نفى الوزير السابق الطالب ولد عبدي فال، خلال مثوله أمام المحكمة الجنائية المختصة في جرائم الفساد، جميع التهم الموجهة له، وقال إن علاقته بالرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز لم تكن قائمة “لا على الخوف ولا على الطمع”، مشيرًا إلى أنه رفض العديد من المناصب السامية خلال مسيرته المهنية.
ولد عبدي فال خلال مثوله أمام المحكمة أمس الاثنين واليوم الثلاثاء، أكد أنه “مستعد للتعاون التام والجاد مع المحكمة، ومع جميع الأطراف بمن فيهم النيابة العامة والطرف المدني، من أجل الوصول إلى الحقيقة”.
وأضاف في مرافعته أمام هيئة المحكمة أن “هذه التهم خطيرة، وكما سبق وقلت، فأنا لا أعترف بهذه التهم جملة وتفصيلا، ولم أرتكبها عن قصد ولا عن غير قصد”.
وأوضح الوزير السابق أن التهم الموجهة له تتمحور حول نقطة أولى تتعلق بأشغال لخيرية (سنيم) عند الكيلومتر سبعين من طريق أكجوجت، وذلك خلال الفترة من يونيو 2010 إلى يناير 2011، وهي ستة أشهر تقريبا، ومنذ 12 سنة.
والنقطة الثانية تتعلق بإنارة شوارع نواكشوط بالطاقة الشمسية، في فبراير 2013، أي قبل عشر سنوات.
وقال الوزير السابق إن التهمة المحورية الموجهة له هي المشاركة في أفعال مرتبطة بالمتهم الأول، وهو الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، مشيرًا إلى ضرورة العودة إلى السؤال عن وجود “أسباب موضوعية” للمشاركة في مثل هذه الأفعال.
وأشار ولد عبدي فال إلى أن “المشاركة في مثل هذه الأفعال يجب أن يقوم به إما شخص خائف أو آخر طامع”، وقال: “أود التأكيد أمامه (الرئيس السابق) على أن الخوف لم يطبع علاقتي به، والطمع يجب أن يكون في منفعة معنوية أو وظائف”.
واستعرض ولد عبدي فال كيف سبق له أن رفض العديد من الوظائف السامية، وقال: “في العام 2008، بعد الانقلاب، في يوم 30 أغسطس، استدعاني رئيس الدولة آنذاك (ولد عبد العزيز) وعرض علي منصبا ساميا في الحكومة (وزير النفط والطاقة والمعادن) ولكني اعتذرت لأسباب شخصية، ولكني شكرته على ثقته، وفي يوم 31 أغسطس الموالي اتصل علي الوزير الأول المكلف بتشكيل الحكومة (مولاي ولد محمد لقظف) وطلب مني دخول الحكومة ولكني اعتذرت له أيضًا”.
وأضاف أنه قبل ذلك رفض منصب الأمين العام لرئاسة الجمهورية حين عرضه عليه الرئيس الراحل سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، كما سبق لولد الشيخ عبد الله أن اتصل عليه سنة 2007 وطلب منه دخول الحكومة، ولكنه اعتذر له، لأنه يعمل آنذاك في أكبر شركة للمعادن هو مديرها التنفيذي في غرب أفريقيا (شركة ريوتينتو).
وقال ولد عبدي فال أن سيدي ولد الشيخ عبد الله أعاد عليه الاتصال بعد شهر، وقال له إنه لن يقبل منه أي عذر وعليه أن يلتحق به في تسيير الدولة، مشيرًا إلى أنه ضحى بمساره المهني واستقال من الشركة، فتم تعيينه مديرا عاما لشركة (صوملك) مدة 11 شهرًا.
وحول إدارته للشركة، قال: “لم أقدم فيها أي شيء من الناحية الفنية، وإنما فقط أدخلت عليها تحسينات من الناحية المالية”.
