الخليل ولد اجدود – صحافي وخبير موريتاني مقيم في الرباط
يتوجه وفد سعودي هام يرأسه وزير الاستثمار الدكتور خالد الفالح إلى موريتانيا الأحد، وفق ما ذكرت لي مصادر رسمية في البلدين.
ومن المتوقع خلال هذه الزيارة إطلاق شراكة استراتيجية في قطاعات متعددة تشمل المعادن والثروة السمكية والزراعة والطاقة النظيفة، وذلك للاستفادة من الوفرة التي تتمتع بها الدولة الواقعة في غرب إفريقيا، بحسب فواز العلمي، رئيس مجلس إدارة المكتب الاستشاري في التجارة الدولية.
العلمي، وهو خبير اقتصادي واستشاري سعودي بارز، كان قد شرح قبل أسابيع في مقابلة مع قناة “الشرق” وموقع “بلومبرغ” الجدوى الاقتصادية والمالية لشراكة سعودية مع موريتانيا رغم بعدها الجغرافي، وقال فواز العلمي إن “موريتانيا تتمتع باحتياطيات ضخمة وذات جودة مرتفعة من معادن: الحديد، والنحاس، واليورانيوم، والفوسفات، والكوبالت”. وأضاف أن “مياهها الإقليمية تُعد من الأغنى عالميًا بالثروة السمكية، إضافةً إلى تربة خصبة وشاسعة صالحة للزراعة”.
خلال لقاءات مع دبلوماسيين ومسؤولين موريتانيين يساهمون في صناعة القرار السياسي والاقتصادي والمالي، ومهتمون بتأهيل بلدهم لشراكة استراتيجية مع السعودية، ركزت على ضرورة فهم التحول في السياسة السعودية منذ إعلان “رؤية 2030” ونهج ولي العهد الأمير محمد بن سلمان العملي والمختلف.
شرحت لهم أن زمن الذهاب إلى السعودية بملفات فقط لتعبئة الموارد لمشاريع وجلب التمويلات قد انتهى، وأن المساعدات والتمويلات السعودية من هبات وقروض للدول الإفريقية ترتكز الآن على أسس جديدة مرتبطة بمصالح مشتركة، من بينها منح الأولوية للشركات السعودية وامتيازات وتسهيلات للاستثمارات الخارجية السعودية.
هذا التحول في سياسة التمويل السعودية لا يشمل طبعًا المساعدات الإنسانية العاجلة، والحملات السعودية للإغاثة ومواجهة الكوارث الطبيعية، والمجاعات، والإرهاب، والفقر؛ فهذا مرتبط بدورها الإنساني العالمي، وهو مستمر.
السعودية ساعدتنا على المضي قدمًا في درب التنمية، واستثمرت فينا دون منٍّ أو أذى خلال السنوات الأخيرة، عندما ضخت تمويلات في مشاريع تنموية وصلت إلى 800 مليون دولار.
اليوم علينا أن نمنح الشركات السعودية عقودًا وامتيازات ونندمجها في نظام الصفقات العمومية، ليس فقط عندما يتعلق الأمر بمشاريع تمولها الصناديق السعودية، بل في جميع المناقصات العامة والأشغال الكبرى، بما فيها تلك التي تمولها مؤسسات التمويل الدولية مثل صندوق النقد والبنك الدولي، والاتحاد الأوروبي، والصناديق الكويتية، والبنك الإفريقي، أو تمول من ميزانية الدولة.
ومن المهم أن تستورد بلادنا المزيد من البضائع والمنتجات السعودية لتعزيز التبادل التجاري، وأن نشجع رجال أعمالنا على الاستثمار في سوق الأسهم السعودية، وأن نسهل على التجار والشركات الصغيرة والمتوسطة الوصول إلى المصانع السعودية عبر خطين مباشرين بحري وجوي لربطنا بموانئ جدة.
وبهذا الشكل، سنوجّه جزءًا من عائدات بلادنا من العملة الصعبة لتكثيف التبادل التجاري مع المملكة العربية السعودية.
وسيساهم أيضًا في دفع التعاون الثنائي وتجسيد الشراكة الاستراتيجية فتح المجال أمام الشركات العامة والخاصة السعودية، وصندوق الاستثمارات العامة، للاستثمار في قطاعات سيادية مثل الاتصالات، والبنية التحتية الرقمية، والأمن الغذائي (الزراعة والصيد البحري الصناعي)، والطاقة، والنفط، والغاز، والدفاع، والصناعات العسكرية، والنقل الاستراتيجي، والموانئ، والمطارات، وشبكات طرق حديثة تربط بين المناطق اللوجستية الكبيرة في جنوب أوروبا، والمغرب، والجزائر، ودول غرب إفريقيا، وبلدان الساحل الإفريقي الحبيسة والمكتظة بالسكان، والتي تحتاج إلى استيراد الكثير من منتجات الصناعات السعودية.
السنغال منحت مجموعة “أكوا باور” السعودية عقدًا تبلغ قيمته 800 مليون يورو لتزويد العاصمة داكار بالماء الصالح للشرب عبر بناء محطة لتحلية المياه في المدينة الواقعة، مثل عاصمتنا، على ضفاف الأطلسي؛ وستكون أكبر محطة في إفريقيا جنوب الصحراء.
كما تسمح المملكة المغربية للشركات السعودية بالاستثمار في قطاعات سيادية.
إن نجاح الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني في تعزيز الاستقرار السياسي والأمني، وتأمين الحدود، والحفاظ على سيادة البلاد في محيط مضطرب ويشتد فيه الاستقطاب الإقليمي والدولي، وتمسكه بترسيخ التداول السلمي للسلطة، ووضع حد للانقلابات التي استمرت في دول الجوار الإفريقي، يجعل من موريتانيا شريكًا جديرًا بالثقة ووجهة موثوقة وجاذبة للاستثمارات، خاصة في القطاعات الاستراتيجية طويلة الأمد.
في نفس السياق، إذا ما ذهبنا في شراكة اقتصادية وتجارية ناجحة وقوية مع السعودية، وربط مصالح شركات ومجموعات سعودية باستقرار بلدنا، فإننا نستند إلى حليف موثوق من أهم القوى الإقليمية اليوم، ومؤثر، وصوته مسموع في السياسة الدولية، وستخلق مصالح جيوسياسية واقتصادية مشتركة رغم البعد الجغرافي.
يمكننا تطوير التنسيق الدبلوماسي والتشاور المستمر لشراكة سياسية وأمنية عميقة لمواجهة المخاطر المحدقة مع بدء إنتاج وتصدير الغاز، وتضاعف إنتاج الذهب، وتوسعة المناجم.
ولعل بعض الموريتانيين يتذكرون بمرارة أيامًا عصيبة مرت خلال حرب الصحراء، عندما أصبح استمرار موريتانيا كدولة محل استفهام.
وفي هذا السياق، أتذكر شهادة العقيد محمد ولد لكحل، الذي قال إن القيادة السعودية منحت حكومة موريتانيا شيكًا على بياض لشراء ما تحتاجه من سلاح ومؤن، وبالتالي منعت انهيار الجيش والدولة.
اختلفنا مع العسكر أو اتفقنا معهم، فالمؤسسة العسكرية هي صمام الأمان لبقاء موريتانيا كدولة في منطقة تموج بالاضطرابات والتحولات، وبعض دولها معرضة للاضمحلال، ومنها مالي المجاورة، حيث ينشر تنظيما القاعدة وكتيبة “ماسينا” مقاتليهما في غرب البلاد، تمهيدًا لغزو باماكو والسيطرة على المؤسسات السيادية.