خط النقل بين نواكشوط ومدينة مكطع لحجار، ويؤكد وجود نقاط تفتيش ثابتة ومتنقلة تابعة للدرك والشرطة على طول الطريق، مشيرًا إلى أن عمليات التفتيش فيها أصبحت أكثر تشددًا.
ويضيف أن بعض نقاط التفتيش تستغرق فيها الإجراءات أكثر من خمس عشرة دقيقة، يتم خلالها التدقيق في هويات المسافرين وتفتيش الأمتعة قبل السماح بمواصلة السير.
ويشير السائق إلى تراجع ملحوظ في حركة تنقل الأجانب بين المدن الموريتانية خلال شهر مارس الماضي، بسبب الخوف من الاعتقال، مضيفًا أن بعض السائقين يرفضون نقل الأجانب حتى لو كانوا مقيمين بطريقة قانونية، خشية التوقيف.
بين الضفتين
على الضفة الموريتانية من نهر السنغال، وتحديدًا في مدينة روصو، نفذت السلطات عمليات ترحيل لعشرات المهاجرين غير النظاميين إلى الضفة الأخرى من النهر، أي إلى مدينة روصو السنغالية، التي باتت في الآونة الأخيرة نقطة استقبال رئيسية للمبعدين من الأراضي الموريتانية.
من بين المُرحّلين مهاجرون كانوا يقيمون بشكل قانوني في البلاد ويملكون تصاريح إقامة، لكن بعضهم لم يُجدّد بطاقته، ما أدى إلى توقيفهم عند نقاط التفتيش وترحيلهم لاحقًا.
وكانت الحكومة الموريتانية قد أطلقت في عام 2022 عملية إحصاء شاملة للأجانب المقيمين في البلاد، بهدف منحهم بطاقات إقامة قانونية، غير أن نسبة الاستجابة ظلت محدودة، إذ تقول الحكومة إن عدد المسجلين لدى مكاتب الإحصاء كان ضئيلًا.
وبحسب المتحدث باسم الحكومة، الوزير الحسين ولد مدو، فإن الإحصاءات الرسمية تشير إلى دخول نحو 130 ألف مهاجر إلى البلاد منذ عام 2022، لكن 7 آلاف فقط منهم تقدموا لتسوية أوضاعهم القانونية.
ورغم تقارير إعلامية تشير إلى “ترحيل المهاجرين بطرق لا إنسانية”، تؤكد الحكومة الموريتانية أن عمليات الترحيل تتم وفقًا للقوانين المحلية والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها البلاد.
وقال وزير الخارجية، محمد سالم ولد مرزوك، في تصريح صحفي الشهر الماضي، إن مهمة قوات الأمن الأساسية هي “تأمين السكان والأراضي”، مشددًا على أن هذه القوات تلتزم أثناء أداء مهامها بجميع الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان.
ردع قانوني
ترحيل المهاجرين غير النظاميين يعد قرارا سياديا لا مساومة عليه، وفق الحكومة الموريتانية، وهو ما دفعها إلى تعزيز ترسانتها القانونية، وإنشاء محاكم خاصة لمحاكمة شبكات تهريب البشر.
ودشنت موريتانيا في فبراير الماضي محكمة جديدة مختصة بقضايا الهجرة، في إطار استراتيجية وطنية لمحاربة الهجرة غير الشرعية. وينص القانون المنظم للهجرة ومكافحتها على “عقوبات بالسجن من 6 أشهر إلى سنتين لكل من استخدم وثائق مزورة، أو حصل عليها بهوية زائفة أو بيانات حالة مدنية مزيّفة، وكذلك لمن زوّر تأشيرات قنصلية، أو ضمانات كاذبة أو عقود عمل زائفة أو بطاقات هوية أجنبية مزورة”.
ويتضمن القانون إمكانية إبعاد الأجانب المخالفين للتشريعات الموريتانية الخاصة بالهجرة والإقامة، وحظر دخولهم لفترة تتراوح بين سنة و10 سنوات، حسب تقدير السلطات المعنية.
كما يفرض غرامات مالية تصل إلى 5 ملايين أوقية قديمة (نحو 13 ألف دولار أميركي)، وعقوبات بالسجن تتراوح من شهرين إلى 6 أشهر على من يدخل البلاد خارج المعابر الرسمية، أو يقيم فيها بطرق مخالفة للقوانين.
وكان آخر هذه الخطوات ايضا مصادقة الحكومة، يوم الأربعاء 2 أبريل، على مشروع قانون يتعلق بحماية الضحايا وأسرهم والشهود في قضايا الاتجار بالبشر.
وقالت الحكومة إن هذا النص سيمكن من وضع آليات للحماية والمساعدة لفائدة ضحايا الاتجار بالأشخاص، وأسرهم، والشهود، وأعوان القضاء، والمخبرين السريين، والمبلّغين.
ويشمل مشروع القانون حماية جسدية ونفسية وقانونية، إضافة إلى المساعدة القضائية، والحصانة من المتابعة، وسرية المرافعات، والحق في عدم الكشف عن هوية الضحية، فضلاً عن حماية الأطفال من قبل القطاع المكلف بالشؤون الاجتماعية والطفولة والأسرة.