وزير الاقتصاد والمالية المختار ولد اجايانتظرت أن تنبع الردود على ما كتبه معالي وزير الاقتصاد والمالية من المشكاة التي وضعها خلال توضيحه الأخير، لكني اكتشفت وبأسرع مما كنت أتوقع ” …إن الأماني والأحلام تضليل”، خصوصا إذا كان الأمنية ترجى من معارض مقاطع، فكانت الردود متسرعة كما وسمها أصحابها بذلك في بعض الأحيان، واجترار لادعاءات ومغالطات لم يكلفوا أنفسهم أكثر من إعادة تحديثها، مع أن التكرار “الغوبلزي” أضحى نظرية متجاوزة في الإقناع، بسبب الكم المهول للمغالطات والتي جعلت أي إنسان طبيعي لا يمكن أن يصدق كل هذه الأخطاء والتجاوزات والسياسات الفاشلة.إن هذا القدر من الفشل الذي يقدم يوميا، لا يمكن لبلد مهما بلغ من التقدم أن يبقى صامدا معه، أحرى أن يسجل العديد من الخطوات إلى الأمام قد نختلف في تقدير مسافتها، لكن يستحيل أن يكون حدوثها مثار نقاش بين من يمتلكون ذرة إنصاف.وحتى لا نبقى حبيسي العموميات التي اختار البعض أن تكون ميسم رده وتعليقاته على توضيح الوزير، فإنني سأراجع معكم بعض النقاط التي تمت إعادة تحديثها بناء على شحنة المغالطة، ومستوى التشويه الذي يكشف أن الهدف هو التشويه والتشويه فقط، وكان الافتراء هو أقصر السبل والأراجيف هي الطريق الأمثل والاعتماد على روايات لم يتم تمحيصها بدقة هي الأداة، لنكتشف معا، مستوى وكم الأكاذيب التي يمكن اختلاقها دون أن يدقق فيها أحد ويرددها البعض يوميا وبحسن نية.
إذا كان أحد أصحاب الردود السريعة عبد غني عن رحمة ربه ـ أعاذنا الله وإياكم ـ فما يضيره أن يكون الغير فقير إلى هذه الرحمة، ومتى كان الفقر لله مثيرا للسخرية؟
إن التأكيد أن التحصيل والجباية شعار المرحلة كما يقول البعض، يقتضي الكشف لنا عن الضرائب والمكوس التي تمت زيادتها أو استحداثها، ليتم إحراجنا فعلا بإثقال كاهل المواطن، وامتصاص عرق جبينه كما يطيب للبعض أن يصف بذلك هذا النظام.
إن مراجعة للقوانين الضريبية والجبائية توضح أن السنوات الأخيرة لم تشهد أي زيادة باستثناء تلك المتعلقة بحماية المنتج المحلي وصحة وحياة المواطن ومحيطه البيئي، واعتقد أن هذه الحماية واجبة وليست مبررة فقط، وعلى مدى السنوات الثمانية الماضية لم ترفع سوى ضريبة واحدة هي الضريبة على القيمة المضافة بنقطتين، ومع ذلك فخبراء المالية يؤكدون أنها ما تزال دون المستوى المطلوب والقدرة الحقيقية للبلد وقد كانت في مراحل سابقة أعلى من هذا الرقم، وعلى العكس من ذلك شهدت السنة الماضية على سبيل المثال لا الحصر تخفيض العديد من الرسوم عن بعض المواد التي تدخل في الصناعات الخفيفة مثل النسيج و حديد البناء الذي يتم تخشينه، كما تضمن تحسين مناخ الأعمال فترات إعفاء ضريبية معتبرة للمستثمرين، ويمكنكم الاطلاع أكثر على ما تتكلف الدولة سنويا وبالأرقام من خلال سياسات الإعفاء الضريبي في ملحق لميزانية الدولة لسنة 2018 التي ستعرض على الجمعية الوطنية خلال الأيام القليلة الماضية.
