موقف الشرع من تولي المرأة وظيفة القضاء / بقلم الدكتور الشيخ ولد الزين ولد الإما
تعريف القضاء
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَتَبِعَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ: حَقِيقَةُ الْقَضَاءِ الْإِخْبَارُ عَنْ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ عَلَى سَبِيلِ الْإِلْزَامِ .
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْقَضَاءُ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ، تُوجِبُ لِمَوْصُوفِهَا نُفُوذَ حُكْمِهِ الشَّرْعِيِّ وَلَوْ بِتَعْدِيلٍ أَوْ تَجْرِيحٍ لَا فِي عُمُومِ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ فَيَخْرُجُ التَّحْكِيمُ وَوِلَايَةُ الشُّرْطَةِ وَأَخَوَاتُهَا وَالْإِمَامَةُ. وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ هُوَ الْفَصْلُ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ وَاضِحٌ قُصُورُهُ، انْتَهَى
قَالَ الْقَرَافِيُّ الْقَاضِي مِنْ حَيْثُ هُوَ قَاضٍ إنَّمَا لَهُ إلْزَامُ الْحُكْمِ، أَمَّا نُفُوذُهُ فَلَا؛ لِتَعَذُّرِ ذَلِكَ عَلَيْهِ كَالْحُكْمِ عَلَى الْمُلُوكِ وَالْجَبَابِرَةِ فَإِلْزَامُ الْحُكْمِ مَوْجُودٌ وَالْقُدْرَةُ عَلَى التَّنْفِيذِ لَا وُجُودَ لَهَا فِي حَقِّ الْعَاجِزِ اهـ.
قال ميارة في تحفة الأحكام
مُنَفِّذٌ بِالشَّرْعِ لِلْأَحْكَامِ … لَهُ نِيَابَةٌ عَنْ الْإِمَامِ
وَاسْتُحْسِنَتْ فِي حَقِّهِ الْجَزَالَةُ … وَشَرْطُهُ التَّكْلِيفُ وَالْعَدَالَةُ
وَأَنْ يَكُونَ ذَكَرًا حُرًّا سَلِمْ … مِنْ فَقْدِ رُؤْيَةٍ وَسَمْعٍ وَكَلِمْ
وَيُسْتَحَبُّ الْعِلْمُ فِيهِ وَالْوَرَعْ … مَعَ كَوْنِهِ الْحَدِيثَ لِلْفِقْهِ جَمَعْ
حكم القضاء:
القضاء من فروض الكفايات ، لأن أمر الناس لا يستقيم بدونه ، فكان واجباً عليهم،وفيه فضل عظيم لمن قوي على القيام به ، وأداء الحق فيه ، وفيه خطر عظيم ووزر كبير لمن لم يؤد الحق فيه ، ولذلك كان السلف رحمهم الله يمتنعون عنه أشد الامتناع ويخشون على نفسهم خطره. [24]
والأصل في القضاء ومشروعيته : الكتاب والسنة بالإجماع .
أما الكتاب فيقول الله تعالى : {يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق}[25] ، وقوله تعالى : {وأن احكم بينهم بما أنزل الله}[26] ،
وقوله تعالى : {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ، وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل}[27]، وغيرها من الآيات الكريمات ,
وأما السنة فقوله صلى الله عليه وسلم : إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران ، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر [28].
وأجمع المسلمون على مشروعية نصب القضاء والحكم بين الناس .
