منذ إعلان الاستقلال الموريتاني أخذت المدن تتوسع، وتتشكل على عموم التراب الوطني، متمددة جغرافيا وديموغرافيا، فكان لزاما على الدولة أن تساير ذلك التطور المتلاحق بمقوماته من أمن، وتنظيم للسير، وقضاء على العشوائية، وحماية مدنية، وضبط للعمران.. وهي أولويات لا تستقيم المدينة دونها أبدا، ولا يرجى لها استمرار ولا استقرار.
ومما لا شك فيه أن خدمات « الحماية المدنية » تظل ركيزة أساسية من مقومات « التمدن » في العالم، فلا يعقل أن تغيب هذه الخدمات في دهاليز الإهمال، وُتسقَط من الأولويات؛ لأن ذلك منذر باحتمال كوارث كبرى تأتي على الأخضر واليابس، لا قدر الله.
في ذلك الاتجاه عملت الدولة منذ استقلالها على إنشاء فرق حماية مدنية، وتجهيزها باللوازم الضرورية للتدخل العاجل، لكن المتابعين لسير ذلك التطوير والتجهيز يجمعون على بقاء الجهود المبذولة دون الطموحات وكسر التحديات، فمازالت المدن « الداخلية » بحاجة إلى تجهيزات أكثر وطواقم بأعداد كافية لتغطية الحاجة وحجم الكوارث المتوقعة من حين لآخر، ومع كل اختبار تتأكد تلك الحقيقة ويتضح القصور: الخزانات المتنقلة قليلة، والطائرات معدومة (لنجدة بعض المناطق النائية والتغطية الجوية لبعض الحرائق) والتحرك بطيء مقارنة بما ينبغي أن تكون عليه خدمات هذا المرفق الهام.
وبالعودة إلى عاصمة البلاد وأكبر مدينة في هذا الوطن، نرصد سنويات عشرات الكوارث والحرائق المدمرة التي أتت على محلات عمومية وخصوصية حولتها إلى رماد تذروه الرياح، على بعد أمتار قليلة من مركز الحماية المدنية؛ ويرجع هذا القصور إلى عوامل كثيرة، من بينها: ضعف التجهيز، وغياب الرقابة الاحترازية، وانعدام الطرق المخصصة لمثل هذه التدخلات السريعة، وغياب المساءلة والتحقيق والمتابعة.
مؤسف ومؤلم – معا – أن تلتهم النيران المخازن والمحلات التجارية وتأتي عليها بالكامل في عاصمة دولة، دون إطفاء قادر على إخمادها في القرن الواحد و العشرين.
هي عاصمة معرضة للاشتعال بكل معاني الكلمة.
في اليوم الأول من مارس، يخلد العالم « اليوم العالمي للحامية المدنية »، وفي منتصفه من هذا العام 2019 (15 مارس) شب حريق في أحد مخازن الخشب بالعاصمة (جنوب مسجد المغرب) وبالرغم من الاتصال الفوري بالحماية المدنية « النجدة » فقد استمرت جهود الإطفاء ثلاثة أيام، ليتمكنوا أخيرا من السيطرة على الحريق، بعد أن حول كل « le bloc » الذي فيه إلى رماد، ولو أن كل البنايات كانت ملتصقة – كما هو الحال في بعض الأحياء – لكانت النيران التهمت كل العاصمة في أيام قليلة.
فهل يبقى وضع هذا المرفق الحيوي على حاله منسيا؟! ومتى ينتبه « المسؤولون » إلى أنه من أهم أولويات « التمدن » ؟
ومن أشد الأمور غرابة هي أن لا تجد نائبا من نواب الشعب الذين يفترض فيهم الاهتمام بطرح المشاكل الكبري التي تعاني منها مدينة نواكشوط والمدن الداخلية يطرح مسألة الحماية المدنية، والحقيقة المخيفة أن مدينة بلا حماية مدنية مهددة بالإشتعال في أي وقت، نسأل الله الحماية والحفظ والأمن والسلام.
محمد ولد الناه