بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على النبي العربي الكريم وعلى الآلوالصحب
مازالت الموريتانية للطيران تعاني أزمة غير مسبوقة إذ توقفت جميع طائراتها خلا واحدة، مما أرغمها على إلغاء أو تأخير الكثير من رحلاتها واستئجار طائرتين أجنبيتين مع طواقمهما لتغطية العجز لالشيء عدا سوء برمجة عمليات صيانة روتينية. ورغم نشر الشركة بيانا للعموم بتاريخ السابع والعشرين من الشهر المنصرم تشرح فيه تبريراتها، وهي واهية لكل ذي علم بالقطاع، وعدت الشركة بعودة الأمور لطبيعتها يوم الثلاثاء التاسع والعشرين، إلى يوم كتابة هذهالسطور، 8 أبريل، لا تزال الأزمة في أوجها مما يؤكد مرة أخرى الضعف التنظيمي للشركة والتي لم تصدر بعد بيانها الأول و الوحيد أي توضيح أو اعتذار لزبنائها.
مواصلة لمقاليّ السابقين و التي نسبت في أولهما أهم عوامل فشل الناقل الجوي الوطني ألا وهي التصور المبهم للقطاع لدى صناع القرار بسبب غياب نظم وأهداف واضحة يختار لها مسيرون ذووخبرة، و محاطون بمتخصصين قادرين على إرشادهم. و سأشرح في هذا المقال عوامل فشل أخرى هي نتيجة حتمية للعامل السابق.
تتسم كيفية تحديد الموريتانية للطيران لخطوطها الجوية، وعلى أحسن حال بالضبابية، فلا أهدافا واقعية يتعين الوصول إليها ولا نظرة طويلة الأمد تطبعها، ولا تدرس جدوائيتها الاقتصادية بطريقة علمية مسبقة، فجل الخطوط هي إرث وجدوا أسلاف الشركة عليه ويطبق دون إعادة تقييم وذلك حتى يتضح بما لا يقبل مجالا للشك إخفاقه التجاري، في ُتعلم منه بعد فوات الأوان.
وكمؤشر على جدوائية الخطوط الجوية، سأنتقي المؤشر المتدني لدى الشركة لنسب تعبئة الطائرات، نسب تكابد الشركات الجوية أن تكون في أوجها، ولو اقتضى ذلك تخفيضا موسميا لأسعار التذاكر، إن برره إزدياد المداخيل المالية، فالأصل أن المقعد الخالي هو خسارة بعينه.
إليكم مثالا عن ذلك: خط نواكشوط – الدار البيضاء من أقل الخطوط ركابا فلو قورن بنسبة تعبئة الملكية المغربية على الخط نفسه لوجدنا الأخير شبه مكتظ طيلة السنة، ومن أسباب ذلك انتظام الملكية المغربية و تفوق خدماتها، لكن السبب الرئيس هو أن الكثير من الركاب ليسوا متوجهين أصلا إلى الدار البيضاء و توفر لهم الملكيةالمغربية استمرارية رحلاتهم إلى وجهاتهم النهائية، بعد توقف في مطار الدار البيضاء. أما الموريتانية للطيران فعاجزة عن ذلك، إذ ليسلديها تحالفات مع شركات جوية ناقلة من مطار الدار البيضاء عبرترتيب “الرمز الموحد” “CODESHARE”، الذي يسمح للموريتانية للطيران ببيع تذكرة القطرية للطيران، على سبيل المثال، لتقله الموريتانية للطيران إلى الدار البيضاء ومنها إلى الدوحة على متن القطرية، ولكن ما من شركة نقل جوية، تتمتع بقدراتها العقلية،ستسمح بإركاب مسافريها على متن شركتنا الوطنية بسبب الفرق الشاسع بين خدمتي الشركتين المقدمتين.
أضيفوا لذلك عدم وجود وسيلة متابعة أو آلية مراقبة انتظام الرحلات، مما يضعف ثقة المسافرين وعزوف الكثير منهم عن استغلال الشركة الوطنية واختيار أخريات أكثر انتظاما رغم تعلق الموريتانيين ووفائهم لشركتهم الوطنية، وكمثل على دقة المواقيت مثل الشركات الأجنبية التي نكاد نجزم بمواقيت مغادرتها ووصولها مطار نواكشوط.
نتيجة انتقاء وتكوين الطواقم التجارية الجوية، يتفشى امتعاضالمسافرين من قلة نظافة الطائرات ورداءة المعاملة وسوء الخطاب، لضعف المستويين اللغوي والتربوي، و في ذلك ضررا بصورة الشركة والبلاد من ورائها هذا إذا اعتبرنا أن الناقل الجوي الوطني أحد ممثلي البلاد، يمثل قدراتها التنظيمية، و سيادتها على قطاع استراتيجي. فكم من مرة، سمعت أحد الركاب معبرا عن حنقه تجاه الشركة، بسبب رداءة الوجبات المقدمة، أو تأجيل رحلته، أو تأخر أمتعته وحتى ضياعها. لم تكن خدمات الشركة لتصل إلى هذا الدرك من التدهور إلا بسبب غياب مراقبة حكومية على أداء الموريتانية للطيران تضمن وتصون مصالح المسافرين..
تمتلك الموريتانية للطيران كل أسطولها من الطائرات شأن نادر بين نظيراتها لكلفته المالية الرادعة، أما عملية انتقاء الطائرات واستملاكها فذاك موضوع يطول الحديث عنه و له أفردت مقالا سأوافيكم به لاحقا، و سأكتفي بالقول في هذا المقام إن استئجار الطائرات حسب احتياجات الشركة الحقيقية من نوع خطوط جوية وقدرة استيعابية أجدى بكثير وأقل كلفة، لما يتيح للشركات الجوية من مرونة اقتصادية حسب الطلب، بدل ركن الطائرات في مطار نواكشوط تستمر تحت شموسه الوهاجة وتتصدّأ في لياليه الرطبة. مما سبب في تقصير الأعمار العملياتية للطائرات و زيادة كلفة صيانتها. فهاكم مجالا بشأنه لا يمكن الاحتجاج بضعف موارد الدولة المالية، كما درج على ألسنة البعض كحق أريد به باطل، فقد صرفت مئات الملايين من الدولارات لشراء الطائرات لا غير.
إن ملكية الشركة لكل طائراتها معناه أن جزءًا عظيما من نفقاتها قد غطي فعلا، إضافة إلى توفر طواقم تقنية و تجارية وطنية لم تكوِّن الشركة معظمهم و بأدنى أجور المنطقة يزيح عن كاهل الشركة عبئا ماليا لا يقل أهمية، و إن لم يكف كل ذلك فالشركة لا تدفع، كباقي الشركات المنافسة، مستحقات الوكالة الوطنية للطيران المدني (ANAC) ولا مستحقات شركة مطارات موريتانيا (SAM), وقد جف حبر الأخيرتين مطالبة لمستحقاتهما دونما جدوى، لكون الموريتانية للطيران حظيت وتحظى بدنو سمع صانع القرار، وإن لم يكف كل سالف الذكر!! فالشركة لا تدفع للدولة ولا تطالب الأخيرة بالضرائبالمستحقة على بيع التذاكر. إن فشل شركة جوية لها كل الامتيازات المذكورة أعلاه يتطلب قدرا عظيما من اللا مهنية والسفاهة.
يتواصل…
حفظكم الله