وقد اشترط الفقهاء رحمهم الله تعالى عدة شروط يجب توفرها فيمن يتولى القضاء قال خليل في مختصره خليل
أهل القضاء: عدل ذكر فطن مجتهد إن وجد وإلا فأمثل مقلد وزيد للإمام الأعظم: قرشي،. (ص: 218)
قَالَ الْقَرَافِيُّ إنْ لَمْ يُوجَدْ الْعَدْلُ وُلِّيَ أَمْثَلُ الْمَوْجُودِينَ قَالَ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ لِلتُّونِسِيِّ قَالَ مَالِكٌ وَلَا أَرَى خِصَالَ الْقَضَاءِ تَجْتَمِعُ الْيَوْمَ فِي أَحَدٍ فَإِنْ اجْتَمَعَتْ مِنْهَا خَصْلَتَانِ الْعِلْمُ وَالْوَرَعُ وُلِّيَ .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ عِلْمٌ وَكَانَ مَعَهُ عَقْلٌ وَوَرَعٌ فَذَلِكَ يَكْفِي؛ لِأَنَّهُ بِالْعَقْلِ يَسْأَلُ وَبِهِ خِصَالُ الْخَيْرِ كُلُّهَا وَبِالْوَرَعِ يَقِفُ فَإِنْ طَلَبَ الْعِلْمَ وَجَدَهُ وَإِنْ طَلَبَ الْعَقْلَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ لَمْ يَجِدْهُ انْتَهَى وَنَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ
وَأَرْكَانُهُ سِتَّةٌ عَلَى مَا نَظَّمَهُ ابْنُ الْغَرْسِ بِقَوْلِهِ:
أَطْرَافُ كُلِّ قَضِيَّةٍ حُكْمِيَّةٍ سِتٌّ يَلُوحُ بِعَدِّهَا التَّحْقِيقُ حُكْمُ
وَمَحْكُومٌ بِهِ وَلَهُ وَمَحْكُومٌ عَلَيْهِ وَحَاكِمٌ
وقال ميارة في التحفة :
تَمْيِيزُ حَالِ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى … عَلَيْهِ جُمْلَةَ الْقَضَاءِ جَمَعَا
فَالْمُدَّعِي مَنْ قَوْلُهُ مُجَرَّدٌ … مِنْ أَصْلٍ أَوْ عُرْفٍ بِصِدْقٍ يَشْهَدُ
وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ قَدْ عَضَّدَا … مَقَالَهُ عُرْفٌ أَوْ أَصْلٌ شَهِدَا
وقد فرقت مجلة الأحكام العدلية في المذهب الحنفي بين نوعين من القضاء .
الْمَادَّةُ (1786) الْحُكْمُ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ قَطْعِ الْقَاضِي الْمُخَاصِمَةَ وَحَسْمِهِ إيَّاهَا وَهُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ:
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: هُوَ إلْزَامُ الْقَاضِي الْمَحْكُومَ بِهِ عَلَى الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِكَلَامٍ كَقَوْلِهِ حَكَمْت أَوْ أَعْطِ الشَّيْءَ الَّذِي ادَّعَى بِهِ عَلَيْكوَيُقَالُ لَهُ قَضَاءُ الْإِلْزَامِ وَقَضَاءُ الِاسْتِحْقَاقِ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: هُوَ مَنْعُ الْقَاضِي الْمُدَّعِي عَنْ الْمُنَازَعَةِ بِكَلَامٍ كَقَوْلِهِ لَيْسَ لَك حَقٌّ أَوْ أَنْتَ مَمْنُوعٌ عَنْ الْمُنَازَعَةِ وَيُقَالُ لِهَذَا قَضَاءُ التَّرْكِ.
وليس المقام مقام الاستفاضة في شروط القاضي ، وإنما البحث يتناول أحد هذه الشروط المختلف فيها بينهم ، ألا وهو شرط الذكورية .
لقد اختلفت المذاهب في حكم تولي المرأة للقضاء على ثلاثة أقوال:
القول الأول: وهو لجمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة . قالوا : لا يجوز أن تتولى المرأة منصب القضاء . [32]
قال الماوردي في كتابه الأحكام السلطانية :
الشرط الأول أن يكون رجلا وأما المرأة فلنقص النساء عن رتب الولايات وإن تعلق بقولهن أحكام وقال أبو حنيفة يجوز أن تقضي المرأة فيما تصح فيه شهادتها ولا يجوز أن تقضي فيما لا تصح فيه شهادتها . وشذ ابن جرير الطبري فجوز قضاءها في جميع الأحكام ولا اعتبار بقول يرده الإجماع .اه
واستدلوا :
بقوله تعالى : {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض}[33]. قالوا : أي في العقل والرأي ، فلم يجز أن يقمن على الرجال. [34]
– وبقوله صلى الله عليه وسلم : لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة . [35]
قالوا : فكما أنها لا تصلح للإمامة العظمى ، ولا لتولية البلدان ، فهي كذلك لا تصلح لتولي القضاء ، ولهذا لم يول النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد
قولة تعالى {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً }النساء58.
وجه الاستدلال : أن الله أمر بأداء الأمانات ومن أعظم الأمانات أمانة القضاء ثم إن اللفظ عام فيشمل المرأة والرجل على حد سواء.
– استشارة النبي صلى الله عليه وسلم لأم سلمة في عمرة الحديبية عندما رفض أصحابة التحلل فأشارت عليه أن يفعل التحلل أمامهم ويذبح الهدي ففعل عليه الصلاة والسلام واستجاب الصحابة له .(3)
ووجه الاستلال : أن أم سلمة أظهرت حكمتها واستجاب لها
النبي صلى الله عليه وسلم فدل على وجود الحكمة عند النساء فلا يمنع من توليها للقضاء .
