ازويرات ـ صحراء ميديا
تغيرت ملامح المدينة الشمالية بشكل لافت خلال السنوات القليلة الماضية، لتعانق ضبابيتها التى فرضتها التركيبة الجيولوجية والمناخية، الوجه الاخر الذي تعكسه المساحات الخضراء التى احتلت مكانها وسط المدينة.
بدات ازويرات رويدا رويدا تخلع بذلتها الخمسينية متطلعة الى تقمص شخصيتها المعاصرة وهي التى اشتهرت والى عهد قريب بالتهريب بمختلف اشكاله تهريب المخدرات وتهريب البشر ومرور الارهابيين.
عبر دروبها مر ناشطون سلفيون ذهابا وجيئة لتنفيذ عمليات ضد الجيش او ضد مواطنين اجانب ومصالح غربية ، لا يزال البعض يتذكر اثار الخديم ولد السمان وزملائه الذين مروا في “رحلتي الشتاء والصيف” للتخطيط والتدبير لعمليات نفذ بعضها واحبط بعضها الاخر ، الان محت المدينة كل تلك الاثار بحسب احد ابنائها واخذت تستعد للمرحلة القادمة” ، الطرق الوعرة لعمليات عبور وبيع المخدرات والدهاليز التى وقعت فيها صفقات مهربي الكوكايين ومهربي البشر المهاجرين سوتها الجرافات لتعيد رسمها وعلى اسس جديدة .
تجوب المدينة طولا وعرضا فتفاجئك باري حيتها المعهودة لكنها هذه المرة تستقبلك بمناخ جديد أيضا ، انتشرت المساحات الخضراء وملتقيات الطرق الحديثة ، وبما ان منعرجاتها الطرقية تشكل خطورة على المسافرين الا ان التحسينات الجديدة مكنت العابرين من رؤية السيارات القادمة من كل الاتجاهات بفضل كاميرات مثبتة عند ملتقيات الطرق لتبيان الطرق الموازية والمعاكسة حيث يمكنكم رؤية السيارات القادمة من مختلف الاتجاهات
خامات … وبساتين
عرفت مدينة ازويرات الموريتانية التي تأسست أول الستينات مع بداية استغلال مناجم الحديد بكونها المدينة المنجمية الأولى في البلاد نظرا لما تحتضنه المرتفعات المحيطة بها من خامات مناجم الحديد المتنوعة التي تنقل يوميا عبر ثلاث قطارات من ازويرات إلى انواذيبو ثم تصدر إلى الخارج عن طريق ميناء انواذيبو جالبة للبلاد عائدات معتبرة من العملة الصعبة.
كما تتوفر المدينة على خامات منجم آخر لا يقل أهمية عن الحديد هو منجم الملح الذي يوجد في أكبر وأقدم سبخة على المستوى الوطني هي سبخة الجل التي يفضل البعض تسميتها بسبخة أهل شماد كما هو متعارف تقليديا وهي السبخة التي تحتوي على احتياطات كبرى من مادة الملح وظلت طيلة عقود من الزمن تغذي مختلف أرجاء البلاد ودول غرب افريقيا من هذه المادة عن طريق القوافل التي كانت تنقل الملح منها متجهة جنوبا إلى أرض السودان ثم تعود حاملة معها مواد أخرى كالصمغ العربي، وتعرف المدينة ازدهار الزراعة تحت النخيل اذ باتت المدينة تعتمد على ناصيل الخضروات التى تتم زراعتها في ارض يتندر اهلها بالقول انها تنبت الحجر فكيف لا تنبت الخضر..! لكنهم رغم ذلك يشكون قلة الوسائل.
