ما تم الإعلان عنه في انواكشوط بشأن تسوية الخلاف مع الأشقاء الكويتيين حول الدين المتعثر، والذي يعود لأكثر من أربعة عقود، هو اختراق مهم وإنجاز ملموس لا يمكن ولا ينبغي التقليل من شأنه، فمبروك لموريتانيا وشكرا لفخامة رئيس الجمهورية على الجهد الموفق لحلحلة معضلة استعصت على سابقيه، شكرا أيضا للكويت التي لم تتأخر يوما عن مد يد المساعدة الأخوية لبلادنا.
كنتُ نشرتُ سلسلة تدوينات حول الموضوع في الفترة من 11 إلى 13 يونيو 2021 وقد تم نشر المقال الجامع للتدوينات الأربع في «صحراء ميديا» بتاريخ 13 يونيو 2021. اليوم وبعد الإعلان عن التسوية أعود من جديد لأشارككم إخوتي وأخواتي بعض عناصر التحليل لفهم مآلات هذا الملف:
١- من الطبيعي ألا تشمل التسوية المعلنة أصل الدين (82,7 مليون دولار حسب التحديث المعلن من طرف وزير المالية أي أقل بمليونين عن الرقم الوارد في تدويناتي السابقة) ذلك أن الكويت بلد يتمتع بديمقراطية نيابية نشطة وعريقة في المنطقة العربية وليس من اختصاص الحكومة التنازل عن أصول الديون دون الرجوع للبرلمان علما أن مسألة الديون بشكل عام حساسة جدا لأسباب تاريخية وسياسية حين تطرح للنقاش بالبرلمان.
٢- إعفاء 95 % من فوائد الدين بادرة جد مهمة مهما كانت قاعدة الاحتساب (الرواية الكويتية أو الرواية الموريتانية حول مبلغ الفوائد قبل التسوية) وقد تبقى 5 % من هذه الفوائد وافق الطرف الكويتي على سحبها من حيز التداين إلى حيز الاستثمار وهو أمر مهم وسيتم وفق قاعدة رسكلة أو تدوير الديون بمعنى أن موريتانيا ستعبئ من مواردها الذاتية وضمن ميزانياتها العمومية حصصا مكملة لرأس المال الكويتي في مشاريع يتم الاتفاق عليها، هذه الآلية تحصل منذ 2003 مع الطرف الفرنسي ضمن ما يعرف حينها بعقود C2D أي (le contrat de désendettement et de développement ) وحصلت منذ 1996 مع الطرف الأوربي لتمويل ميزانية شركة صيانة الطرق (ENER) عبر توظيف فوائد قرض ضمن آلية تثبيت الايرادات بالنسبة لصادرات المعادن (SYSMIN).
٣- كنتُ أتوقع من أصحاب المعالي الإخوة الوزراء تحديد الرواية التي استقر عليها الاتفاق لاحتساب الفوائد قبل شطب ال 95 % وذلك لمعرفة مقابل ال 5 % المتبقية والموجهة للاستثمار فتلك معلومة أساسية ومهمة للشفافية المالية، أما وقد غابت تلك المعلومة فإن مقابل ال 5% سيكون 50 مليون دولار أو 90 مليون دولار أو 160 مليون دولار وذلك حسب قواعد الاحتساب موضوع الجدل خلال الفترات الماضية والراجح بعد العودة لتصريح وزير المالية ومقارنته بالنسبة من الناتج الداخلي الخام أن المبلغ المتبقي والموجه للاستثمار هو في حدود 50 مليون دولار ما يعني الاحتكام إلى الرواية الموريتانية في احتساب الفوائد وعموما لن يكون الأثر ضارا على التوازن الميزانوي بحكم عاملين، أولهما أن التعبئة لن تتم في ميزانية سنة واحدة فستتبع لوتيرة تحديد وإطلاق المشاريع الاستثمارية المتفق عليها بين الطرفين الكويتي والموريتاني وثانيهما أن توظيف مال عمومي في الاستثمار سيخلق عائد استثمار للدولة وللاقتصاد الوطني وسيخلق فرص عمل ويمكن من توزيع دخول تساهم في الحد من الفقر وتحفيز الطلب.
٤- تمت جدولة اهتلاك أصل الدين على 20 سنة مع فترة إعفاء من السداد لسنتين وبفائدة 0,5 % شبيهة بالفوائد المطبقة من طرف البنك الدولي (الوكالة الدولية للتنمية) بالنسبة لقروضه الميسرة للدول الأكثر فقرا والتي تصل 0,5 % مع إضافة عمولة تعهد ب 0,25 % وهي العمولة التي لم يتم تضمينها في كلفة إعادة الجدولة مع الطرف الكويتي وهذه مزية أخرى للتسوية المعلنة. ويعني هذا أننا في سبتمبر 2044 بحول الله سنكون دفعنا للطرف الكويتي ما مجموعه 87 مليون دولار منها 82,7 تسديد لأقساط الأصل و 4,3 مليون دولار عن الفوائد وهو ما يمثل خدمة دين سنوية للطرف الكويتي في حدود 4,3 مليون دولار على فترة العشرين سنة الممتدة من سبتمبر 2024 ولغاية 2044.
٥- أدت هذه التسوية إلى خفض كبير لمعدل الدين من الناتج الداخلي الخام ليصبح في حدود 55 % وهو معدل – رغم ارتفاعه- يبشر حين يتم تدعيمه بمبادرات منتظرة ضمن حراك مجموعة العشرين ببلوغ مستوى مستدام مع أن تصنيفنا ضمن العتبة الدنيا للدول متوسطة الدخل والذي سيتعزز أكثر بهذه المبادرة وبإيرادات الغاز بعد سنتين سيطرح تحديا من نوع خاص ولكن هذا ليس موضوعنا الآن وسيتم التطرق له لاحقا في تدوينة منفصلة.
ختاما أعيد نشر رابط المقال المنشور في 13 يونيو 2021 عن مشكلة الدين الكويتي لفائدة من لم يطلع عليه حينها.