– خروج عائشة رضي الله عنها قائدة للجيش في معركة الجمل .
وجه الاستشهاد: أن عائشة رضي الله عنها تولت قيادة الجيش ولو كان تولي المرأة للمناصب القيادية غير جائز لما تولت عائشة رضي الله عنها قيادة الجيش ومن تلك المناصب منصب القضاء.(1)
– أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولى امرأة اسمها الشفاء محتسبة في السوق فلو كان تولي المرأة للمناصب الكبرى محرماً لما فعل عمر ذلك .(2)
– مشاركة الصحابيات في الجهاد أيام النبي صلى الله عليه وسلم فدل ذلك على تحمل المرأة للمشاق وقدرتها على ذلك .
– قياس القضاء على الإفتاء: فبما أن المرأة يجوز لها الإفتاء كذلك يجوز لها القضاء إذ لا فرق بينها فكل من الأمرين فيه بيان لحكم الله.
– الاستدلال بما حصل لشجرة الدر وأنها تولت الولاية العامة ثلاثة أشهر ولم يرد استنكار العلماء لها في ذلك الزمان .
خلاصة البحث
من خلال تتبع الأدلة التي اتكأ عليها كل فريق يتبين إنها كلها ظنية لا تصل إلي مرتبة القطع والذي ينسجم مع المقاصد العامة للشريعة هو الإباحة المطلقة كما قال ابن حزم الظاهري وكما قرب منه مذهب أبي حنيفة وكما ذهب إليه ابن القاسم من المالكية ولا حاجة لنا بالاستدراك عليه كما حاول ذلك الحطاب وذلك لان مساحة العفو أوسع ولا ينبغي التشريع في منطقة العفو كما قال الشاطبي في موافقاته .
ذلك لأنه من استقرا النصوص العامة للشريعة يجدها في المجمل تعطي المرأة نفس الحقوق التي للرجل ولا يخرم تلك القاعدة وجود نصوص جزئية في سياق الشهادة
كقوله تعالي وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2)
وقوله تعالي {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282) } [البقرة: 282]
و الذي يظهر أنها هذه حالات عرضية تم التنصيص عليها ضمانا للحقوق وصونا للدماء لا أنها تأكيد علي عدم كفاية المرأة وعدم صلاحيتها لوظيفة القضاء .
والله أعلم
الدكتور الشيخ ولد الزين ولد الإمام
تعريف القضاء
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَتَبِعَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ: حَقِيقَةُ الْقَضَاءِ الْإِخْبَارُ عَنْ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ عَلَى سَبِيلِ الْإِلْزَامِ .
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْقَضَاءُ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ، تُوجِبُ لِمَوْصُوفِهَا نُفُوذَ حُكْمِهِ الشَّرْعِيِّ وَلَوْ بِتَعْدِيلٍ أَوْ تَجْرِيحٍ لَا فِي عُمُومِ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ فَيَخْرُجُ التَّحْكِيمُ وَوِلَايَةُ الشُّرْطَةِ وَأَخَوَاتُهَا وَالْإِمَامَةُ. وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ هُوَ الْفَصْلُ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ وَاضِحٌ قُصُورُهُ، انْتَهَى
قَالَ الْقَرَافِيُّ الْقَاضِي مِنْ حَيْثُ هُوَ قَاضٍ إنَّمَا لَهُ إلْزَامُ الْحُكْمِ، أَمَّا نُفُوذُهُ فَلَا؛ لِتَعَذُّرِ ذَلِكَ عَلَيْهِ كَالْحُكْمِ عَلَى الْمُلُوكِ وَالْجَبَابِرَةِ فَإِلْزَامُ الْحُكْمِ مَوْجُودٌ وَالْقُدْرَةُ عَلَى التَّنْفِيذِ لَا وُجُودَ لَهَا فِي حَقِّ الْعَاجِزِ اهـ.
قال ميارة في تحفة الأحكام
مُنَفِّذٌ بِالشَّرْعِ لِلْأَحْكَامِ … لَهُ نِيَابَةٌ عَنْ الْإِمَامِ
وَاسْتُحْسِنَتْ فِي حَقِّهِ الْجَزَالَةُ … وَشَرْطُهُ التَّكْلِيفُ وَالْعَدَالَةُ
وَأَنْ يَكُونَ ذَكَرًا حُرًّا سَلِمْ … مِنْ فَقْدِ رُؤْيَةٍ وَسَمْعٍ وَكَلِمْ
وَيُسْتَحَبُّ الْعِلْمُ فِيهِ وَالْوَرَعْ … مَعَ كَوْنِهِ الْحَدِيثَ لِلْفِقْهِ جَمَعْ
حكم القضاء:
القضاء من فروض الكفايات ، لأن أمر الناس لا يستقيم بدونه ، فكان واجباً عليهم،وفيه فضل عظيم لمن قوي على القيام به ، وأداء الحق فيه ، وفيه خطر عظيم ووزر كبير لمن لم يؤد الحق فيه ، ولذلك كان السلف رحمهم الله يمتنعون عنه أشد الامتناع ويخشون على نفسهم خطره. [24]
والأصل في القضاء ومشروعيته : الكتاب والسنة بالإجماع .