وبموازاة هذه الأنشطة انتشر نشاط التهريب الذي شمل عدة مجالات منها تهريب السجائر والمخدرات وحتى الأسلحة خاصة في تسعينات القرن الماضي وبداية القرن الجديد و انتشرت شبكات التهريب بشكل غير طبيعي وخاصة من طرف الأجانب مما ولد حالة من انعدام الأمن في المدينة التي كان أهلها قبل ذلك آمنون مطمئنون في مدينتهم البسيطة بطبيعة سماحة أهلها وبساطتهم قبل أن تتقاقم وضعيتها لتصبح معبرا للمتشددين السلفيين القادمين من شمال مالي باتجاه العاصمة من أجل القيام بعمليات اختطاف أو تفجير والعودة عن طريقها إلى معسكرات القاعدة دون رقيب أو حسيب جاعلين منها أرضا مستباحة لم يعد بالإمكان ضبط أو معرفة الداخلين إليها أو الخارجين منها فيما رده البعض أنذاك إلى تهاون أجهزة الأمن التي اعتبروها تتغاضى عنهم وفق ما يقول اد سكان المدينة.
ويضيف احد اطر الولاية انه يتذكر في هذا الصدد “وقوع عمليات اختطاف في وضح النهار لبعض فتيات المدينة نفذها أصحاب سيارات غير مرقمة لبعض المهربين من سكان شمال مالي الذين يستخدمون سيارات اتويوتا شديدة السرعة لاستعمالها البنزين بدل المازوت الذي يستخدم في البلاد لمثل هذا النوع من السيارات” .
ويرى الاطار في المدينة المنجمية انها تحولت الى مدينة اقتصادية حقيقية مشيرا الى انها لم تكن تتوفر حتى بداية القرن العشرين على أية طريق معبدة سوى طريقين الأولى تربط المدينة بكلب الغين والثانية تربطها بالمطار إلى مدينة غير آمنة بمنشآت اقتصادية مكشوفة.
ويضيف “بعد حادثة لمقيطي (500 كلم شمال شرق ازويرات) وما تبعها من أحداث مماثلة في القلاوية وتورين (لمهودات) التي كانت بالذات تستهدف كما تؤكد المعلومات الاستخباراتية المنشآت المنجمية القريبة من ازويرات ثم مواجهات سانتر أمتير ولمزرب وما تبعها من إجراءات أمنية اتخذتها السلطات في انواكشوط بإرادة سياسية واضحة متمثلة من بين أمور أخرى في استحداث منطفة عسكرية مغلقة معظمها في تيرس زمور وإنشاء نقاط عبور إجبارية في مقاربة أمنية جديدة كلها أمور زادت من سكينة سكان المدينة الوديعة وعززت ثقتهم في التوجه الجديد الذي رسمته السلطات الجديدة في البلد ساهم في تحويل المدينة من مدينة خشنة غير آمنة إلى مدينة سياحية وديعة بفعل الطرق المعبدة التي أصبحت تشق معظم أحيائها ونهضتها العمرانية الملحوظة.
وقد زاد من رونق وجمال المدينة نجاح بلديتها والشركة الوطنية للصناعة والمناجم اسنيم في خلق آلية لضمان استمرارية نظافة المدينة جاعلين منها المدينة الأكثر نظافة على المستوى الوطني بدون منازع حسب انطباعات معظم الوفود التي تزور المدينة من تارة لأخرى.
وتعتمد البلدية في نظافة الأحياء الشعبية على عشرات العربات التي تحمل الأوساخ يوميا من أمام المنازل إلى أماكن مخصصة لذلك قبل نقلها إلى مواقع خارج المدينة بينما تتولى شركة اسنيم تنظيف الأحياء العمالية معتمدة على آليات عصرية تبدأ من نصب عشرات الحاويات متوسطة الحجم والصغيرة على طول الطرق وداخل الأحياء يقوم أصحاب البيوت بنقل الأوساخ إليها يوميا من منازلهم في مشهد حضاري لاقت قبل أن تنقلها فرق أخرى بواسطة آليات إلىى خارج المدينة
الوجه الناعم….!
ومن أجل تحسين صورة المدينة قامت شركة اسنيم عن طريق مصلحة صيانة الطرق والبنايات بتبليط الأرصفة الفاصلة بين الطرق المعبدة والمنازل كما هو الحال في البلدان العصرية لمنع تحرك الأتربة ما بين الطرق والمنازل المحاذية لها معتمدين في ذلك على صفائح مصنوعة من الاسمنت المسلح وبعض الحجارة المحلية التي يتم تكسيرها بسواعد العمال والتي يتم نقلها من الجبال المحيطة بازويرات وخلطها بالإسمنت في منظر حضاري لائق.
