غمـر رعــاف أقلام أساطين المقالة أودية بلاد المنارة والرباط، تمحيصا وبحثا مكثفا عن حل للغز رصاصة “اطويلة!!!” التي تعرض لها رئيس الدولة السيد/ محمد ولد عبد العزيز مساء السبت: 13أ كتوبر الماضي، نقل على إثرها إلى المستشفى العسكري بالعاصمة انواكشوط، ومن ثم إلى ” مستشفى برسي” بفرنسا لتكملة العلاج، شفاه الله وأعاده إلى وطنه وأهله سالما معافى.ً
أقول إن هذا الحادث (الجلل) قد تسبب في إحداث صدمة كبرى في نفوس المواطنين شرقا وغربا ،شمالا وجنوبا، خوفا على سلامة الرئيس، ورعبا من زعزعة واستقرار أمن البلد، ذلك أنه سابقة خطيرة لم تعرفها البلاد من قبل، ولأنه أيضا قد وقع في ظرف دولي ومحلي بالغ الحساسية، الأمر الذي جعل صرير أقلام كبار كتاب المقالة الرصينة على صفحات مواقعنا الألكترونية يطرد طيف الكرى عن جفون قرائها الكرام،عل وعسى أحد الكتاب المخضرمين يفك طلاسم ذلك( الحادث اللغز!) ولكن هيهات هيهات!، إلا أن الملاحظة الجديرة بالاهتمام هي أن أولئك الكتاب النبهاء قد وقع حافر أقلام بعضهم علـــى حافـــر أقلام البعـــض الآخر في انتقاد الطريقة االمرتبكة التــــي أدارت بهــــا الحكومة دفة (الحادث الجلل)،بينماالحكومة على الضفة الأخرى من المشهد ظلت مستميتة في الدفاع عن سياسة “تقطير” المعلومات المشوشة التي اتخذتها لتزويد المواطنين بطبيعة الإصابة ومكانها في خارطة جسم رئيس الدولة، حيث كانت الدقة والأناة والمصداقية المهنية في خصام صارخ مع معلومات حكومتنا الموقرة فيما يتعلق بالحادث، وكــــأن حادث ( اطويلة) لايعدو كونه مشاجرة عاديــة بين ( لصوص) علـــى ناصية شـــارع ( نقطة ساخنة) بيد أن ذلك حين يقع وتتلون ثياب المتشاجرين أوأحدهما باللون الأحمر القاني، لامحالة ستستدعى جهات الأمن المسؤولة للتحقيق في الحادث وملابساته بوصفه حادثا جنائيا!!، بغض النظر عن تنازل أحد الأطراف عن حقه، فمابالكم بإطلاق النار على قامة سامقة تحمل معنى وثقل الجمهورية الاسلامية الموريتانية، هي شخص رئيس الدولة!!!.
وفـــــي اللحظة التي كانت فيها آذان المواطنين صاغية تترقب سماع خبر يميط اللثام عن حقيقة الحادث قيل لنا ان الإصابة بسيطة وناتجة عـــــن طلق نــــاري( صديق!) تبين فيما بعد أن الإصابة خطيرة وأن هذا “الصديق” ينتمي لأسرة مؤسستنا العسكرية المبجلة، وقد تم العفو عنه على الفور،وكأن شيئا لم يكــــــن.ومـــــن أجل إضفاء مزيد من المصداقية على ذلك الخبر” الصادم” أيضا تــم استــــدعــــداء (بطل القصة) عبر وسائل إعلامنا الرسمية ليصف للمشاهدين كيف رمى رئيس الجمهورية، وما الأسباب والظروف التي دفعته إلى ذلك – ولأن”الرامي” غ أحد أغصان شجرة مؤسستنا العسكرية الظليلة وقد بُرأت ساحته، يحرن قلمنا عن شحذ نصل سهام الدعاء المعروف في هذه الحالات….!.
ولعل الخطأ الإجرائي الذي وقعت فيه الحكومة في هذا الصدد، والذي تسبب في صعوبة إقناع الرأي العام بصحة الرواية الآنفة الذكر،هوكون الحكومة لم تقم بالإجراءات التحقيقية اللازمة في مثل هذا النوع من الحوادث الخطيرة ، على الأقل لتكون تبرئة الضابط المسؤول من تبعات الحادث منطقية ومتناغمة مع سياسة “تقطير” المعلومات التي انتهجتها وزارة إعلامنا الموقرة عبر أنابيب وسائل إعلامنا الرسمية، إضافة إلى أننا لم نسمع أو نقرأ عن إقالة أي مسؤول أمني في فضاء وزارتي الداخلية والدفاع، أواستقالة آخر، كالذي يقع في دول العالم من حوادث أقل شئنا من “حادث اطويلة” بكثير، وتلكم لعمري سابقة تاريخية خطيرة عصية على الفهم، ولانظير لها في تاريخنا المعاصر!.
