بحضور 3 آلاف شاب إفريقي، ناقش الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اليوم الجمعة، في إطار القمة الإفريقية ـ الفرنسية التي احتضنتها، مدينة مونبلييه الساحلية (جنوب شرق)، جملة من القضايا المتعلقة بالقارة الإفريقية بينها الديمقراطية في البلدان الإفريقية.
القمة الثامنة والعشرين بين فرنسا وأفريقيا، اختار لها ماكرون أن تكون بصيغة مغايرة، لا قادة ولا وزراء، بل “حوار مباشر” مع شباب، فنانين، وممثلين عن المجتمع المدني حول العلاقات الفرنسية الأفريقية وكيف يمكن “إعادة صياغتها”.
يقول الإليزيه إن هذه القمة، التي تأتي لأول مرة منذ عام 1973 في هذه الصيغة، هدفها “الاستماع للشباب الأفريقي”.
لكن القمة تنعقد في سياق جيوسياسي معقد بالنسبة لدول النفوذ الفرنسي التقليدي في أفريقيا، حيث تواجه فرنسا منافسة من روسيا والصين وبدرجة أقل من تركيا، ويبرهن على ذلك التوتر الحاصل بين باريس وباماكو وباريس والجزائر من جهة، الذي أشعلته تصريحات لماكرون انتقد فيها الوزير الأول المالي، وقال إن “الرئيس الجزائري حبيس نظام عسكري”.
على مدى ثلاث ساعات ناقش ماكرون و11 شابا وشابة من عدة دول أفريقية القضايا السياسية والاجتماعية والتنموية والاقتصادية في القارة السمراء.
جرأة
نقاش جمع ماكرون مع أحد عشر شابا وشابة، طرحت خلاله أسئلة شائكة وأخرى “محرجة”، وذلك ما أكده الإليزيه، حين قال بأن الصراحة وعدم “الرقابة” سيكونان السمة التي ستطبع النقاش وطرح الأسئلة على الرئيس الفرنسي.
من أبرز ما خطف الأضواء مداخلة الشابة البوركينابية رايموندي إيلدا كواما التي انتقدت كثيرا “التعاون” وتقديم المساعدات من أجل التنمية، قائلة “منذ قرن ونحن نسمع عن تقديم المساعدات من أجل التنمية، متسائلة أين هي التنمية، وتؤكد البوركينابية على أن أفريقيا بحاجة إلى “تعاون نظيف وشفاف”، تعيد وتكرر الكلمتين، على وقع تصفيقات الجمهور.
لكن السياسة و”الدبلوماسية” الفرنسية في أفريقيا طبعت الدقائق الأولى للنقاش، وهو ما أضفى جدية أكبر على التعاطي وزاد من نبرة الرئيس الفرنسي في ردوده.
بعد أخذ ورد مع أحد الشباب حول دعم فرنسا “للدكتاتوريات” في أفريقيا، كانت الأسئلة حول التدخل الفرنسي في منطقة الساحل أكثر “سخونة”، حين فتحت إحدى المتدخلات الموضوع.
“سيدي الرئيس ما يحدث في الساحل لا يعدو كونه نتاج التدخل الفرنسي في ليبيا، وهاهي فرنسا تحاول إصلاح الغلط بخطإ آخر”، وتضيف “أشرتم إلى أنه لو لم تتدخل فرنسا في الساحل، لما كانت هناك سلطة في مالي اليوم، أقول لكم لو لم تكن هناك أفريقيا لما كانت ستوجد فرنسا كما نراها اليوم”، جملة أغاظت الرئيس الفرنسي الذي قاطعها قائلا “لا ألومكم، أحاول فقط جعل الحوار أكثر مسؤولية، لم نتدخل في مالي فقط من أجل مصالحنا عام 2013، مع أنني أتفق معكم تماما حول الملف الليبي، لقد تدخلت فرنسا دون أخذ رأي الشعب الليبي بعين الاعتبار”.
وشدد ماكرون في رده على أن الوجود العسكري الفرنسي في الساحل، جاء بناء على طلب الدول المعنية المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، وأن فرنسا لا تنوي البقاء هناك بشكل دائم.
كانت الفرصة مواتية للرئيس الفرنسي للقول إن الحوار المباشر والصريح مع الشباب لا يمكن القيام به خلال “القمم التقليدية التي يطغى عادة عليها الطابع الرسمي”، وهي رسالة من ماكرون للسياسيين الأفارقة.
وفي معرض النقاش مع الشباب القادمين من القارة مباشرة أو الجاليات في فرنسا، لم تغب الهجرة والاقتصاد وملف “الإرث الاستعماري”، وأخيرا الثقافة.
وختم الرئيس الفرنسي القمة بالقول إن من يبني أفريقيا هم الأفارقة نفسهم، شبابا ومجتمعا مدنيا، “بالتزامكم وقوتكم”، وأضاف “إن واجبي عليكم اليوم هو أن الحل يأتي على نحو مستديم، وأن لا تكون هذه القمة بلا نتائج”.
وأوضح أنه لن يوقف “معركته التي بدأها قبل فترة والتي كانت هذه القمة إحدى نتائجها”.
وختم بأن “هذه القمة بداية مرحلة جديدة وموعد جديد، وبالخصوص بداية مسار جديد من العمل”.