وقال إنه بعد تعيينه بشهر على (صوملك) اتصل به رئيس الدولة، وأبلغه أنه ينوي تعيينه مديرا إداريا عاما لشركة (سنيم) فاعتذر له لأسباب شخصية، وفي أغسطس 2009، بعد الانتخابات الرئاسية، عرض عليه الرئيس آنذاك محمد ولد عبد العزيز أن يكون المدير الإداري العام لشركة (سنيم) في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية فوافق على ذلك.
وبرر موافقته بالقول إن (سنيم) كانت في أزمة مالية ووضعيتها خطيرة، والسوق راكدة وهي فترة ليست من أحسن الفترات، حتى أن ولد عبد العزيز عرض عليه أن يكون الرئيس التنفيذي لشركة (سنيم)، أي رئيس مجلس الإدارة والمدير الإداري العام في نفس الوقت، ولكنه رفض ذلك، مشيرًا إلى أن “من رفض أن يكون الرئيس التنفيذي لشركة سنيم لا يمكن اتهامه بالبحث عن منفعة”.
وقال مدافعًا عن نفسه إنه “حين كان المدير الإداري العام لشركة سنيم كان يمنحه القانون الحق في رئاسة مجلس إدارة الشركات التابعة للشركة، ولكنه تنازل عن ذلك للمديرين المركزيين، حتى يعززوا خبرتهم في التسيير”.
وأوضح ولد عبدي فال: “عند إحالتي لقاضي التحقيق استقلت من مهنتي كأستاذ جامعي، لأنني أحس أن هنالك تناقضًا، حين أقدم دروسا أمام الطلاب وأنا متهم في قضية فساد، وفي مارس 2021 استقلتُ من ثلاثة مجالس إدارات لشركات عالمية من ضمنها كينروس، كنت فيها كعضو مجلس إدارة مستقل”.
وخلص إلى القول: “من قام بكل ذلك لا يمكن أن يكون طامعا في الوظائف”.
وأكد ولد عبدي فال في السياق ذاته أنه “ليس لدي أي نشاط سياسي، ولم يسبق أن حضرت أي نشاط سياسي، سوى نشاط وحيد في مقاطعة السبخة لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية حضرته لتقديم حصيلة عمل الوزارة، ولم أكن على علم بأنه نشاط سياسي، ولم يسبق له أن عملت في إطار كيان سياسي، ولا التقرب من الرئيس ولا السعى للحصول على النفوذ”.
وأضاف أنه خلال إدارته لشركة (سنيم) اتصل به ممثل الشركة في نواكشوط، وأبلغه أن عمال الشركة يجب أن يحضروا نشاطا سياسيا ينظمه الحزب الحاكم، ولكنه رفض ذلك ولم يحدث له أي شيء، وقال: “لا تربطني أي علاقة اجتماعية بالرئيس تفرض علي التقرب منه، وعلاقتنا كانت علاقة عمل فقط”.
أما بخصوص المنفعة المادية، فأكد ولد عبدي فال أنه “صرح بممتلكاته طواعية، وقدمها لقاضي التحقيق”، مشيرا إلى أنه في السنوات من 1998 وحتى 2007 كان المدير التنفيذي الإقليمي لشركة عالمية في غرب أفريقيا، ويتقاضى راتبه في موريتانيا، والضريبة عليه كانت تصل إلى 950 ألف أوقية، تدخل للخزينة الموريتانية شهريًا، وبحوزته كشوفات من إدارة الضرائب.
أما في الفترة من 2008 وحتى 2009 كان المدير العام لشركة صوملك، وراتبه 650 ألف أوقية فقط، ومائة ألف للوقود، وفي 2009 وحتى 2011 كان المدير الإداري العام لشركة (سنيم) كان راتبه مليوني أوقية، وتتولى عنه الشركة السكن والمعيشة، وحين غادر (سنيم) 2011 لم يحصل على حقوقه إلا في عام 2015 بعد أن تذكروه حين كانوا يستعدون لمنح حقوق مدير جاء بعده، وفق تعبيره.
