
الجالية تناشد الرئيس محمد ولد عبد العزيز بالتدخل لإنهاء معاناتها
ليبر فيل – عبد الله اتفغ المختار
“أفراد الجالية يحملون في الغالب جواز سفر دولة أخرى كي يسندوا ظهورهم لسفارة أو قنصلية، إذ لا معنى لهوية لا تضمن لهم حقهم في الغربة” بهذه العبارات يلخص التاجر الموريتاني محمد، الشهير بـ”الكُناني” جزءا من هموم الجالية الموريتانية في جمهورية الغابون، معتبرا أنها أكبر الجاليات الموريتانية عائدات على الاقتصاد الموريتاني.
ينشط الموريتانيون في هذا البلد الإفريقي الاستوائي الصغير في كل أصناف التجارة، بيد أنهم الموزع الرئيس للمواد الغذائية المستوردة غالبا من قبل التجار اللبنانيين، ومع أن سكان الغابون لا يتجاوزون المليون ونصف المليون فإن أرباح التجارة لا زالت مغرية للموريتانيين، ربما لكون الرئيس الغابوني على بنكو أوديمبا – نجل الراحل عمر بونكو أوديمبا – يسعى منذ تسلمه مقاليد الحكم قبل ثلاث سنوات إلى تحديث الدولة وتنشيط الاقتصاد، خاصة في العاصمة لبيرفيل، والعاصمة الاقتصادية فرانس فيل، وهما المدينتان اللتان أختارهما الموريتانيون أهلا وسهلا.
بحناجر تلمس فيها حنينا كبيرا إلى الوطن الأم، وإلى “أرض البيضان” يحدثك الموريتانيون أحاديث شجية عن مقامهم في المدينتين، وصعوبات التكيف مع الأهل الجدد، ومع كل ذلك يحكون أيضا عن “غابون” يتمتعون فيه بالأهمية والفاعلية، إلا أن طيبة الغابونيين وموقع البلد الاستراتيجي المطل على المحيط من ثلاث جهات، واعتدال مناخه، وكثرة أنهاره وأمطاره، وجمال طبيعته، كل ذلك لا يجد فيه موريتانيو الغابون متعة تعادل متعة احتساء كؤوس من الشاي، فرادى وجماعات بعد انقضاء الدوام في المحال التجارية.
“وصول أول التجار الموريتانيين إلى الغابون كان في نهاية ستينيات القرن الماضي، وتتفاوت التقديرات بشأن أعداد أفراد الجالية، والراجح أن العدد يلامس أربعة آلاف فرد نشط، ويستغرب معظم من حاورناهم عدم وجود سفارة أو قنصلية رسمية تعنى بشؤونهم، وفي هذا السياق يتساءل الطيب ولد عبد الرحمن – وهو أحد عمداء الجالية في لبيرفيل – قائلا ” لماذا لا نجاري الدولة المالية في السعي لتقوية العلاقات مع هذا البلد بسفارة وقنصلية فاعلتين، ولماذا لا تتحمل سلطاتنا مثل السلطات المالية مسؤولياتها في دعم الأئمة في سعيهم لنشر الإسلام وتشييد المساجد في هذا البلد الذي تدين أكثرية سكانه بالمسيحية” ويستدرك الطيب “لقد شيد الموريتانيون جامعا واحدا في هذه العاصمة، فيما شيد الماليون عشرات المساجد.. إن ما يعيقنا ليس السلطات الغابونية لكن لأمر كهذا يجب تقديم الطلب من لدن سفارة أو قنصلية غيابهما هو المشكل الرئيس، وهو المطلب الأوحد لنا جميعا” ويضيف الطيب “نتمتع بقنصلية شرفية مهمتها محددة في تسهيل البطاقة القنصلية وتمديد جوازات السفر، وهي للأمانة لم تقصر في هذه المهمة، لكن هذا ليس هو لب ما يشغلنا كمغتربين”.
