أعلنت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وتقنيات الاتصال، فتح الباب مطلع شهر يوليو الماضي، أمام استقبال ملفات المترشحين لرئاسة «جامعة نواكشوط العصرية»، بعد اعتماد مسار لاختيار هذا الرئيس، وبعد شهرين من بداية هذا المسار انحسر التنافس بين 11 أستاذاً جامعياً، يوصفون بأنهم «النخبة» التي سيختار من ضمنها الرئيس المقبل لأكبر وأهم مؤسسة تعليمية في البلاد.
بدأ السباق نحو رئاسة الجامعة، عندما أصدرت وزارة التعليم العالي «دعوة للترشح لمنصب رئيس جامعة نواكشوط العصرية»، موقعة من طرف الأمين العام للوزارة سيد مولود إبراهيم حمدات، وبالتعاون مع وزارة الثقافة والصناعة التقليدية والعلاقة مع البرلمان.
وتضمنت الدعوة شرحاً لشروط الترشح وكانت ثلاثة شروط بارزة، بالإضافة إلى مكونات ملف الترشح وكانت ثمانية وثائق ضرورية، كما حددت الدعوة المميزات التي يجب أن يتمتع بها الرئيس المقبل للجامعة، وقالت إنه يجب أن «يبرهن على امتلاكه للرؤية والقدرات القيادية الضرورية لتنسيق سير عمل هذه الجامعة، ورفع التحديات البنيوية التي تواجهها».
فُتح الباب أمام استقبال الترشحات يوم الثالث من يوليو الماضي، واختتم يوم 24 من نفس الشهر، فيما كان المسار المتفق عليه يتضمن «تصفية أولى» لملفات المترشحين حسب معايير محددة، وهي التصفية التي تجاوزها 11 أستاذاً مبرزاً، هم وحدهم الذين كانوا مؤهلين «حسب المعايير» لرئاسة الجامعة.
في غضون ذلك تستعد اللجنة المشرفة على مسار اختيار رئيس الجامعة، خلال الأيام المقبلة، لإجراء «تصفية ثانية وأخيرة» على ملفات الـ 11 أستاذاً لتختار من بينهم 6 فقط، هم من سيتم تسليم أسمائهم «دون أي ترتيب» إلى رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني ليختار من بينهم رئيساً للجامعة.
وتنص الترتيبات على ضرورة أن تسلم لرئيس الجمهورية أسماء 6 أساتذة مبرزين، يكونون «نخبة» المترشحين لمنصب رئيس الجامعة، وأن لا تكون هذه الأسماء الستة مرتبة وفق أي نوع من التراتبية، ويتمتع رئيس الجمهورية بصلاحية اختيار رئيس من بينها، وفق معايير هو من يحددها.
مقابلات !
لاستكمال المسار أعلنت اللجنة المكلفة بتقييم المترشحين لرئاسة جامعة نواكشوط العصرية، القائمة النهائية للمؤهلين إلى مرحلة «المقابلة الشخصية» مع أعضاء اللجنة، وهي المرحلة الأخيرة قبل فرز 6 أسماء نهائية.
وبحسب الإعلان الصادر عن اللجنة فإن الأسماء التي ستتم مقابلتها هي: إدريسا عبد الله محمدو، حمادي جغدان حمودي، سيدي محمد محمد الأمين سيدي بي، عبد القادر محمود غانيي، محمد الأمين محمد محمود نافع، مولاي إبراهيم محمد الأمين، سيدي محمد فال محمد عبد الله، الشيخ سعد بوه كامرا، الشيخ حمود، إسماعيل الصادق، النان المامي.
وقالت اللجنة إن المقابلات ستجري أيام الثاني والثالث والرابع من شهر سبتمبر المقبل، وسيحصل كل مترشح على ساعة واحدة لعرض مشروعه التنموي للجامعة والدفاع عنه وإقناع اللجنة به، وستمنحه اللجنة نقاطاً على المشروع وطريقة عرضه.
مخاوف الأساتذة
لقد سبق وأن خضعت مسطرة اختيار رئيس لجامعة نواكشوط لتعديلات عام 2016، تضمنت ما سُمي آنذاك «توسيع دائرة المؤهلين» لرئاسة الجامعة، بدل أن تكون حكراً على «زمرة قليلة»، على حد تعبير وزير التعليم العالي سيدي ولد سالم في تصريح صحفي.