ومن أجل تعزيز المنظر السياحي للمدينة ـ التي يظن البعض ممن لم تتح له فرصة زيارتها أنها خشنة بقعل الاستغلال المنجمي ـ قامت ذات المصالح بإنشاء مساحات خضراء للنزهة والترفيه على جنبات الطريق الرسمي وفي الساحات العمومية مزينة بنوع من المصابيح الكهربائية الخاصة وتضم مجموعة من الأشجار المثمرة التي تم استيراد معظمها من الخارج مساهمة بذلك في تحسين صورة الوجه العام للمدينة وجاعلة منها مواقع للتنزه والاستراحة لمن يريد من سكان المدينة أو السياح الوافدين إليها.
كما استجلبت من الخارج في سابقة من نوعها على المستوى الوطني مجموعة من المرايا نصبت على ملتقيات الطرق من أجل أن تعكس للسائق قبل وصوله ملتقى الطريق صور كلما يجري على الطريق الأخرى من حركة للسيارات تفاديا للحوادث ومنعا لارتطام السيارات ببعضها وقد ساهم نصب تلك المرايا في منع الكثير من الحوادث حتى الآن.
خمسة فنادق
وهكذا أصبحت مدينة ازويرات كما يراها سكانها والزائرون لها على حد السواء مدينة سياحية آمنة وجميلة طاوية حقبة من الفوضاء والتسيب واللامبالات مساهمة فنادقها الخمس ومنتزهاتها الثمان في جعلها مكانا مفضلا للراحة والاستجمام وقبلة للسياح الزائرين.
محمدن ولد الداه رئيس مصلحة صيانة الطرق والباننيات بشركة اسنيم التي تشرف على العملية أكد خلال لقاء مع صحرا ميديا أن مصلحته ومنذ أن أسندت له وبتوجيهات من الإدارة العامة لاسنيم عملت ولا زالت تعمل على جعل مدينة ازويرات أنموذجا يحتذى في بقية المدن الوطنية الأخرى حيث بدأت في البداية بحل مشكلة شبكة مياه الصرف الصحي التي كانت في كل مرة تعاني المدينة من انسداد أنابيبها مما يسبب لها في أحايين كثيرة تسرب مياهها على الطرقات حاملة معها الروائح الكريهة وفعلا تغلبت المصلحة على ذلك من خلال تجديد معظم أنابيب الشبكة وتكليف مجموعة من العمال بتنظيفها يوميا ومتابعتها حتى لا تتكرر تلك التسربات التي لا تليق بمدينة عصرية كمدينة ازويرات والتي تؤدي إلى انتشار الباعوض والحشرات موضحا أنه منذ سنة 2008 لم يحدث أي انسداد في الشبكة ولا تسرب لمياهها وقال إن مصلحته تعمل في اتجاهين الأول يتمثل في مساعدة بلدية ازويرات بأمر من إدارة اسنيم المحلية في نظافة الأحياء الشعبية خارج الأحياء العمالية من خلال دعمها بآليات التنظيف التي تمكنها من نقل الأوساخ خارج المدينة كلما تراكمت في موقع معين والثاني خاص بالأحياء العمالية حيث تم رسم خطة مكنت من استجلاب حاويات متوسطة وصغيرة للأوساح وقد تم توزيعها بحيث يمكن لساكني المنازل أو المارة في الشارع وضع الأوساخ فيها تجنبا لرميها في الشارع وقد استجلبنا تلك الحاويات من دولة إسبانيا وهي من أحدث الحاويات المستخدمة في مجال النظافة في العالم و تنضاف إلى ست حاويات بالحجم الكبير مستجلبة أيضا من اليابان هي وسيارة خاصة بنقلها وقد وضعت في بعض الساحات العمومية ذات الكثافة السكانية الكبيرة وتقوم السيارة يوميا بحمل تلك الحاويات بشكل آلي دون تدخل العمال ويقول إن تلك الإجراءات رافقتها حملة تحسيسية للأسر العمالية بضرورة التعامل مع هذه الحاويات وتفادي وضع الأوساخ على الطرق أو الشوارع دون مبرر بعدما أصبحت كل أحياء المدينة تتوفر على عشرات من تلك الحاويات التي تضمن استيعاب كل أوساخ المدينة يوميا مؤكدا استجابة السكان للحملة مما جعل المدينة أكثر نظافة وجاذبية ويؤكد محمد ولد الداه أن مصلحته منذ 2008 قد أشرفت على إنشاء حوالي 15 مساحة خضراء في مختلف الأحياء العمالية واستجلبت لها منذ 2008 وحتى نهاية سبتمبر 2010 حوالي 2539 الأشجار والنباتات والورود وذلك من مشاتل في انواكشوط وانواذيبو والسينغال وجهزناها بمصابيح متطورة استجلبناها من أوربا وهي مستخدمة على نطاق واسع هناك.