أما بخصوص سعر المحروقات فإن هذا الموضوع يخفى في ثناياه مغالطات لا تخفى على ذي بصيرة، بدأ بتجاهل أن الطاقة سلة واحدة حيث تدعم الحكومة أسعار الغاز والكهرباء المنزلي من خلال الاشتراكات الاجتماعية للأخير، ومع ذلك فإن هذا التربح الذي يدعي البعض لم يُظهر لنا أي زيادة في الرسوم التي تأخذ الدولة على المحروقات، ناهيك عن التجاهل الكامل لسياسة تحرير سعر هذه المادة والتي تدفع بالدول المنتجة لهذه المادة لزيادة سعرها في الداخل كما في الخليج العربي، كما أن سياسة تصفية الشركات العامة التي لم نجد نماذج وأمثل عليها، يكشف زيفه إنشاء شركات جديدة وانتشال أخرى من براثن الإفلاس، ودمج ثالثة في ما بينها، كل ذلك في سبيل التحسين من مردوديتها الاقتصادية بدل أن تبقى عبئ على كاهل الدولة.
إن بيع الأملاك العامة والعقارات كلمة حق أريد بها باطل، فمتى كانت هذه الأملاك وقفا أو حُبسا لا يجوز تفويته إذا ما اقتضت المصلحة العامة ذلك، طبعا لم تسمعوا بعمليات البيع سابقا لأن العملية كانت تتم في الظلام، وفي أحسن الأحوال تترك هذه الأملاك للتلف دون الاستفادة منها، فما هي الفائدة من مدارس سحبت من الخريطة المدرسية ولم تعد صالحة للتعليم فيها، أو عقارات أخرى، الدولة أصبحت في غنى عنها، أيهما الأفضل أن تمنح للأشخاص كما تعودنا، أم تترك للضياع، أو تعرض للبيع وبشكل علني شفاف، ويتم استخدام هذه الموارد المالية في إنشاء بني تحية جديدة أحوج ما نكون إليها.
أعتقد أن الحديث عن التقشف يكشف عن خلط واضح، والأرجح أنه متعمد، ما بين التقشف وحسن التسيير، فمتى كان الإنفاق على تحديث البنى التحتية في البلد واستصلاح الأراضي وشق قنوات الري… واكتتاب الموظفين بشكل مضاعف وسنوي دليل على التقشف، وأقرب مثال على ذلك، وليس الوحيد، مضاعفة خريجي مدرسي سلك التعليم الأساسي ثلاث مرات بعد إنشاء مدارس جديد لهذا السلك، ناهيك عن الاكتتابات في الصحة وقطاع الأمن والدفاع، أم أنكم تعتبرون ضبط المالية العامة وإلغاء تعدد الرواتب وتخفيض ميزانيات التسيير البوابة الأوسع للفساد تقشف غير مسبوق!
أما المديونية، وأظنكم على اطلاع بذلك، فإن أقصى التقديرات الأخيرة ـ دون أن ننسى أن الناتج الوطني الإجمالي لا يتضمن القطاع غير المصنف ـ الصادرة عن الهيئات المالية المقرضة تضعها في حدود 70% بينما تجاوزت في بعض المراحل أكثر من 100% بالنسبة للناتج المحلي الخام، ومع ذلك فإن نسبة ارتفاع هذه المديونية لم تشكل يوما إشكالا حيث ظلت نسبة خدمة الدين هي الأساس وتعتبر بالنسبة لبلدنا في وضعية مريحة حيث وصلت سنة 2017 إلى 11%.
وبخصوص مغالطة الصندوق الأسود التي تريدون له أن تملأ الدنيا وتشغل الناس، مع أن الوزير قد شفى فيها الغليل، إلا أن محاولة الإيحاء بعدم خضوعه للتفتيش، فيبقى من باب المغالطة، لماذا لا تقدمون الدليل على ذلك، انطلاقا من أن الأصل هو التفتيش وعدم الخضوع له هو الاستثناء، وعن المقارنة بين أسعار المحروقات، أتذكر أن الحديث حينها كان عن التوجه الدولي العام لرفع أسعار هذه المحروقات، رغم انخفاض أسعار البترول، للدلالة عن الحكومة لم تلجأ لهذا الأسلوب مراعاة لوضعية المواطن، ومع ذلك اختار البعض أن يغالط ويجعل منها مقارنة بين مستوى الدخل بين فرنسا وبلادنا.
