غرقت مناطق واسعة من موريتانيا، بما في ذلك العاصمة نواكشوط، منذ زوال الاثنين، وسط عاصفة رملية غير مسبوقة، بسبب الرياح الترابية القادمة من الصحراء الكبرى، لتحجب الرؤية بنسبة كبيرة وتؤثر على هبوط طائرات رؤساء دول الساحل والمسؤولين الأوروبيين القادمين للمشاركة في قمة حول قضايا «الإرهاب» في منطقة الساحل.
فكما يخيم ملف الإرهاب المنتشر في منطقة الصحراء الكبرى على تفاصيل القمة ونقاشاتها، جاءت عاصفة من عمق هذه الصحراء لتشوش الرؤية، رؤية يبدو أنها كانت مشوشة منذ البداية، فرغم الخطط والاستراتيجيات طيلة السنوات الماضية لم يتم القضاء على «الإرهاب» في الساحل، وإنما بقي هذا «الإرهاب» وتمدد.
يمكن وصف هذه العاصفة بأنها «ضيف ثقيل» على قمة نواكشوط، حين بدأت تؤثر على حركة الطيران في مطار نواكشوط الدولي، فوجدت العديد من الطائرات صعوبة كبيرة في الهبوط، بينما ألغت طائرة تابعة للخطوط الجوية الفرنسية مرورها بنواكشوط ليل الاثنين/الثلاثاء، بسبب سوء الأحوال الجوية.
بعد ساعات من قرار الخطوط الجوية الفرنسية، ينتظر أن يصل لنواكشوط وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، الذي في الغالب يستخدم طائرة خاصة صغيرة الحجم، فهل ستسمح العاصفة لطائرته بالهبوط، ذلك هو السؤال الذي يشغل بال منظمي القمة، فحضور الضيف الفرنسي يكتسي أهمية بالغة لاجتماع «تحالف الساحل»، أكبر تجمع دولي ممول للحرب ضد «الإرهاب» في الساحل، ولكن يبدو أن العاصفة القادمة من عمق الصحراء الكبرى هي التي ستكتب اللائحة النهائية للمدعوين إلى قمة نواكشوط.
من جهة أخرى، رفعت العاصفة الرملية من مستوى التحديات الأمنية أمام الجيش وقوات الأمن الموريتانية، لتأمين القمة ووفودها وضمان سيرها في أحسن الظروف، وتلك كانت مهمة جسيمة ولكن العاصفة جعلتها أمراً صعباً يتطلب تعبئة موارد بشرية ومادية ولوجستية كبيرة جداً.
منذ أن بدأت العاصفة لوحظ انتشار أمني كثيف في العديد من أحياء نواكشوط، وخاصة في الأحياء التي يوجد فيها بعض الوفود، وفي محيط قصر المؤتمرات حيث ستنعقد القمة، وعلى الطريق السريع المؤدي للمطار، فبدل الاكتفاء بانتشار على جنبات الطرق، لجأ الأمن الموريتاني بمختلف تشكيلاته إلى إقامة دوريات تتحرك بشكل مستمر ولا يفصل بينها إلا عشرات الأمتار فقط، بسبب ضعف الرؤية وسوء الأحوال الجوية.
وتشير التوقعات إلى أن هذه العاصفة الرملية ستستمر طيلة يومي الثلاثاء والأربعاء، وهي التي قال الخبراء إنها تشكلت عندما حملت الريح القادمة من الصحراء الكبرى سحابة من الرمال الكثيفة والغبار، وعبرت بها أولاً المحيط الأطلسي نحو جزر الكناري (95 كيلومتراً تفصل بين جزر الكناري والشواطئ المغربية)، قبل أن تتجه جنوباً نحو نواكشوط ومناطق أخرى من موريتانيا.
وظهرت العاصفة الرملية في صور التقطتها الأقمار الصناعية التابعة لوكالة الفضاء الأمريكية (ناسا)، وتوضح الصور أن العاصفة امتدت من عمق الصحراء الكبرى شرقاً حتى عمق المحيط الأطلسي غرباً، على مسافة تزيد على 500 كيلومتر.
ولكن العاصفة التي وصلت إلى نواكشوط أمس الاثنين، كانت قد ضربت جزر الكناري الاسبانية يومي السبت والأحد متسببة في خسائر كبيرة حين عطلت 822 رحلة جوية من وإلى هذه الجزر، وأغلقت مطاراتها الكبرى الثمانية، ليعلق هناك آلاف المسافرين أغلبهم من السياح.
أما السلطات الاسبانية فقد أعلنت «حالة التأهب»، وطلبت من مواطنيها البقاء في بيوتهم وتجنب السفر، بينما وصفها رئيس الحكومة المحلية في الكناري أنخيل فيكتور توريس بأنها «كابوس»، وأضاف في تصريح صحفي: «إنها أسوأ عاصفة رملية تضرب جزر الكناري منذ أربعة عقود».
ولكن خسائر العاصفة تجاوزت المطارات، حين منعت خلال يومي السبت والأحد رجال الأطفاء في جزر الكناري من التغلب على حرائق طالت مئات الهكتارات من الغابات، فتم إجلاء آلاف السكان والسياح من منازلهم، ولكن بعد تحسن الظروف أمس (الاثنين) استخدم رجال الإطفاء طائرات إطفاء لم يكن بمقدورها التحليق طيلة أيام عطلة نهاية الأسبوع، بسبب انعدام الرؤية.
لقد حضرت العاصفة الرملية في النقاشات غير الرسمية على هامش قمة نواكشوط، وخاصة ما خلفته من أضرار في جزر الكناري الاسبانية، فكان واضحاً حجم الارتباط بين فضائي الساحل وأوروبا، فنسمة ريح نشأت في عمق الصحراء الكبرى، ها هي تشعل الحرائق في اسبانيا.
ترى هل وصلت الرسالة للأوروبيين ليزداد حماسهم في دعم دول الساحل للقضاء على «الإرهاب»، سؤال يطرحه أحد المراقبين وهو يضع منديلاً سميكاً على أنفه، ليس خوفاً من العدوى بفيروس «كورونا» وإنما خشية الاختناق بالغبار القادم مع «عاصفة الصحراء».