ثم بعد وصول رئيس الجمهورية إلى المشفى العسكري الفرنسي في “برسي” دخلنا مرحلة أخرى من الشائعات تعذر تمييزخيطها الأبيض من خيطها الأسود،أظهرت الحكومة في خضمها عدم قدرتها كذلك على استعادة مصداقيتها لدى أغلب ساكنة البلد، نتيجة لعجزها عن تزويد المواطنين بحقيقة مبسطة عن ماهية صحة رئيس الدولة، إلى أن تدخل السيد/ رئيس الجمعية الوطنية مسعود ولد بلخير فجأة لإنقاذ الموقف،عبر ظهوره على الشاشة الصغيرة في مؤتمر صحفي عقده لغرض طمأنة المواطنين على صحة فخامة الرئيس السيد/ محمد ولد عبد العزيز، حيث ذكر انه قد أجرى معه شخصيا مكالمة هاتفية تأكد من خلالها أنه حي يرزق ويتمتع بقواه العقلية،- حسب تعبيره، ثم هاتفه بعد ذلك الرئيس الدوري لمكتب ائتلاف أحزاب الأغلبية د/ عثمان ولد أحمد أبي المعالي ليؤكد هو الآخر على انه هاتف رئيس الجمهورية، وطمأنه على تحسن صحته، وحمله السلام لأحزاب الأغلبية،وانه سوف يعود في القريب العاجل.
وفي ضوء ذلك لابد من طرح التساؤلات التالية.. هل لوكانت حكومتنا الموقرة تصرفت بشكل آخر أكثر هدوءا وجرأة، وأعلى سقف شفافية وأعمق عقلانية، كان ذلك سيجنبنا الغرق بين مد وجزر أمواج ذلك الكم الهائل من الشائعات والشائعات المضادة التي أوقعت البلد وساكنته في حيص بيص؟،وهل كنا سنحتاج إلى البحث عن مصادر للمعلومات آخرى نستقي منها طبيعة صحة رئيس الجمهورية،كي تطمئن ساكنة البلد,وتغلق الحكومة الطريق أمام المعارضة للمطالبة بالإعلان عن”الشغور” ؟ولماذا كبار الضباط في الجيش لم يتدخلوا لحسم هذا الأمر وتوضيحه أمام الرأي العام طالما حكومتنا المدنية غير قادرة على فعل ذلك،بوصف المؤسسة العسكرية ظلت هي الركيزة والأوتاد والحبال المتينة التي تشد الخيمة الموريتانية وتثبتها أمام عتوعواصف صحرائنا المغبرة ؟.
لا إخوتي الأكارم ماهكذا تورد الإبل،ولاهكذا تؤكل الكتف كما يقول المثل العربي الشهير،فموريتانيا للجميع وفوق الجميع وقبل الجميع،ورئيسها كذلك للجميع ومن الجميع ويتمنى له الجميع السلامة والعافية والعود المحمود, بوصفه يحمل معنوية العلم الوطني الذي يستظل تحت ظلال دوحته الجميع،إذ لا يمكن لأحد مهما كان سوء طويته، وانسلاخه من الأخلاق الاسلامية الحميدة،إلا أن يتمنى لرئيس الدولة السيد/ محمد ولدعبدالعزيز الصحة والعافية والعود المحمود إلى وطنه وأهله سالما معافى،بغض عن تبخيس المعارضة وسخطها على أدائه، وغلو الموالات في الولاء وتضخيم الإنجازات،ولذلك ينبغي لنا كمواطنين،وفاعلين سياسيين أن نتعامل مع مخلفات هذا الحادث الجلل بكثير من الوطنية والحكمة والروية والخلق الرفيع النافر من رمي الآخرين بسهام التخوين وقلة الوطنية !،حتى يعود رئيس الدولة إلى وطنه وأهله سالما معافى،كما أسلفنا،ورغبة في تعدي سفينة وطننا في نفس الوقت لخطر أمواج هذا البحر الهائج من الشائعات والشائعات المعولمة المضادة التي يبدو أن رابعة شمس نهارها قد أو شكت على الكسوف جراء ظهور رئيس الجمهورية أثناء كتابة هذه السطورمع الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في مؤتمر صحفي قصيربرهن على صحة كلام السادة رئيس الجمعية الوطنية، مسعود ولد بلخير،والرئيس الدوري لمكتب ائتلاف أحزاب الأغلبية د/ عثمان ولد أحمد أبي المعالي.
وبالمناسبة أليس ظهور رئيس الجمهورية مع الرئيس الفرنسي وهوبصحة جيدة،ثم ظهوره على شاشة قناة افرانس 24ببدلته الأنيقة ونبرته القوية المعهودة، وتزامن ذلك مع قرب انعقاد مهرجان المعارضة الكبير المزمع انعاده اليوم الأربعاء،أقول ألايعتبر ذلك خدعة كبيرة أعدها الحزب الحاكم بمؤازرة من الرتب العليا في الجيش، من خلال إغلاقه المحكم لحنفية المعلومات المتعلقة بطبيعة صحة رئيس الدولة انتظارا لهذه اللحظة الحاسمة، كي يجهز على المعارضة وورقتها الثمينة المطالبة بضرورة الإعلان عن شغور منصب رئيس الجمهورية؟؟.