
يحطمون التماثيل والخمور.. ويتباهون بأن سجونهم خاوية.. ويتعهدون بتطبيق شرع الله
تومبكتو ـ عثمان آغ محمد عثمان
لا شيء يكسر هدوء مدينة تومبكتو المالية بعد أسبوعين من سيطرة حركة أنصار الدين ذات التوجه الاسلامي غير هدير محركات سيارات رباعية الدفع، التى تجوب الطرقات والأزقة.
يعتمر رجال ملتحون عمامات فوق رؤوسهم ويرتدون ثيابا تنتهي عند منتصف الساق وهم يمارسون دروسا في الوعظ والإرشاد لحمل النساء في تومبكتو على ارتداء ملابس أكثر احتشاما، وبينما تلزم معظم النسوة بيوتهن يخرج شباب وأطفال مشدوهين إلى مشاهد لم يألفوها من قبل..
تتحرك سرية من سرايا أنصار الدين؛ الذين يسيطرون على غالبية أحياء المدينة، لتطبيق أوامر صارمة ؛ يقول قائد ميداني لصحراء ميديا .
يسعى الحكام الجدد لمدينة تيمبكتو التاريخية إلى إقامة نظام عادل وفق تصورهم .
“نحن جئنا لنطهر هذه الأرض ونطبق حكم الله في خلقه، لا تأخذنا في ذلك لومة لائم؛ يضيف أحد المقاتلين وهو يشرئب بعنقه في سماء ملبدة بالغبار
تحافظ البيوت التقليدية على شكلها المعماري القديم، فالمدينة استسلمت للفاتحين دون أن تشهد معارك عسكرية ما يفسر عدم وجود آثار الدمار التي تعقب مثل هذا النوع من المعارك في الغالب.
سيطر أنصار الدين؛ الحركة الإسلامية السلفية، ومقاتلوا حركة تحرير ازواد على كل مفاصل المدينة دون قتال، فقد ترك الجنود الماليون ثكناتهم وأسلحتهم وولوا الأدبار بعدما فقدت الحكومة المركزية سيطرتها على مالي التى تزيد مساحتها على مليون و300 كلم مربع.
تخضع مدن الشمال المالي خصوصا غاوه وتيمبكتو لسيطرة حركات إسلامية ومقاتلين طوارق، ومنذ استيلائهم على تلك المدن بدؤوا في تسيير دوريات لتطهير المدينة مما يصفونه بالرجس والدنس، “ولتطبيق شرع الله في أرضه” .
تصادف إحدى الدوريات تلامذة متصوفين يبحثون عن شيخهم.. أصيب الناس بحالة من الذهول لأنهم اكتشفوا فجأة أن كل شيء تغير من حولهم، فاختار البعض تسليم أنفسهم واللوذ بالمتغلبين القادمين.
يدخل قائد ميداني من عرب مالي في نقاش مع تلامذة الشيخ المفقود، وبلغة فرنسية واضحة يقنعهم انه لا أحد يوجد في سجون الإمارة، “لقد أطلقنا سراح الجميع ولم يعتقل أحد”.. يصر التلامذة على أن شيخهم ربما يفضل الاعتكاف في ذلك المكان رغم انه ليس في الأسر ويصر القيادي في حركة أنصار الدين أن الشيخ هو وحده من يرفض الخروج ، “ورغم أننا نختلف معه ومع كثيرين فيما يذهبون إليه فإننا لا نعتقلهم”؛ يضيف القيادي في أنصار الدين.
يقوم عناصر من الحركة بالنزول إلى الأماكن العامة والاستئذان في الدخول إلى البيوت.. إنهم يوزعون الماء والحبوب والأغذية على سكان المدينة الفقراء عبر شاحنات كبيرة تتوقف بالقرب من الناس وتزودهم بالمواد الغذائية.
الموظفون على قلتهم وقلة ما يقبضون من رواتب لم يعودوا يحصلون على رواتبهم منذ أن تعطلت “ميكانيزمات” الدولة المركزية وهجرها معظم الموظفين؛ يعلق مدرس مالي .
يعض السكان اختاروا أماكن خارج المدينة وأقاموا في قرى تبعد عشرات الكيلومترات من “تيمبكتو”، وبعضهم؛ سيما الأفارقة السود، عادوا إلى العاصمة باماكو
تعمل حركة انصار الدين بالتعاون مع الطوارق المنضوين تحت لواء حركة تحرير ازواد على تسيير شؤون المناطق التي وقعت تحت سيطرتهم، وذلك في ظل ضغوط يتعرض لها مقاتلو حركة تحرير ازواد واتهامات لهم بالتعاون مع ما يسمى الإرهاب.. لا يكترث الاأزواديون لما يشاع، ويحاولون التنسيق مع مسلحي الحركات الإسلامية في الوقت الراهن.. إنه تحالف فرضته المعطيات الميدانية؛ يعلق أحد المراقبين.
نمر رفقة كتيبة مسلحة بالمستشفى المركزي في المدينة فتبدو الأمور عادية .. الناس يتلقون العلاجات، والأدوية متوفرة، وما حصل من أعمال تخريب إنما نفذته مليشيات عربية قبل أن تلوذ بالفرار؛ يقول لنا القائد المرافق.
نتوجه بعد ذلك إلى أحد الأسواق حيث يبدأ المقاتلون في تكسير تماثيل منحوتة من الطين والخشب، وعلى وقع التكبير يعلنون تحطيم الأصنام “تمهيدا لدخول الإسلام”.
ومع غياب شمس النهار تدخل المدينة في ظلمة معتمة، لكن ذلك لا يمنع “سرايا المجاهدين” من القيام بحملات دهم وتمشيط لما تسميها بأوكار الخمور والرذيلة، فيستعين المقاتلون بأضواء مصابيح السيارات والدرجات الهوائية وبعض المصابيح اليدوية التى تعمل بالبطاريات في انارة الطريق الذي يفتشون فيه، وداخل البيوت والاسواق المشتبه بها.
هذه سوق عتيقة في تيمبكتو يبدو ان المقاتلين يعثرون على كميات معتبرة من الخمور، تعبؤ الخمور في قنينات “الكوكولا” لكن ذلك لا يساعد على التمويه، “لقد قمنا بحمد الله بتطهير هذه السوق من الخمور ودمرنا عشرات الأكياس”؛ يعلق قائد ميداني لمجموعة من المقاتلين الذين يكبرون على وقع قعقعة تكسير أكياس من الزجاجات وسط دهشة سكان لم يألفوا مشهدا كهذا لقد اصبحت المدينة المالية جزءا من امارة جديدة يراد لها ان تبني على أنقاض دولة مالي التي لم يعد لها سلطان علي تلك الفيافي الواسعة.