دعوني أبكي فما أكثر الضاحكين في مواقف البكاء. عبد الله القصيمي وطني.. فوق الجميع! مهما يمر مذاق اللقمة فيه، و يشح الماء في أرجائه، و تغيب الشمس عنه، فإنه يبقى الأحلى و الأروى، و الأقدس! مهما يقسو عليه الأبناء، و تتجاهل فيه أنات المرضى، و يترنح تحت وطأة الجوع، و يغرق في متاهات الجهل و الخرافة، يبقى الأرفع عمادا، و الأعز، و الأشم! مهما تتكاثر فيه الطفيليات بانشطارية متسارعة، و يستنسر البغاث بأرضه، و ترتهن الحقيقة فيه بمحبس الشهوة و الطمع، يبقى الأنبل، و الأطهر! مهما تخشبت مشاعرنا تجاهه، و تجمدت مدامعنا في مآقينا بخلا و ضنا، و تقاصرنا عن منحه الفرح، يبقى الأغلى! تهون مصالح الناس في وطني: مأكلهم، مشربهم، نقلهم، صحتهم، تعليمهم، و حتى دماؤهم..!! تقتل قوات “أمننا” أبناءنا، ثم يقال لنا في استهتار: لقد ألقوا بأنفسهم للتهلكة!! و عندما نضج بارتباك مستنكرين ما وقع، لا نحسن أن نتلفع بالسواد أسبوعا، و ننسى بسرعة المأساة، و نعود لممارسة أسوء عاداتنا في “تحريف” الأمور عن مسارها الصحيح! العالم يشاهدنا.. و يرى كيف نسترخص دماء أبنائنا، و كيف أن سلطتنا لا يرف لها جفن، و هي تقتل و تحرق و تهتك، و تروع، و تقمع، و تنهمك في جمع الأموال لطغمة حاكمة من العسكر و السماسرة. الجوار يشعر بحماقات سلطتنا التي تنتهك برعونة حمقاء حوزة أراضيه، و تدخلاتها السافرة في شؤونها، و تدابيرها الجشعة لجمع المال من مواطنيهم الموجودين عندنا.. يشعرون بذلك، و يدفعهم للجنون!! البارحة كانت خمسة أسطر هي قيمة الشهداء الإثني عشر لدى وزارة خارجيتنا ! و اليوم أمام الضغوط و سبق أحزاب و جماعات و أفراد للتعبير عن إدانتهم للمجزرة، و مطالبتهم بالتحقيق فيها، أخرجت الحكومة بيانا لا يختلف عن البيانات التي سمعناها، ببرودة تقشعر منها الأبدان لا تساوي الحمية فيها معشارا من حمية بيانات الحزب الحاكم عندما يتهجم على المعارضين. لا تكفي البيانات!! لا يكفي الشجب و التنديد!! لا بد من البكاء بحرقة على هؤلاء الشهداء، و أول من ينبغي أن يبكيهم هي الحكومة.. إذا كان هناك نية لديها في تغيير مواقفها تجاه الوطن و المواطنين، و لا أحسب ذلك. سلمت يا وطني.. تظل تدفع ثمن التسامح، من دماء أبنائك التي لا يراها الآخرون غالية إلا بقدر ما نراها نحن. رحم الله الشهداء. سيد ولد محمد الامين 10 سبتمبر 2012