أثار بيان النائب في البرلمان الموريتاني كادياتا مالك جالو سجالاً حاداً بين برلماني الموالاة والمعارضة، وذلك بعد اتهام الأغلبية البرلمانية بتعطيل الرقابة على الحكومة.
وقالت النائب إنها لاحظت “خروقات في حقوق المهاجرين غير النظاميين” خلال زيارات قامت بها لعدد من مفوضيات الشرطة، داعية إلى تسوية أوضاعهم القانونية وفق الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها موريتانيا.
وأضافت جالو في مقابلة مع “صحراء 24” للتعليق على بيانها، أن ترحيل هؤلاء المهاجرين “قد يتسبب في توتر مع دول الجوار التي ينحدرون منها، مما قد ينعكس سلباً على أوضاع الجاليات الموريتانية في تلك الدول”.
وأوضحت أنها تقدمت بطلب لاستجواب وزير الداخلية أمام مؤتمر رؤساء الجمعية الوطنية، غير أن الطلب رُفض من دون تقديم مبررات. وأشارت إلى أن محضر الاجتماع “لم يتضمن أي إشارة إلى الطلب، ولم يُبلغني أحد بأسباب رفضه”.
وذكرت أن المؤتمر اقترح تحويل الاستجواب إلى سؤال شفهي، لكن هذا الخيار أيضاً “غير مفعل عملياً”، مضيفة أن “عشرات الأسئلة الشفهية، بينها اثنان تقدمت بهما، لا تزال معلّقة دون برمجة أو رد، مما يعطل الدور الرقابي للبرلمان”.
واعتبرت جالو أن رفض الاستجواب يعكس “رغبة في تجنب فتح نقاش حول ملف الهجرة”، رغم تزايد الاهتمام الشعبي والسياسي به، وورود تصريحات بشأنه من مسؤولين في دول مجاورة.
الاتهامات التي وردت في بيان النائب أثارت جدلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي، وصل لحد التراشق الكلامي بين النواب في البرلمان وتبادل الاتهامات فيما بينهم.
كبوة سياسية
وقال رئيس الفريق البرلماني لحزب الإنصاف الحاكم، محمد الأمين ولد اعمر، إن طلب الاستجواب الذي تقدمت به النائب كادياتا مالك جالو لا يستوفي الشروط القانونية، واصفاً تصريحاتها بشأن الهجرة بـ”الكبوة غير الموفقة”.
وأضاف ولد اعمر، في مقابلة مع “صحراء 24″، أن النظام الداخلي للبرلمان يحدّد للاستجواب شرطين أساسيين، هما الاستعجال وجسامة الوقائع، وفقاً للمادة 125.
وأوضح النائب أن “الطلب المقدم من النائب جالو لم يجسّد هذين الشرطين، حيث لم تظهر وقائع ذات طابع استعجالي أو خطير تبرر اللجوء إلى هذا الإجراء الاستثنائي”.
وأشار ولد اعمر إلى أن “مؤتمر الرؤساء قرر عدم إحالة الطلب بناءً على هذا التقييم”، مشيراً إلى أن “الوقائع المذكورة لا تنطوي على خروقات جسيمة أو تهديد عاجل يستدعي استجواب وزير الداخلية”.
ولفت إلى أن الحكومة الموريتانية “تتعامل مع الهجرة غير النظامية وفق القانون، وقد اتخذت جملة من الإجراءات القانونية في هذا الإطار”، مضيفاً أن “اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، وهي هيئة مستقلة وتحظى بسمعة دولية، أكدت أنها لم تسجّل انتهاكات في حق المهاجرين”.
وقال النائب إن رئيس السنغال نفسه صرّح بأن لموريتانيا الحق في مراعاة مصالحها العليا، مضيفاً: “لم تسجل أي شكاوى رسمية من المهاجرين أو من دول الجوار بشأن الإجراءات الموريتانية”.
