تعيش الساحة السياسية الموريتانية هذه الأيام موجة شد وجذب بين الأغلبية من جهة ومنسقية المعارضة من جهة أخرى، وبين هذا وذاك تنفجر بعض الإشكاليات والقضايا الخطيرة والتي قد تجعل الحراك السياسي يتخذ منحى مقلقا .
محمد ولد مولود السياسي المعروف ورئيس” حزب قوى التقدم” حاورته “الأخبار”عما أصبح يعرف بأزمة التعريب وعن مفهوم المعارضة للحوار مع الحكومة، وما هو موقف حزبه مما يتفاعل فى الساحة السياسية من قضية “البيعة للقذافى” وعن اتهام رئيس الحزب الحاكم للمعارضة بإفشاء إسرار الدولة.
اتهمكم رئيس الحزب الحاكم بإفشاء أسرار الدولة في موضوع 50 مليون دولار ما هو ردكم ؟
لم أكن أظن أن السؤال عن هذه الأموال يشكل إحراجا للحكومة ، لكن من المستغرب أن ياتى الرد من جهة غير رسمية، فنواب المعارضة هم من أثار هذا الموضوع متسائلين عن اختفاء 50 مليون دولار أهدتها دولة صديقة لدعم تطوير قدراتنا الأمنية، ولم يظهر هذا المبلغ لا فى ميزانية 2008 ولا 2009 ولا في مشروع ميزانية ،2010 ومن المعروف أن كل الأموال العمومية لا يمكن صرفها إلا طبقا لقانون المال العام ، وتحت رقابة البرلمانين وهذا من اختصاصهم،
ومما يثير الشك هو استخدام رئيس الحزب الحاكم لكلمة” إفشاء أسرار الدولة” وكأن السؤال عن المال العام هو قضية سر، مع العلم أنها تخضع لمداولة البرلمان ولرقابته ،وبالطبع ليس هذا المبلغ هو وحده الذي يصرف في الشؤؤن العسكرية ، فالميزانية تخصص أهم من ذالك بكثير للأمور العسكرية، ولم يعتبره اى احد إفشاء للسر، وهذ الإحراج فيه سر يجعل المعارضة تتساءل أكثر عن مصير تلك الأموال
ما موقف حزبكم مما أصبح يسمى “بيعة القذافى” ؟
نحن بالطبع قمنا بإدانة هذا التصرف، في مكتبنا الوطني الأخير الذي يشير إلى زعزعة كبيرة تحصل الآن في الولاء للوطن، وتجعل البلد مفتوحا أمام التدخلات الأجنبية ، وهذا يدل على غياب مصداقية السلطة القائمة، فلا يكمن لدولة أن تقبل أن يكون هناك ولاء من مواطنيها لقوى خارجية مهما كانت صديقة ، وهى تعبر أيضا عن بوادر خيبة لبعض الأطراف من المشروع الوطني، ودخولها تحت راية أطراف قد تقترب منها فكريا وايدولوجيا ، وتجد فيه مأمنا لمشروعها الخاص، وبالتالي نعتبر أن مثل هذه المقاربات يجب أن تدان حتى لا تتلاشى البلاد، فموريتانيا موقعها مفصلي بين عالمين افريقى وعربي، وهى أيضا محاطة بدول جوار لها مشاكلها ، ونحن نعانى دائما من مشكل الولاء لهذ البلد من طرف سكان لهم علاقاتهم بمختلف دول الجوار، فمن الخطير أن يجيز سياسيون محترمون ومعروفون الولاء للخارج علنا دون مبرر، غدا إذا أعلنت فئة ولاءها للسنغال مثلا فكيف سيكون الرد عليها ،
لكن البعض يعتقد أن موقفكم الداعم للبوليساريو يقترب من موقف مبايعي القذافى ؟
لا أبدا فهناك اختلاف بين الأمرين، أن تكون لك علاقة بحزب سياسي، أو أن تتضامن مع قضية ليس كأن تعلن الولاء للغير، اى أن تجعل القرار فيما يعنى تصرفك داخل بلدك بيد اجنبى.