أما الكتاب فيقول الله تعالى : {يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق}[25] ، وقوله تعالى : {وأن احكم بينهم بما أنزل الله}[26] ،
وقوله تعالى : {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ، وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل}[27]، وغيرها من الآيات الكريمات ,
وأما السنة فقوله صلى الله عليه وسلم : إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران ، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر [28].
وأجمع المسلمون على مشروعية نصب القضاء والحكم بين الناس .
وقد اشترط الفقهاء رحمهم الله تعالى عدة شروط يجب توفرها فيمن يتولى القضاء قال خليل في مختصره خليل
أهل القضاء: عدل ذكر فطن مجتهد إن وجد وإلا فأمثل مقلد وزيد للإمام الأعظم: قرشي،. (ص: 218)
قَالَ الْقَرَافِيُّ إنْ لَمْ يُوجَدْ الْعَدْلُ وُلِّيَ أَمْثَلُ الْمَوْجُودِينَ قَالَ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ لِلتُّونِسِيِّ قَالَ مَالِكٌ وَلَا أَرَى خِصَالَ الْقَضَاءِ تَجْتَمِعُ الْيَوْمَ فِي أَحَدٍ فَإِنْ اجْتَمَعَتْ مِنْهَا خَصْلَتَانِ الْعِلْمُ وَالْوَرَعُ وُلِّيَ .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ عِلْمٌ وَكَانَ مَعَهُ عَقْلٌ وَوَرَعٌ فَذَلِكَ يَكْفِي؛ لِأَنَّهُ بِالْعَقْلِ يَسْأَلُ وَبِهِ خِصَالُ الْخَيْرِ كُلُّهَا وَبِالْوَرَعِ يَقِفُ فَإِنْ طَلَبَ الْعِلْمَ وَجَدَهُ وَإِنْ طَلَبَ الْعَقْلَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ لَمْ يَجِدْهُ انْتَهَى وَنَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ
وَأَرْكَانُهُ سِتَّةٌ عَلَى مَا نَظَّمَهُ ابْنُ الْغَرْسِ بِقَوْلِهِ:
أَطْرَافُ كُلِّ قَضِيَّةٍ حُكْمِيَّةٍ سِتٌّ يَلُوحُ بِعَدِّهَا التَّحْقِيقُ حُكْمُ
وَمَحْكُومٌ بِهِ وَلَهُ وَمَحْكُومٌ عَلَيْهِ وَحَاكِمٌ
وقال ميارة في التحفة :
تَمْيِيزُ حَالِ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى … عَلَيْهِ جُمْلَةَ الْقَضَاءِ جَمَعَا
فَالْمُدَّعِي مَنْ قَوْلُهُ مُجَرَّدٌ … مِنْ أَصْلٍ أَوْ عُرْفٍ بِصِدْقٍ يَشْهَدُ
وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ قَدْ عَضَّدَا … مَقَالَهُ عُرْفٌ أَوْ أَصْلٌ شَهِدَا
وقد فرقت مجلة الأحكام العدلية في المذهب الحنفي بين نوعين من القضاء .
الْمَادَّةُ (1786) الْحُكْمُ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ قَطْعِ الْقَاضِي الْمُخَاصِمَةَ وَحَسْمِهِ إيَّاهَا وَهُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ:
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: هُوَ إلْزَامُ الْقَاضِي الْمَحْكُومَ بِهِ عَلَى الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِكَلَامٍ كَقَوْلِهِ حَكَمْت أَوْ أَعْطِ الشَّيْءَ الَّذِي ادَّعَى بِهِ عَلَيْكوَيُقَالُ لَهُ قَضَاءُ الْإِلْزَامِ وَقَضَاءُ الِاسْتِحْقَاقِ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: هُوَ مَنْعُ الْقَاضِي الْمُدَّعِي عَنْ الْمُنَازَعَةِ بِكَلَامٍ كَقَوْلِهِ لَيْسَ لَك حَقٌّ أَوْ أَنْتَ مَمْنُوعٌ عَنْ الْمُنَازَعَةِ وَيُقَالُ لِهَذَا قَضَاءُ التَّرْكِ.