وعن الاجتهاد السليم يبقى الموضوع أقرب لمسخرة البيضة والدجاجة أيهما السابق، فكون الوزير يشغل منصب في الحكومة التي تعارضون، هل يكفى هذا ليجعل من اجتهاده غير سليم، أما الادعاء بأنه من بين من طالب بانتهاك المواد المحصنة، فإنه لم يزد على قول إن القضاء على الفساد يقتضى أكثر من مأمورية ثالثة ورابعة، وحمل حينها الأمر على رهان المعارضة الخاسر المؤكد أن النظام ينوي إعادة ترشيح فخامة الرئيس لمأمورية ثالثة، وكشفت الأيام مدى زيف هذه الادعاءات، ومع ذلك فإن الجرم الكبير الذي ترتكب إنما هو إسقاط حق صاحب السلطة الأصلي الشعب في استبدال دستوره أو تعديله إذا ما أراد ذلك، لأن آحاد يكتبون ويرددون رفضهم لهذا التعديل.
لكن تبقى قصة الفيديو الأغرب من بين كل الحجج المترهلة التي تم عرضها، رغم تواتر السلطات المعنية على نفي هذا الفيديو، وكأن تواتر المعارضة لا يأتيه الباطل.
أما الحديث الذي دار بين الوزير والنائب فإن علاقته بالمعارضة كانت جلية حيث أن الأخيرة سربت للإعلام حديثا غير الذي جرى، تضمن الافتراء، وتمت تغذيته بحملة شرسة من الأكاذيب والمغالطات على وسائل الإعلام الجديد كان أبسطها تصوير الأمر على انه صندوق أسود يدفع منه لجواسيس، بينما هو في حقيقته حساب لمحاربة التهرب الضريبي والتهريب والفساد، من خلال التحفيزات التي تدفع لمن يساهم في الكشف عن من يريد ضرب اقتصادنا الوطني، اللهم إذا كنتم تعتبرون أن التبليغ عن من يرتكب هذه الجرائم المالية والاقتصادية تجسس لصالح النظام للإيحاء بأنه نظام بوليسي مع أن مستوى حرية التعبير يكشف تهافت هذه الدعوى.
بينما يكشف اختيار إعادة الحديث عن التكلفة المالية لمجلس الشيوخ انتقائية مغرضة، فمن بين حزمة من المبررات تم سردها حينها، تضمنت دور المجلس في إبطاء عملية التشريع، وتكرار للعملية لا معنى له، حيث يقوم المجلس بنفس الدور الذي تقوم به الجمعية الوطنية، مما يشكل مضيعة للوقت والجهد والمال، ناهيك عن علامات الاستفهام الكبيرة التي تثيرها طريقة انتخاب بعض أعضاء هذا المجلس، الذي كان مطلب إلغائه بندا هاما في برنامج أحد رؤساء أكبر أحزاب المعارضة خلال رئاسيات 2003.
يبقى الاستدلال على عدم تنظيم مظاهرة لمحاربة الفساد كانت بالأمس بالنسبة لكم برهانا على شكلية محاربة الفساد، من قبيل الاستدلال على عدم الاهتمام والعناية بيوم الاستقلال الوطني الذي ينظم له عرضا ضخما كل عدة سنوات بينما يتم الاحتفاء بقية السنوات الأخرى بشكل أقل تكلفة.
لقد كشفت الخاتمة التي خرجتم بها على أن الحقيقة والخيال يفصل بينهما خيط دقيق، يمكن لكل من يهمه خلط الأوراق وتزييف الحقائق والمغالطة لخدمة طرحه السياسي، أن يتلاعب ليظهر بمظهر المدافع عن الصالح العام، لكن المؤسف أن يكون البعض ـ وربما عن سذاجة ـ بيدقا يتم استخدامه في هذه اللحظة التي وصفها وزير الاقتصاد والمالية بشكل دقيق حينما قال: “كلما اشتدت هذه الحملات تأكدت أن أعداء هذا النظام و أعداء الإصلاح المتضررين من تضييق الخناق علي الفساد أصبحوا يشعرون بالخطر أكثر من أي وقت مضي”.
أحمد ولد محمدو
مستشار وزير الاقتصاد والمالية في الحكومة الموريتانية