تحت أشعة الشمس الحارقة على طريق نواذيبو في العاصمة نواكشوط، يقف الشاب المالي أبوبكر، الذي وصل إلى موريتانيا عام 2022، متأملاً السيارات المارة.
بعيون متعبة، يترقب أبوبكر أن يحالفه الحظ ليجد زبونًا يحتاج إلى إصلاح شبكة المياه أو ترميم أحد أجزاء المنزل.
هكذا يمضي يومه، متنقلًا بين حرارة الشمس وكثرة الانتظار، بحثًا عن فرصة عمل تعينه على تجاوز صعوبات الحياة.
فر أبوبكر من مالي بسبب الحرب بين الجيش والجماعات المسلحة، واضطراره إلى النزوح لم يترك له الكثير من الخيارات؛ فتدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي في بلاده أجبره على اتخاذ قرار صعب بالهجرة إلى موريتانيا، فقد بدأ كعامل منزلي قبل أن ينتقل إلى أعمال السباكة والبناء وغيرها من المهن اليدوية.
على امتداد شارع نواذيبو في نواكشوط، يصطف العمال الأفارقة من دول جنوب الصحراء في انتظار فرصة عمل، في مشهد يعكس واقع الهجرة غير النظامية.
مع مرور السيارات، يلوح هؤلاء العمال بأدواتهم، ويشيرون بحركات سريعة تعكس حرفهم اليدوية؛ من البناء إلى الكهرباء والسباكة، في سباق محموم لجذب انتباه السائقين بحثًا عن عمل يومي يعينهم على مواجهة صعوبة الحياة.
وقال أبوبكر في تصريح لصحراء 24، إنه جاء إلى موريتانيا بحثًا عن فرصة عمل، واستطاع من خلال المهن اليدوية تأمين دخل مستدام يوفر له حياة كريمة.
وأضاف: “لا أنوي الهجرة إلى أوروبا؛ أفضل البقاء هنا والعمل طالما أن هناك فرصة، ولن أغادر إلا إذا قررت العودة إلى مالي”.
بأوبكر، كغيره من المهاجرين غير النظاميين، يرى في موريتانيا بلدًا يمنحه فرصة للعمل والاستقرار بعيدًا عن ويلات الحرب التي فر منها.
وجهة استقرار
أصبحت موريتانيا خلال السنوات الأخيرة نقطة استقرار للمهاجرين غير النظاميين القادمين من دول أفريقيا جنوب الصحراء، خصوصًا من مالي، الفارين من النزاعات المسلحة والأزمات الاقتصادية.
وبحسب الحكومة، فإن البلاد تستضيف أكثر من مئة وخمسين ألف مهاجر، معظمهم فروا من الحرب في شمال مالي، مما يشكل عبئًا اقتصاديًا واجتماعيًا على موريتانيا.
وتشير بيانات الأمم المتحدة، إلى أن عدد المهاجرين من دول الساحل في موريتانيا قفز من 57 ألف مهاجر عام 2019 إلى أكثر من 112 ألفا عام 2023.
في هذا السياق اعتبر الخبير في الإعلام الأمني، عبد الله اسلمو، أن موريتانيا لم تعد مجرد بلد عبور للمهاجرين، بل أصبحت وجهة مستقرة لهم، حيث تتزايد أعدادهم يوما بعد يوم، مما يشكل ضغطًا أمنيًا واقتصاديًا وسياسيًا كبيرًا على البلاد.
وقال ولد اسلمو لقناة صحراء 24، إن هناك مخاوف من تغيير ديمغرافي في العديد من المناطق، بما في ذلك العاصمة نواكشوط، حيث يتسبب تدفق المهاجرين في زيادة الضغط على السوق واستحواذهم على فرص العمل في المهن والحرف اليدوية.
أول تنبيه
ومع تزايد أعداد المهاجرين، أعربت الحكومة الموريتانية عن قلقها من تفاقم هذه الظاهرة، إذ قال الوزير الأول المختار ولد أجاي إن الوضع الحالي غير قابل للاستمرار ويستدعي اتخاذ إجراءات عاجلة.
وكلف الوزير الأول لجنة فنية بإعداد تقرير مفصل خلال خمسة عشر يومًا، يهدف إلى مراجعة القوانين واقتراح إجراءات جديدة لتعزيز الإطار القانوني لمكافحة الهجرة غير الشرعية.
وفي الوقت ذاته، يعتزم البرلمان مناقشة مشروع قانون لإنشاء محكمة متخصصة في مكافحة الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين، وتعديل بعض الأحكام القانونية المتعلقة بالمهاجرين.
ويرى ولد اسلمو أن الدعوة التي أطلقها الوزير الأول للتحذير من مخاطر الهجرة غير النظامية تمثل التنبيه الأول الجاد لحجم الخطر الذي تواجهه البلاد.
وأوضح أن موريتانيا تشهد ثلاثة أنواع من الهجرة؛ أولها الهجرة الدائرية بين موريتانيا والدول التي ترتبط معها باتفاقيات تسمح بدخول وخروج مواطنيها بحرية.
وشدد على أن هذه الفئة من المهاجرين تستقر في موريتانيا بفضل الأوضاع الجيدة للعمل والاستقرار في البلاد.
ومنذ بداية العام الجاري تكررت هذه المخاوف على لسان المسؤولين الحكوميين، مشيرين إلى أن العبء الكبير الذي تتحمله موريتانيا بسبب تدفق المهاجرين وسط أوضاع أمنية معقدة.
خطة طوارئ
ولمواجهة هذه الظاهرة، أعدت السلطات خطة طوارئ للتصدي لظاهرة الهجرة غير الشرعية، تشمل تعزيز صمود اللاجئين ودمجهم في المجتمع الموريتاني.
وتضمنت الخطة تقديم الحماية والمساعدة للفئات الأكثر ضعفًا من المهاجرين، مع مراعاة احتياجات المجتمعات المضيفة.
وبموجب هذه الخطة أعلنت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في موريتانيا في فبراير الماضي، الحصول على مبلغ 4 ملايين دولار أمريكي من الوكالة الكورية للتعاون الدولي في المغرب موجهة لدعم اللاجئين في الحوض الشرقي بموريتانيا.
وقالت ممثلة المفوضية السامية للأمم المتحدة في نواكشوط إليزابت إيستير، إن هذا التمويل سيخصص لدعم تدخلات المفوضية في الفترة ما بين 2024 و2028 لصالح 153 ألف لاجئ في ولاية الحوض الشرقي عبر مشروع “تماسك” الهادف إلى تمكين اللاجئين والسكان المضيفين وتعزيز قدراتهم على الصمود وحماية البيئة والتنمية المحلية.
وأضافت إيستير بعد توقيع الاتفاق، أن هذا الدعم سيساعد في تحقيق أهداف المفوضية الرامية إلى “دعم المشاريع التي يقودها المجتمع وبرامج ومبادرات بناء القدرات التي تعمل على تحسين الوصول إلى الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم ومياه الشرب”.