سمراء
محمد عمر ولد أباه
ونوديت من شمال غرب البقعة المباركة ، حيث ظل الوكر أبيا على مسار الحقب، ،وهناك عاشت جؤذرا ، نقية السريرة تماما كالثلج ، ناصعة الشرف كرمال الصحراء ، … وأحتضنها أهلوها بفخر واعتزاز،
…و أحست حملا ثقيلا يداعب أحشاءها ، فاتخذت من دون أهلها وردا رتلته ـ غدوا وآصالا ـ سفرا لأحلام البشر … ، و ما إن خرجت إلى خلوتها حتى تمثل لها الطهر بشرا سويا ،
قالت من أنت ؟
قال: … جئت لألهمك أن الحمل سيكون أسمر كلون العسل ، وديعا كنسائم الصباح ، هادئا مثل صفحة النهر ،… لا تخافي عليه صولة هابيل وذريته !
… وجاءها المخاض إلى جذع الرباط ، وهزت المنارة فخرج النور من حضها فإذا هي قد وضعت حملها بنين أربعة ، لكل منهم لسان ؛ ورددوا شكرا أماه …،
جميعهم سَرَاةٌ على مقاس الصحراء ، ذكاء ،إباء ، شجاعة ، ووفاء..
قالت : هذا تأويل رؤياي ،قد جعله ربي حقا ، …وقد يحسن بي حين يصبحون رجالا جوابين لأصقاع الأرض، حراثين بذورا تنبت كل حين سبع سنابل ،من رأسها يأكل البشر ، ومنها تذر الرياح فتاتا يعم أرجاء المعمورة ….
… و وضعتهم ذكورا … ؛
قالت : إني سميتهم رجالا …؛
تكلموا من المهد قالوا: نريدك أماه فتاة الصحراء : طهرا ، سمتا ، خلقا ،تدللا وحياء ،
نريدك أحلاما تعانق الشمس علوا وضياء.. !
… حتى طموحاتُك – أماه – يلزم أن تشي بأنك أم الرجال ، حتى قوامك الممشوق وجيدك الطويل وملامحك الوردية يلزم أن تحمل طموحاتنا (نحن بنوك الأمناء)؛
… وسميتنا الرجال وسميناك ( سمراء .. )؛
… و في عالم مسكون بالهدوء و عبق البشام ، ربت سمراء بنيها ، فضمختهم بعطر المجد الذي مارضيت غيره لهم عطرا ، ومن ثراها احتسوا معاني الكرم والشجاعة والإباء …
ومن لبان الجدات رضعت سمراء وصايا عشر، ومنهن تعلمت حُسن رضاعة الأبناء ،
… ورَصعت هامتَها بحنان الأمومة ، فبدت بدرا يَشق حجب الفضاء، ثم أهدت نورَها ساطعا للكون جنوبا وشرقا،
… و أحسنت التدلل كما كان أبناؤها يحسنون وفادة الضيفان ، ومن سحر الصحراء ومياه النهر شربت كؤوس الأنوثة مترعة بالعفاف والطهر ..،فتحولت ورقاء يمزق سجعها رتابة الجو المسجى بوحشة المكان …
… و من أعلى المنارة هبط نور بنيها الأغر ، فامتد رباطا ساحبا الطنب الجنوبي إلى حيث مضارب أبناء العم …، ثم تحول هدى فاتبعوه إلا قليل منهم رضوا بالمقام في دفء السامري واطمأنت نفوسهم لخوار عجله …
ثم ازداد النور ألقا ، فتربع ظهر (سمراء ) لا يفارق شعاعه وجهها حتى حين ، وطفق بنوها يجوبون البقاع على ظهور العيس سقيا للظامئين من ينبوعها الغدق ؛
.. وأشرقت بفكر الأربعة…، ففاضت شعرا وبيانا وسحرا وحكمة ، وأخذت تنثر العطاء يمنة و قداما ؛
وتسابق اليها الرجال و بأيمانهم الطارف والتليد طالبين أياديها ، راجين حكمة بنيها ،
قالت : إني اعيذهم بالله من الشيطان ، أتريدون الذي هو خير…؟
قالوا : أجل ، بعضا من علم وشيئا من التقوى ، ذلك هو ما نبغي …
قالت : إذن هي سمات بَني الذين أنجبهم نجم من الشرق سقط في حضن عذراء من الجنوب أطهر و أنقى من ماء المطر …
قالوا : أ أنت أمهم ؟
قالت : هم أبنائي يفاخرون بي ، وبهم أفاخر …
قالوا : أأنت من زنج النهر أو من شنشنة (كدية الجل) ؟
قالت : منهما معا ،
قالوا : هل تقبلينا ضيفانا على بنيك ، فعلى خَوَانك نطعم مما يطعمون ؟
قالت : شرط أن لا تخافوا نوار الشرق ونسيم ( الكوري ) ،و أن لا تحسبوا بداوة الصحراء صنوا لهمجية (الحضارة)…!
قالوا : نحن على شرطيك ،فهل من نوال ؟
قال الأربعة : أهلا بكم فانتم اليوم في ضيافة سمراء ، حطوا رحالكم ، نحن مصممون من تحت أطناب خيمة الشعَر على انتشالكم من براثن الاغتراب … ،
… ومن معين سمراء نهلوا وعلوا ، ومنها تعلموا خصال المجد، ثم قرروا الرجوع إلى أبيهم ،
قالت :اجعلوا بعضا من بضاعتي في رحالهم علهم يذكرون جميلي حين يعودون الى أهلهم ؛
… وقال أبوهم: إني لأجد في قمصانكم ريح سمراء…
قالوا: بلى ، و وجدناها نجمة اتخذت عرشها بين الفرقدين …،… وترحل جنوبا وشرقا كما كان أبوها يرحل ،
قال أبوهم : إذن هي حيدره ….؟
قالوا : و( ابرم خمخم …)
قال : وبنوها أقمار يهتدى بهم ؟
قالوا : يا أبانا كأنك تعرفها تماما كما عرفناها …؟
قال : هي سمراء أم الرجال …!.. هي سمراء أم الأمناء…!، وجدت ذكرها عند جدودي وبزيارتها أوصوا ،وعنها قالوا :
“وأتى عليها حين من الدهر كان بنوها شيئا مذكورا …، ثم أنشئت إنشاء ، وبدأ تاريخ أرض الرجال ، وتحرك المكان ، فجاراه الزمان في حركة رسمت خطوات اللحظة الأولى من الزمن بملامح المجد ، … وإذ ذاك قُتل هابيل في أرض طامسة الأعلام لينعم البشر جميعه بمعين سمراء” ؛
طأطئوا رءوسكم يا أبنائي إجلالا لسمراء وبنيها ، وتغنوا بأمجادها، يكن ذلك لكم حلية من وقار وحرزا من عار..؛
قالوا : يا أبانا سمعا وطاعه … سمعا يا جدودنا وطاعه .