وأوضح رئيس المصلحة أن مصلحته قامت بتبليط الأرصفة الفاصلة بين الطرق المعبدة والمنازل بغية مساعدة المواطنين على السير على الرصيف والاستغناء عن المرور على الطريق تفاديا للحوادث ومنعا لانتقال الأتربة التي قد تؤدي إلى بعض المشاكل في التنفس حيث تمكنوا في نفس الفترة الزمنية من تبليط 15995 مترا مربعا من الأرصفة منبها إلى أنهم لجئوا إلى حفر بئرين ارتوازيتين في ساحة مباني المصلحة لاستخدام مياهها في التشجير والتبليط لتفادي استعمال المياه الصالحة للشرب التي تتوفر المنطقة على الكثير منها وتحدث عن مجموعة من المرايا جلبتها مصلحته من فرنسا وتم تركيبها في ملتقيات الطرف للحد من الحوادث ولإعطاء صورة حضارية للمدينة مشددا على أن كل ذلك تم بالتعاون الوثيق بين مصلحته وإدارة مقر الاستقلال بازويرات مضيفا في هذا المجال إلى أن كل منازل العمال تم تجديد طلائها بشكل دوري وكل ذلك من أجل جعل العامل في وضعية مريحة واستشهد برئيس التجمع الصحي لاسنيم الدكتور باب ولد النقرة الذي أكد له أن الإجراءات الجديد ذات الصلة بالسلامة الطرقية سواء منها نصب المرايا أو تبليط الأرصفة قد ساهم إلى حد كبير في الحد من الحودث وتراجع نسبة الإصابة بالأمراض الصدرية وأضاف رئيس المصلحة بأن البرنامج متواصل حيث أن برنامج العمل في سنة 2011 سيشهد مواصلة نفس النهج وإنشاء منتزها عصريا لأطفال المدينة يوفر لهم رفقة ذويهم فرص للزيارة والترفيه بشكل مجاني وكذلك استجلاب مقاعد مثبتة أمام المزارع المتفرقة من أجل التنزه والاستراحة مبرزا أن مصلحته تعمل في الوقت الحالي على اتجاهين الأول يتمثل في صيانة ماتم انجازه حتى الآن والثاني مواصلة الإصلاحات بما يخدم المواطن في ازويرات.
كما قال إن مصلحته تعمل بشكل دوري على تطهير المدينة من الباعوض عن طريق رش المبيدات في المزارع المحيطة بالمدينة وداخل شبكة الصرف الصحي.
ويقول مواطن فرنسي آنتوان ماترن 65 سنة بأن المدينة فعلا قد تطورت فيما لا شك فيه وأصبحت مقارنة مع المدن الموريتانية الأخرى أكثر جاذبية نظرا للمظهر الجديد للمدينة ولبساطة سكانها وسماحتهم ومسالمتهم والتي جعلت من قطن ازويرات من الصعب عليه التأقلم مع المدن الأخرى.
وأوضح أنه بالرغم من تحسن واجهة المدينة فإنها تبقى تعاني من عزلة شديدة بسبب توقف الرحلات الجوية وعدم ربطها بشبكة الطرق الموريتانية.