فيما يتحدث بعض أساتذة جامعة نواكشوط العصرية عن «ثغرات» تشوب المسار، ويشير هؤلاء إلى أن الثغرة الأولى تتمثل في إسناد مهمة تنفيذ مسار اختيار رئيس الجامعة إلى «لجنة على مستوى الوزارة»، تتبع مباشرة للوزير، وهو ما يثير شكوكاً حول إمكانية التأثير على عمل اللجنة.
واعتبرت مصادر في الجامعة أنه بدل إسناد المهمة للجنة من الوزارة، كان من الأفضل إسنادها إلى «لجنة محايدة» من الأساتذة المبرزين المتقاعدين، تتولى تقييم وفرز الملفات وفق معايير أكاديمية ومهنية تساوي الجميع.
وأضافت هذه المصادر أن مجموعة من الأساتذة المبرزين تقاعدوا العام الماضي، وكان من الممكن أن تسند إليهم المهمة، مع الاستعانة بأساتذة أجانب على أن لا يكون عددهم كبير.
تنقيط مُبهم !
لقد اعتمدت اللجنة المشرفة على مسار اختيار رئيس لجامعة نواكشوط العصرية، نظام تنقيط على مائة نقطة، لفرز ملفات 11 أستاذاً الباقين في المسار، وهو ما سيمكنها من اختيار 6 منهم، سيتم رفع أسمائهم إلى رئاسة الجمهورية.
ولكن نظام التنقيط المذكور أثار الجدل في الوسط الجامعي، إذ تشير بعض المصادر الجامعية إلى أن اللجنة التي تتبع مباشرة للوزارة احتفظت لنفسها بمنح 50 نقطة من المائة نقطة، وهذه الخمسين موزعة على أمور «غامضة» وأخرى «مبهمة»، أو تمنح مقابل أشياء «قابلة للتأويل».
وتوزع هذه النقاط الخمسين على النحو التالي: 20 نقطة تمنح للمشروع التنموي المقترح، و25 نقطة للصالح الدفاع عن المشروع، و4 نقاط لصالح القدرة بالاتصال باللغة الثانية.
كما تمنح اللجنة 5 نقاط لأي مترشح سبق أن شغل منصباً وزارياً، وذلك ما أثار استغراب بعض الأساتذة الذين تساءل أحدهم عن مدى أهمية تقلد منصب وزير بالنسبة لمنصب رئيس الجامعة، وكيف يمنحه ذلك امتيازاً على بقية منافسيه.
ويشير منتقدو هذا المسار إلى أن النقاط الممنوحة للمشروع التنموي والدفاع عنه «مهمة ولكن يجب أن لا تزيد على عشرين نقطة فقط»، لأنها في النهاية تبقى «نقاطاً فيها نوع من الضبابية، وقابلة للتأويل»، على حد تعبير مصدر جامعي.
وبحسب هذه المصادر فإن خمسين في المائة من النقاط أصبحت في قبضة اللجنة، على حساب المسار العلمي والأكاديمي والبحث العلمي والقدرات التي يتمتع بها المرشح، وحذر أساتذة من محاولة وزارة التعليم العالي «التأثير» على مسار اختيار رئيس الجامعة.
الجانب التنموي
لقد تضمنت الدعوة الصادرة عن وزارة التعليم العالي شرحاً للمهام والقدرات التي يجب أن يتمتع بها الرئيس المقبل لجامعة نواكشوط، فتقول الوثيقة إنه يجب أن يكون «على دراية جيدة بالإشكاليات الراهنة للتعليم العالي وتوجاته المستقبلية».
ولكن الوثيقة أبرزت الجانب التموي، حين ألزمت الرئيس المقبل بأن «يبرهن على قدرته على تصور وتطوير ومتابعة وتقاسم مشاريع إستراتيجية مبدعة في مجال التعليم العالي والبحث العلمي».
وهنا يبرز الجدل الدائر حول الدور التنموي للجامعة كمؤسسة «تنموية واجتماعية»، من خلال عملها على تكوين الأطر وفق استراتيجية تأخذ بعين الاعتبار متطلبات البلد وسوق العمل، هذا بالإضافة إلى تمويل وتطوير البحث العلمي خدمة لأولويات العمل التنموي.
ويعتقد العديد من المهتمين بالشأن في الجامعة، أن رئيس الجامعة المقبل يجب أن يكون مؤهلاً لتعزيز الدور التنموي للجامعة، ويمتلك خبرة علمية وفنية للقيام بذلك، مع الإلمام بالقطاعات التنموية وسبل تطويرها.