وفي السياق ذاته يؤكد رجل الأعمال الشاب محمد ولد أحمد المختار”إن غالبية من يأتون إلى هذا البلد هم من الشباب القادمين من الريف، وبتكوين محظري في الغالب، ومشكلة الأوراق مطروحة لهم في نواكشوط، إذ يُطلب منهم شهادة ميلاد وجنسية الأب أو الأم، وبطاقة تعريف لكي يحصلوا على جواز سفر، كيف لشاب لا يملك أوراقا شخصية أن يوفر أوراق ذويه، هنا تبدأ معاناة من يودون الحصول على أوراق” والحل الناجع والعاجل حسب ولد أحمد المختار “يكون بالتوجه إلى دولة يسهل فيها الحصول على جواز سفر مثلا، وهنا يتعين على الباحث عن أوراق تلك الدولة أن يتكلف مبالغ مالية مقابل خدمة هامة كهذه”.
ويبرر التاجر سالم اختياره – مثل نسبة كبيرة من أفراد الجالية هنا – لأوراق دولة مالي، في كونه سيضمن بها صيانة حقوقه، إذ لن تقبل سفارة مالي أو قنصليتها بظلمه من أي كان بحسب تعبيره، أما عن أوجه الظلم الذي يتحدثون عنه فيلخصها سالم بالقول “نحن الموريتانيون لا نحترم في الغالب قوانين الهجرة، ولا رخص العمل، ونتحايل في الغالب – مع متحايلين من أهل البلد – للدخول من دون تأشيرات، خاصة أن تأشيرات سفارات الغابون في الخارج لا تخول الحاصل عليها دخول البلد دون إذن من إدارة الهجرة، وهو أمر جد عسير، لذلك فالظلم نسبي، لأن ما بني على تحايل أصلا سوف يتطلب وبشكل دوري غرامات، وحتى السجن، ولكن الموريتاني بطبعه مستعد لدفع أية فدية، ولذلك فهو مرغوب أكثر من غيره لدى المكلفين بمراقبة الهجرة والإقامة غير الشرعية على أرض الغابون”.
تكلف تأشيرة الغابون في سفاراتها مبالغ تتراوح بين 100 إلى 150 ألف أوقية فقط، لكن لكي تدخل الغابون – وبطريقة غير شرعية طبعا – هناك من يمكنه أن يتدبر الأمر في المطار بتكاليف تصل في المتوسط 500 ألف أوقية، بعدها تبدأ دوامة الاختباء عن أعين مفتشي الهجرة، في مواسم معينة، أما راتب العامل (الوكاف) المتدرب فلا يقل عن 200 ألف أوقية شهريا، وهو مبلغ مغر للشباب، خاصة أن الراتب في ازدياد دائم بحسب الخبرة والجدية في العمل، والأهم من ذلك أن العمال يبعثون برواتبهم شهريا إلى موريتانيا، وإن بطرق تقليدية، لكن سريعة ومضمونة، كأن تسلم المبلغ لتاجر في ليبر فيل، ليستلمه الأهل من صاحب دكان في سوق العاصمة.
بشهادة سكان هذه البلاد، بمن فيهم الرئيس الراحل الحاج عمر بونغو، فإن الجالية الموريتانية في الغابون تتميز بسمعة وسلوك طيبين، وبمستوى عال من المدنية، ومنهم من حصل على الجنسية الغابونية، أو في حكم الحاصل عليها بسبب الزواج من غابونيات، ويتحدثون هنا عن رجال أعمال يقومون في الغالب بدور معتبر في حمل هم الموريتاني ظالما أو مظلوما، وذلك بتخليص أفراد الجالية من تبعات عدم مشروعية مقامهم، وفي مقدمة المدافعين عن المخالفين: الطالب مصطف، ومامادو باه، وولد محمدي، والطبيب أمدو با، ولحريطاني ولد الشيخ، والطيب ولد عبد الرحمن، وسيدي محمد ولد كابر، وآخرون منهم الشاب الخليفه الشهير بتسهيل أمور الموريتانيين على الحدود الغابونية الكونغولية.
كل من التقيناهم يناشد الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز التدخل شخصيا لتشكيل مكتب للجالية في هذا البلد، ومنحه صلاحية حل مشاكل الجالية، في انتظار تحقيق مطلبهم بفتح قنصلية رسمية تعنى بشؤونهم، وترسيم رحلة أسبوعية للخطوط الجوية الموريتانية بين نواكشوط وليبرفيل.