وحين كان وزيرا للبترول في الفترة من 2011 وحتى 2013 كان راتبه مليون وثمانمائة ألف أوقية، وهي سنوات قال إنه يعتبرها “كارثية” بالمقارنة مع راتبه حين كان المدير التنفيذي للشركة العالمية في غرب أفريقيا،
وقدم ولد عبدي فال تصريحا بممتلكاته إلى المحكمة، من ضمنه كشف حسابات بنكية للفترة من 1997 وحتى 2020.
وفي إطار جرد ممتلكاته قال إنه اشترى قطعة أرضية عام 1999، ولم تكن من راتبه وإنما لأنه اشترى سيارة من سيارات رالي باريس دكار بمبلغ 700 ألف أوقية، وباعها بمليون وسبعمائة ألف أوقية، والمليون اشترى به قطعة أرض وشيد فيها منزلا شهر فبراير 2002.
وفي عام 2005 شيد منزلا في مدينة الطينطان كلفه خمسة ملايين أوقية، ولديه شقة في نواذيبو اشترتها سيدة البيت وليست على اسمه، ولديه شقة أخرى في لاس بالماس اشترتها السيدة بمبلغ 230 ألف يورو، وهي على اسمها، ولكنه هو من حول لها مبلغ 260 ألف يورو لشرائها.
وقال إن بحوزته سيارتان، واحدة منهما رباعية الدفع (V8) والأخرى صغيرة (Corolla 2019)، اشتراها بخمسة ملايين، وقال: “كل الوثائق موجودة”.
وخلص ولد عبدي فال إلى أن “من هذه هي ممتلكاته، وفي الوقت ذاته شارك في الفساد، يجب أن يحكم عليه بـ(النفشة)”.
وحول مساره بعد مغادرة الحكومة، قال ولد عبدي فال إنه حين غادر الحكومة نهاية 2013 كان رصيد حسابه البنكي 950 ألف أوقية فقط، مشيرًا إلى أنه توجه إلى فرنسا رفقة صديق له استقال من الوزارة، ليؤسسا رفقة صديقين آخرين، شركة مختصة في المعادن والبترول والطاقة.
وقال إنهم في البجاية واجهوا مشكلة التمويل، وأجروا اتصالات مع ثلاثة رجال أعمال موريتانيين، ووافق واحد منهم على شراء حصة من الشركة بمبلغ 45 مليون أوقية.
وقال إن شركتهم لم تقم بأي نشاط في موريتانيا، وإنما توجهوا نحو شبه المنطقة، مشيرًا إلى أن أول نشاط حصلوا عليه كان عقدا في دولة غينيا بقيمة 121 مليون دولار، كان بالتعاون مع شركة أمريكية، وبمشاركة الهيئة الاستثمارية الأمريكية والبريطانية، وقال إن “هذا المشروع هو الذي حصل منه على أموال”.
وفي ختام مرافعته، قال ولد عبدي فال إنه استدعي في ملف يتعلق بأشغال قامت بها خيرية (سنيم)، عبارة عن خزان ماء ومسبح شيدته في منتجع يقال إنه تابع للرئاسة، مشيرًا إلى أن الأمر آنذاك قدم لهم على أنها وحدة من الحرس الرئاسي تحتاج هذه الأشغال، ولم يكلف سوى ثمانين مليون أوقية.
وقال إنه “ليس من المناسب أن يستدعى في قضية تشييد خزان مياه ومسبح (امبلكه)، وهو الشاهد على توقيع اتفاقية بقيمة مليار و75 مليون دولار أمريكي”.
وأوضح أنه حينها كان يدير شركة سنيم التي تمر بظروف استثنائية جدا وصعبة، وعمل على تطوير مشروع كلب 2، الذي كلف الدولة الموريتانية مليار و75 مليون دولار في ظروف خاصة جدا، ووقع على الكثير من الاتفاقيات والتمويلات.