كنت كتبت ،في حلقة سابقة، ان الهجوم على ثكنة النعمة وتصاعد وتيرة الاحتجاج امام رئاسة الجمهورية ، يستوجب من قوى المناصرة الماسكة بزمام الأمور الانخراط في مسلك عملي يتجاوز الاستغلال السياسي، الى الديناميكية الكفاحية التي يسمو بها ألمها إلى مرتبة التضحية، إذ لم يعد سب المعارضة وتخوين الأطر المقتدرين يكفي لصد الرياح التي تذرو الرصاص. وكنت – بطبيعة الحال- استنقص على المساندين الاكتفاء بلعب دور الخنجر المنغرس في شاكلة الطموح لغد أيسر من يومنا الموبوء بعلل السير في ظلال المنعة واستجداء ريع الجمركة الأخلاقية على أرصفة التاريخ . كنت ، وأنا أمارس هذا العتب ، استنهض همم أخوتنا كي يستلهموا من قيم الإيثار والترفع ما هو لازم لامتلاك حد مقبول من الجدوائية…حد يكفل الوصول الى يوم فيه يغاث الناس وفيه يعصرون . إذ، لن تتمكن موريتانيا أبدا – والظرف هذه – من التمتع بمستقبل مستقر ما لم تنبذ المسارات المتداولة : مسارات الإسراف في عبادة الحكام ثم التخلي عنهم في أول منعرج ضعف . ان أنماط التدبير لا تفتأ في تحسن مضطرد لدى جوارنا ، الذي أبدعت نخبه في السعي من اجل استكمال مقومات الحياة ، ونحن لا نزال متمسكين بالمنهج ذاته ، بالثقافة ذاتها، بالعبادة ذاتها …. وبالتأليه ذاته …. لا تزال كبرى كتائبنا السياسية تجلد ذاتها، معتبرة أن ما أنجزه جيل الآباء مجرد تيه ، والتيه كما قلت سابقا هو صيغة ملطفة للضياع المفضي الى الخواء. لا نزال مؤمنين بقدسية العصمة الرئاسية ، لذا ننظر الى الرئيس كمخلص من الضجر : تحت الرب قليلا وفوق البشر … نصف نبي كان مقدمه موعد مع التاريخ، تماما مثل الإمام المنتظر. وتعد عبارة “الموعد مع التاريخ” تعبيرا هلاميا ذا أبعاد تزلفية، ابتدعه غوستانتين هيجياس Costantin huygens احد أهم الفاعلين في البلاط الانجليزي أيام الاستارت Stuart ،وقد سعى من ورائه الى الحفاظ على حظوة عند وليام دورانج Guillaume III،المنقلب على الملك جاك الثاني Jacques II ، لكن مسعاه قوبل بالسجن . تلك كانت إحدى الثمار المرة للتنكر، وكذلك تكون عقبى المتنكرين . فماذا يربح الإنسان إذا خسر ذاته؟ لست ادري؟ على كل حال، نحن لا نقبل بسجن متنكرينا، فهم صوتنا المبحوح ولا نملك غيرهم ، وليس من الحكمة ان نذلهم ، لكن الأسلم أن نبحث عن سر ابتلينا بهم ؟ كما قال اخريتشوف. واخريتشوف الذي هو زعيم متدبر، اندهش لما زار مقر ال KGB ولاحظ عرضا مركزا لصور الكثير من أفراد النخب المزيفة. ولما استفسر عن الأمر أجابه المسؤول : سيدي الرفيق أنهم متابعون لغرابة جرمهم. فبادره اخريتشوف بالسؤال : لكن هل يوجد جرم اغرب من دعم نظامنا؟ فقال المسؤول : نعم سيدي، فهؤلاء من كثرة ما تملقوا للأنظمة وفي إطار سأمهم من المديح، صارت تنتابهم أهواء غريبة : فهم حين يتناولون الفودكا يسكرون و يسبون الرئيس لذا تعين عقابهم . فما كان من اخريتشوف إلا أن بادره : ما أسعدهم ….لا تؤذوهم ، نحن لا نمتلك غيرهم غير أن هذا لا ينطبق علينا ، فتلك شجاعة لا نحظى بها : نحن قوم لا نسب الا الضعيف، ولا نشتم الا المعارضة ولا نقذف إلا أطرنا الأكفاء ولا نخوف الرئيس إلا ممن هم مؤمنون بضرورة التشغيل الشامل لكافة عناصر المجتمع لهذا،عندما أصيب الرئيس مارست مناصرتنا طقوسا تكفيرية عن كل التنبآت السابقة، عن كل لفظ سابق ..عن كل التعابير الهلامية من خلال الصمت وعدم الاكتراث بالرصاصة والرئيس لكنه من غير المستبعد، اليوم وفي ضل أي تغير عودة أغلبية الكرسي لما كانت عليه – مع الرئيس عزيز او غيره – … الى تحوير فكرة الدولة وترميم نظام النهب وتعطيل المطالبة بالإصلاح وأخيرا عبادة الحاكم، ثم سبه بعد أن يرحل او يضعف. إنها حقا عدة سيئة للنهوض بالأمم ، فما أتعسنا. يتواصل…….. في المشاركة المقبلة ربما نعرف ما إذا كنا عبرنا من تحت الحمل أم لا؟ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ إداري- خبير استشاري [email protected]