وليس المقام مقام الاستفاضة في شروط القاضي ، وإنما البحث يتناول أحد هذه الشروط المختلف فيها بينهم ، ألا وهو شرط الذكورية .
لقد اختلفت المذاهب في حكم تولي المرأة للقضاء على ثلاثة أقوال:
القول الأول: وهو لجمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة . قالوا : لا يجوز أن تتولى المرأة منصب القضاء . [32]
قال الماوردي في كتابه الأحكام السلطانية :
الشرط الأول أن يكون رجلا وأما المرأة فلنقص النساء عن رتب الولايات وإن تعلق بقولهن أحكام وقال أبو حنيفة يجوز أن تقضي المرأة فيما تصح فيه شهادتها ولا يجوز أن تقضي فيما لا تصح فيه شهادتها . وشذ ابن جرير الطبري فجوز قضاءها في جميع الأحكام ولا اعتبار بقول يرده الإجماع .اه
واستدلوا :
بقوله تعالى : {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض}[33]. قالوا : أي في العقل والرأي ، فلم يجز أن يقمن على الرجال. [34]
– وبقوله صلى الله عليه وسلم : لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة . [35]
قالوا : فكما أنها لا تصلح للإمامة العظمى ، ولا لتولية البلدان ، فهي كذلك لا تصلح لتولي القضاء ، ولهذا لم يول النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد
قولة تعالى {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً }النساء58.
وجه الاستدلال : أن الله أمر بأداء الأمانات ومن أعظم الأمانات أمانة القضاء ثم إن اللفظ عام فيشمل المرأة والرجل على حد سواء.
– استشارة النبي صلى الله عليه وسلم لأم سلمة في عمرة الحديبية عندما رفض أصحابة التحلل فأشارت عليه أن يفعل التحلل أمامهم ويذبح الهدي ففعل عليه الصلاة والسلام واستجاب الصحابة له .(3)
ووجه الاستلال : أن أم سلمة أظهرت حكمتها واستجاب لها
النبي صلى الله عليه وسلم فدل على وجود الحكمة عند النساء فلا يمنع من توليها للقضاء .
– خروج عائشة رضي الله عنها قائدة للجيش في معركة الجمل .
وجه الاستشهاد: أن عائشة رضي الله عنها تولت قيادة الجيش ولو كان تولي المرأة للمناصب القيادية غير جائز لما تولت عائشة رضي الله عنها قيادة الجيش ومن تلك المناصب منصب القضاء.(1)
– أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولى امرأة اسمها الشفاء محتسبة في السوق فلو كان تولي المرأة للمناصب الكبرى محرماً لما فعل عمر ذلك .(2)
– مشاركة الصحابيات في الجهاد أيام النبي صلى الله عليه وسلم فدل ذلك على تحمل المرأة للمشاق وقدرتها على ذلك .
– قياس القضاء على الإفتاء: فبما أن المرأة يجوز لها الإفتاء كذلك يجوز لها القضاء إذ لا فرق بينها فكل من الأمرين فيه بيان لحكم الله.
– الاستدلال بما حصل لشجرة الدر وأنها تولت الولاية العامة ثلاثة أشهر ولم يرد استنكار العلماء لها في ذلك الزمان .
خلاصة البحث
من خلال تتبع الأدلة التي اتكأ عليها كل فريق يتبين إنها كلها ظنية لا تصل إلي مرتبة القطع والذي ينسجم مع المقاصد العامة للشريعة هو الإباحة المطلقة كما قال ابن حزم الظاهري وكما قرب منه مذهب أبي حنيفة وكما ذهب إليه ابن القاسم من المالكية ولا حاجة لنا بالاستدراك عليه كما حاول ذلك الحطاب وذلك لان مساحة العفو أوسع ولا ينبغي التشريع في منطقة العفو كما قال الشاطبي في موافقاته .
ذلك لأنه من استقرا النصوص العامة للشريعة يجدها في المجمل تعطي المرأة نفس الحقوق التي للرجل ولا يخرم تلك القاعدة وجود نصوص جزئية في سياق الشهادة
كقوله تعالي وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2)
وقوله تعالي {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282) } [البقرة: 282]
و الذي يظهر أنها هذه حالات عرضية تم التنصيص عليها ضمانا للحقوق وصونا للدماء لا أنها تأكيد علي عدم كفاية المرأة وعدم صلاحيتها لوظيفة القضاء .
والله أعلم
الدكتور الشيخ ولد الزين ولد الإمام