بدا المشهدُ مهيبًا، حين صعدنا سلسلة فنادق أبراج البيت، بالقرب من المسجد الحرام، وحين وصلنا “ساعة مكة” على ارتفاع يتجاوز 600 متر، لتكون بذلك أكبر ساعة في العالم، كانت مكة تمتد في الأفق بكل هيبتها وجلالها.
أحياء مكة وبيوتها تختزل تنوع العالم الإسلامي، تتخلل الشعاب الجبلية، وتنمو على الصخور السوداء، وأهلها يحتفون بضيوفهم الحجاج.
قرابة مليون مسلم حجوا البيت الحرام هذا العام، كانوا يصبغون شوارع مكة باللون الأبيض، متوجهين نحو المسجد الحرام، بقعة الضوء التي تخطف قلوب كل مسلمي العالم.
عاد الحجاج إلى مكة بعد غياب استمر عامين، إثر جائحة كوفيد – 19، فكان التغيير كبيرًا في البنية التحتية والتدبير والخدمات؛ لقد استغل السعوديون وقت الجائحة للعمل، ذلك ما أكده مسؤول في وزارة الحج، قال: “هدفنا أن يكون الحج أكثر راحة وأمانًا”.
خدمة الحجاج
التغيير الأكبر الذي دخل على خدمة الحجاج، حدث على مستوى الطواقم، فعدا أنها طواقم شبابية سعودية بالكامل، كان حضور الفتيات السعوديات لافتًا، في مختلف مراحل تدبير عملية الحج.
يقدمن الإرشادات والنصائح بلغات العالم الحية، ويرافقن الوفود في أوقات صعبة ودرجات حرارة عالية، تليق بما عُرف عن شعاب مكة من القسوة.
يقول زميلي المصري الذي يعمل صحفيًا في الخليج منذ 15 عاما، إنه قبل سنوات معدودة كان من النادر أن يكون المرافقُ سعوديا، وإنما من جنسيات عربية وإسلامية، ويضيف المصري: “هذا العام جميع المرافقين شباب سعوديون معظمهم من خريجي الإعلام”.
في جبل الرحمة تجاوزت درجات الحرارة حاجز الأربعين، فيما كانت مرافقتنا المنتقبة، تقف تحت الشمس لتسهيل تصويرنا للحجاج الواقفين على الجبل، كانت ترفض جميع التسهيلات والمساعدات التي تقدم في مثل هذه الظروف للنساء.
عدد المتطوعين من الشباب السعودي لخدمة الحجاج هذا العام قارب ثلاثة آلاف متطوع، عبر برنامج “كُن عونًا” الذي أطلقته وزارة الحج السعودية، للاستفادة من جهود المتطوعين وضمان جودة خدمة الحجاج.
قالت الوزارة في تصريح إن المتطوعين خضعوا للتكوين، قبل أن يتوزعوا على مهام عديدة من أبرزها “الحفاوة والترحيب”، “الخدمات الصحية والإسعافية”، “السقاية والرفادة”، “الترجمة والإرشاد”، “تقديم العون لكبار السن”، “الحد من الهدر الغذائي وإدارة فائض الطعام”، و”الإسناد والدعم الإداري”.
كان عدد الحجاج القادمين من خارج السعودية 780 ألف حاج، أصدرت وزارة الحج والعمرة 13 دليلا لإرشاد الحجاج خلال تأدية المناسك، مكتوبة بـ 14 لغة عالمية.
من جهة أخرى، كان هنالك 300 حاجٍ من ذوي الاحتياجات الخاصة، ضمن مبادرة أطلقتها وزارة الحج السعودية، لصالح الأشخاص ذوي الإعاقة السمعية والبصرية والحركية من كافة مناطق المملكة، وكان ذلك شيئًا جديدا في حج هذا العام.
رفع التحدي
اكتملت مناسك الحج، دون أن تسجل أي حوادث أو أمراض وبائية، وفق ما أعلن مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة رئيس لجنة الحج المركزية الأمير خالد الفيصل.
وقال الأمير في تصريح رسمي عقب الحج: “ما نشهده من نجاحات في كل حج، لم يأت وليد الصدفة، بل كان بعد توفيق الله بفضل ما توليه قيادة هذه البلاد منذ عهد الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن وأبنائه البررة من بعده حتى العهد الزاهر لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز”.
وأضاف: “لقد خص الله السعوديين بميزة خدمة هذه البقاع، وسيواصلون العمل من دون كلل أو تقاعس، لتكون أنموذجاً فريداً ومتميزاً”.
من جانبه أعلن وزير الصحة السعودي فهد بن عبد الرحمن الجلاجل، أن الخطة الصحية للحج كانت ناجحة أذ لم تسجل أي تفشيات أو مؤثرات على الصحة العامة.
وكانت أكثر من 230 منشأة صحية عملت على خدمة الحجاج، عبر عدد كبير من النقاط الصحية الموزعة على المشاعر المقدسة.
وقال وزير الصحة إن 130 ألف حاج تلقوا خدمات صحية، وأجريت 10 عمليات قلب مفتوح، وأكثر من 187 عملية قسطرة قلبية، إضافة إلى 447 جلسة غسيل كلوي.
من جهة أخرى قدم مستشفى الصحة الافتراضي أكثر من 2000 استشارة للحجاج، أسهم في تقديمها أكثر من 25 ألف ممارس صحي و2000 متطوع.
كانت التحديات كبيرة، فإدارة حشود الحجاج عملية معقدة، ولكن السعوديين نجحوا في ذلك التحدي، فلم تسجل أي حوادث تدافع خلال تفويج الحجاج.