ما هو موقفكم بالضبط من قضية التعريب على اعتبار أن حزبكم يضم قيادات زنجية معروفة ؟
نحن أصدرنا بيانا أعربنا فيه عن موقفنا من كلام الوزير الاول وردة الفعل والظروف التي أحاطت بالوحدة الوطنية،
فالمسالة بسيطة ومعقدة، فخطأ الحكومة قد يكون ناجما عن عدم معرفتها بدقائق الأمور فهي أهملت موضوع الهوية، ولم توجد صيغة مقبولة لدى الجميع إلا الصيغة الواردة في الدستور وهى أن موريتانيا عربية إسلامية افريقية ،
فلا نعرف هل اعتبرت هذه الجملة لامعنى لها؟
أما ردود فعل الطلاب الزنوج فهي قد تكون فعلا يعكس عدم اطمئنانهم على مستقبلهم الوظيفي نظرا إلى تكوينهم الفرنسي، والحديث عن التعريب يجعلهم يظنون أن الآفاق ستسد أمامهم ، لكن أظن أن هناك بعض التحريض من بعض الفئات الزنجية حرصا منها على إثارة موضوع الأعراق في موريتانيا ،
وفى الواقع إصلاح 1999 خلق آفاقا مسدودة للمكونيين باللغة العربية لان خدماتهم أصبحت غير ضرورية ، غير أن العربية هي اللغة الرسمية للبلد فهذا الإصلاح شكل جناية كبرى على النظام التربوي الموريتاني، وفاقم المشكلة أكثر.
فالحكومة ارادت كسر الحاجز بين الشعبتين لكنها زادت الطين بلة ، ولذلك ما هو مصير هذه الأجيال؟ فنحن أمام واقع خطير ،جماعتان كل منهما تشكو التهميش وانسداد الآفاق الوظيفية لكل منهما، فالطلاب العرب يظنون أن غياب التعريب سببه مساومة الزنوج ،
والزنوج يعتبرون التعريب المسؤؤل الأول عن وضعيتهم،
لكن المسوؤل الأول هو النظام فكان ينبغي التغلب على الحاجز دون التراجع عن مكسب وطني قائم على اللغات الوطنية التي بدأت تدخل في النظام التربوي،
فنحن أمام واقع خطير هو هشاشة الدولة وعدم مصداقية السلطة القائمة ، وفى هذا الوسط القابل للانفجار هناك لاعبون بالنار من الطرفين .
دأب حزبكم على موقف وسط في معارضة الأنظمة بيد أنكم الآن في أقصى اليسار بالنسبة للمعارضة ؟
موقفنا ليس الوسطية المبتذلة أو الوسطية من اجل الوسطية، نحن نحدد المواقف مما نعتبره مصلحة وطنية، وفى العقدين الماضيين كان موقفنا يقتضى ضرورة التفاهم الوطنى بين كل الأطراف للمحافظة على الاستقرار والسلم المدنيين، وهما شرطا الديمقراطية والتنمية،
ونحن في نفس الموقف ونطالب بتطبيق اتفاق دكار أو على الأقل في آخر بنوده ، من اجل المحافظة على الاستقرار والوحدة والوطنية ونرفض التنكر لها من هذا الباب .
انتم في المعارضة تطالبون بالحوار دائما، هل المقصود به هو الإشراك في الحكم أم مجرد إسداء النصح إلى الحكومة في تسيير الشأن العام؟
المقصود بالحوار في مفهومنا ومضامينه مدون فى اتفاق داكار، الذي حدد المراحل التي من بينها العودة إلى النظام الدستوري، وتنظيم انتخابات رئاسية للخروج من الأزمة، وما بعد الاستحقاقات لتوطيد المصالحة والاستقرار، وتحديد العلاقة التي ينبغي أن تكون بين السلطة والمعارضة، والإجراءات الكفيلة دون حصول انقلابات جديدة ومكانة الجيش في النظام الديمقراطي ثم تحديد مقاربة توافقية للحكم الرشيد ومحاربة الفساد.
وأضافت الوثيقة “وكل المواضيع التي من شانها تعزيز الوحدة الوطنية والمصالحة” فنحن نطالب بتطبيقه وهم يرفضون تطبيق اتفاق دكار وكل بنوده مع أن دأبهم التنكر لكلما يلتزمون به.
والهدف من الاتفاقية هو إخراج البلاد من الوضعية التي كانت تعيشها ،فنحن واعون بما قمنا به وما ضحينا من اجله ،لكن هذا الهدف لن يتحقق إلا باحترام الأطراف لبنوده ،وتنكر السلطة القائمة لمثل هذه المواضيع هو إعادة الوضع إلى المربع الأول.