في إحدى أهم نشاطاته الثقافية لهذا الموسم 2012 ،احتضن المركز الثقافي المغربي بنواكشوط أمسية فكرية وأدبية بالتنسيق مع نادي القصة الموريتاني تناولت واقع الرواية الموريتانية والإشكالات الكبرى التي تطرحها في ظل الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي في الساحة الموريتانية ،وذلك من خلال تجارب ثلاث كتاب روائيين مبدعين هم محمد الأمين ولد احظانا وتربة منت عمار والشيخ ولد احمدو.
وقد شكلت هذه المناسبة فرصة للدكتور محمد القادري مدير المركز الثقافي المغربي بنواكشوط للتذكير بأهمية هذا النوع من النشاطات في إثراء الساحة الثقافية مذكرا في نفس الوقت التزام المركز الثقافي بان يكون صرحا ثقافيا ومنبرا تنويريا في موريتانيا مثمنا في نفس الوقت الثقة التي يمنحها له نخبة الكتاب والباحثين الموريتانيين ،
الكاتب الروائي محمد الأمين ولد احظانا استهل تقديم شهادته الروائية بالتذكير بما يعتري شهادة المبدع حول إنتاجه الأدبي من نواقص ،نظرا لان ذلك الدور من اختصاص الناقد الذي يسلط مرآته النقدية على نصوص المبدع ليخرج من كل ذلك بشهادات تقييمية للعمل المنتج،إلا أن خصوصية اللحظة والحاح أعضاء نادي القصة جعلني أغامر بهذه التجربة ،وقال ولد احظانا في هذا الاطار”هذه المداخلة ربما تكون غريبة بعض الشيء لان حديث الكاتب عن تجربته الروائية ليست بالامر السهل،وليست بالشيئ المألوف …لأنه يصعب على الكاتب ان يقنع المتلقي بانه يقدم عمله بموضوعية وحياد،وهذا يخلق ضربا من التوتر الخفي في العلاقة بين الاثنين وبالتالي يكون الكاتب معلقا بين افتتانه بإبداعه وشغفه بان يشرك المتلقي بهذا الافتتان …ومن المفروض ان يتولى هذه العملية الكتاب والنقاد المعنيون بهذا الحديث….”
واسترسل الكاتب في الحديث عن تجربته مع القص والحكي من خلال لحظة اكتشاف اول نص سردي وهو في مرحلة مبكرة من العمر ثم مرحلة التجربة الكتابية الاولى بمحاولات قصصيبة تضمنت رصدا لانطباعاته حول التجارب الانسانية التي عايشها في القرية والمدينة ،اما في محلة النضج الفكري والكتابي فقد تحدث الكاتب عن تركيزه على البنيات الوظيفية والاجتماعية للمجتمع الموريتاني مستشهدا في هذا الاطار باعداده لرسالة تخرجه من المدرسة العليا للتعليم سنة 1987 والتي اعدها حول رواية القبر المجهول لاحمدو ولد عبد القادر،ومن ثم توالت مراحل الابداع بدءا برواية الشفق اللازوردي “رواية موريتانية من الصحراء”باعتبارها فاتحة لرواية ثلاثية تتحدث عن التكوينة الاجتماعية لمجتمع البيضان المكون من ثلاث قوى اساسية هي قوة السلطة وقوة المعرفة وقوة الانتاج والعمل واسترسل الكاتب في الحديث بالتفصيل عن فصول تلك الرواية والروايتان المكملتان للعمل الثلاثي وهما”رواية الغبراء أو أدباي الحرية التي تعبر عن بنية الوظيفة الانتاجية ورواية الغسق وهي تعبير عن الوظيفة السلطوية.
أما الكاتبة تربة منت عمار فقد تحدثت باختصار عن تجربتها الروائية النسوية من خلال أعمالها “الحب والقدر”ووجهان في حياة رجل”نظرا لما حملته الروايتان من هموم تتعلق بواقع الكبت الاجتماعي للمراة الموريتانية التي تعيش في احضان مجتمع تكبله التقاليد،كما تطرقت منت عمار الى واقع الابداع النسوي في موريتانيا بصفة عامة سواء كان عن طريق التبراع أو البوح المباشر،لتسترسل بعد ذلك في الحديث حول أدب المرأة المغاربية عموما.
أما الكاتب الروائي والباحث الشيخ ولد أحمدوا فقد تطرق لتجربته مع الكتابة الروائية والبحثية متحدثا عن الصعوبات التي تعترض المبدع الموريتاني خاصة عندما يسعى الى كسر بعض التابوهات البتي يمكن ان تعرض صاحبها للمسائلة الاجتماعية،وقال ولد أحمدوا أن تجربته السياسية كنائب في الجمعية الوطنية في تسعينات القرن الماضي زودته برؤية نقدية للواقع السياسي والاجتماعي الموريتاني وهو ما حاول أن يعكسه من خلال نصوصه الادبية.
الأمسية الأدبية كانت حافلة بالمداخلات من لدن النخبة الثقافية الحاضرة التي أثرت النقاش برؤاها المختلفة للواقع الاجتماعي والأدبي في الساحة الموريتانية،حيث قدم الناقد والإعلامي الشيخ ولد سيدي عبد الله رؤيته النقدية للشهادات الروائية التي قدمها الكتاب مبرزا الخط الذي ينبغي أن تسلكه أي شهادة للمبدع ،تلك التي ينبغي أن تركز على التجربة الإنسانية للمبدع بدل تقديم شهادة على عمله الإبداعي مستحثا الكتاب على كسر المزيد من التابوهات الاجتماعية التي لازالت بحاجة الى المزيد من الكشف عنها.