وأضاف أن النائب كادياتا “لم تقدم شهادة موثوقة أو محايدة تدعم روايتها، ولم تُرفق طلب الاستجواب بأدلة ميدانية أو شهادات لضحايا، وهو ما يضعف الأساس القانوني للطلب”.
وختم بالقول: “تصريحات النائب جالو تمثل كبوة سياسية لا تغتفر في سياق يتطلب الدقة والالتزام بالقنوات الدستورية”.
موقف البرلمان
ودخلت الجمعية الوطنية على خط الجدل، بإصدارها بياناً تنفي فيه ما ورد في بيان النائب كادياتا مالك جالو والاتهام الذي وجهته لهم بـ”التضييق على العمل البرلماني”، ووصفت الجمعية تلك المزاعم بأنها “غير دقيقة” و”لا تستند إلى الواقع المؤسسي”.
وقالت الجمعية، في بيان صادر يوم الجمعة، إن النائب تقدمت بطلب استجواب بشأن ترحيل مهاجرين غير نظاميين، غير أن مؤتمر الرؤساء، وهو الهيئة المختصة ببرمجة الجلسات، طلب منها تحويله إلى سؤال شفهي لعدم توفر شروط الاستجواب، وفقاً للنظام الداخلي.
وأضاف البيان أن مالك جالو استجابت لهذا الطلب وسحبت الاستجواب طواعية، قبل أن تصدر بياناً تندد فيه بالإجراء، وهو ما وصفته الجمعية بـ”المفاجئ وغير المبرر”.
وشددت الجمعية على أن آليات الرقابة البرلمانية لا تزال قائمة، وتشمل الأسئلة الشفوية والكتابية، والاستجوابات، والتحقيقات، وأن العمل البرلماني يتم في احترام كامل للنصوص القانونية المنظمة.
كما أشار البيان إلى أن الجمعية تمتلك قناة تلفزيونية تبث جلساتها مباشرة دون تدخل، مؤكدة التزامها بالشفافية وإتاحة المجال لكافة الفرق البرلمانية دون تمييز.
وفيما يتعلق بملف الهجرة، أوضحت الجمعية أن موريتانيا، كغيرها من الدول، تعمل على تنظيم الهجرة وفق قوانينها، داعية إلى عدم تسييس الملف أو إخراج المواقف عن سياقها القانوني والدبلوماسي.
بيان غير رسمي
ورد النائب المعارض على البيان الذي أصدرته الجمعية الوطنية اليوم، موضحاً أن ما تم نشره لا يُعتبر بياناً رسمياً من البرلمان، بل هو “بيان خاص” يتعلق بفريق معين من النواب.
وأوضح النائب في تدوينة على الفيسبوك، أن البرلمان لا يصدر بيانات إلا في ثلاث حالات محددة: الأولى، بيان مشترك تتفق عليه الفرق البرلمانية حول قضايا محورية مثل المواقف من القضية الفلسطينية أو القضايا الوطنية المهمة كالتعامل مع جائحة كورونا.
الثانية، بيان أو قرار يتم مناقشته والتصويت عليه في جلسات البرلمان، حيث يتم التصويت بأغلبية الأعضاء مع إتاحة المجال للرأي المخالف.
أما الثالثة، فهي تصريح يُصدره رئيس البرلمان، الذي يُعتبر الناطق الرسمي باسم الجمعية الوطنية، ويحق لبقية النواب التعليق عليه تأييداً أو نقداً.
وأشار النائب إلى أن البيان الصادر اليوم هو “بيان رقم 1” ولا يعكس الموقف الرسمي للبرلمان، مؤكداً أن مثل هذه التصريحات يجب أن تصدر عن هيئة البرلمان المعنية أو من خلال آليات النقاش الداخلي.
وأضاف أن المواقف البرلمانية الرسمية تُعبر عنها بعد نقاشات ومداولات داخل البرلمان.
وشدد النائب على أهمية الالتزام بالإجراءات النظامية في إصدار مواقف البرلمان، معتبراً أن ما تم نشره لا يمثل البرلمان كمؤسسة، بل هو موقف فردي لا يُعبّر عن الإجماع البرلماني.