فجأة وجد العشراتُ من النواب في البرلمان الموريتاني أنفسهم بلا أحزاب سياسية ينتمون إليها، وهم الذين بذل العديد منهم جهوداً كبيرة للترشح عبر بوابة هذه الأحزاب، بسبب القانون الذي يمنع الترشح المستقل للانتخابات التشريعية، ولكن قانوناً آخراً جاء ليزيل عنهم الغطاء الحزبي.
مات 76 حزباً سياسياً بموجب مقرر صادر عن وزارة الداخلية، فيما بقي نواب العديد منها أحياء يرزقون في البرلمان، يُنتظر منهم اختيار وجهتهم السياسية الجديدة، في « ترحال سياسي » مُرخص بقوة القانون.
نواب بلا أحزاب
شمل مقرر وزارة الداخلية عشرات الأحزاب، إلا أن المتضرر الفعلي منه، تلك الأحزاب الممثلة في البرلمان، التي نجحت في دخول البرلمان من بوابة الانتخابات التشريعية، وفشلت في تحقيق 1 في المائة من الأصوات في الانتخابات المحلية.
أكثر الأحزاب السياسية تضرراً هو حزب الشورى من أجل التنمية الذي فقد ثلاثة مقاعد في البرلمان بعد قرار حله بقوة القانون؛ الوديعة ولد أشفغ (اللائحة الوطنية المختلطة)، آمنة بنت بلاهي (اللائحة الوطنية للنساء)، محمد الأمين ولد سيدي مولود (اللائحة الجهوية لنواكشوط).
ولكن نواب حزب الشورى ستتفرق بهم السبل بعد قرار حله، ففي الوقت الذي يظهر رئيس الحزب ولد أشفغ ميلاً واضحاً لمعسكر الأغلبية، لا يخفي السياسي الشاب ولد سيدي مولود انتماءه لمعسكر المعارضة الشرسة.
أسماء وازنة في الساحة السياسية وجدت نفسها اليوم وهي تبحث عن حاضنة سياسية جديدة، من ضمنهم النائب البرلماني محمد ولد ديدي بعد حل حزبه حزب الوفاق من أجل الرفاه، والنائب البرلماني الخليل النحوي بعد حل حزبه الغد الموريتاني، نفس الشيء بالنسبة للإداري المتقاعد محمد ولد ارزيزيم، الذي شمل المقرر حزبه « عطاء »، الحزب الذي حصل على مقعد في البرلمان بشق الأنفس عن دائرة نواكشوط.
القيادية السابقة في حزب تكتل القوى الديمقراطية المعارض مسعودة بنت بحام، والتي تحولت إلى ناشطة بارزة في صفوف الأغلبية الرئاسية، تم حل حزبها « الإصلاح » لتبقى لديها حرية التصرف بمقعدها البرلماني.
نفس الشيء حدث للنائب الذي صعد إلى بؤرة الضوء في الدوة البرلمانية الأولى محمد بوي ولد الشيخ محمد فاضل، الذي فقد هو الآخر حزبه، وهو تحالف بين حزب الوفاء الموريتاني وطلائع قوى التغيير، كما حدث ذات الأمر مع النائب سهام بنت محمد يحي ناجم بعد أن تم حل حزب الاتحاد الديمقراطي الوطني، ولمرابط ولد محمد الذي حل حزبه « السلام الديمقراطي ».
تنظيم أم فوضى
يأتي مقرر وزارة الداخلية القاضي بحل 76 حزباً سياسياً تطبيقاً لقانون تمت المصادقة عليه عام 2012، ويطبق للمرة الأولى هذا العام بعد اكتمال أركان تطبيقه، وهي تنظيم اقتراعين محليين، انطلاقاً من نتائجهما تتم معرفة الأحزاب التي تملك وزناً في الساحة.
ويقول الصحفي صلاح ماء العينين، وهو متابع عن كثب لما يجري في البرلمان الموريتاني: « هذا المقرر كان إيجابيا لأن بلداً لا يزيد عدد سكانه على أربعة ملايين نسمة، لا يمكن أن يزيد عدد الأحزاب فيه على المائة، إذا كانت هنالك ضرورة لسن قانون للحد من هذه الأحزاب ».
وأضاف ماء العينين قائلاً: « هذا القانون تم التوافق عليه خلال حوار وطني شارك فيه العديد من الفرقاء السياسيين »، قبل أن يشير إلى أن الخطأ المترتب على حل أحزاب ممثلة في البرلمان لا يقع على عاتق القانون ولا من طبقه وإنما « الخطأ هو توجه سياسيين كبار لأحزاب سياسية مغمورة ».
ولكن النائب البرلماني والسياسي الشاب محمد الأمين ولد سيدي مولود، وهو من النواب الذين فقدوا أحزابهم، يرى للقانون العديد من السلبيات، وقال إن « الإجراء تم طبقا للقانون، وهو محاولة لضبط الساحة السياسية، ومن سلبياته أن حل أحزاباً ممثلة في البرلمان ».
وأضاف ولد سيدي مولود أن القانون « له سلبية أخرى ناتجة عن ثغرة، وهي حل أحزاب لمجرد أنها قاطعت الانتخابات مرتين أو أنها قاطعتها مرة واحدة ولم تحصل على واحد في المائة، فأصبح هنالك سيف مسلط على خيار المقاطعة الذي هو خيار سياسي، فأصبحت الأحزاب محاصرة ».
وخلص ولد سيدي مولود إلى أنه على العموم « القانون إيجابي في فوضى كهذه، حتى وإن شابته بعض السلبيات »، على حد قوله.
جدل قانوني
لم يسلم القانون من سهام النقد، كما أثار جدلاً قانونياً قد يفضي إلى أروقة المحاكم، إذ اعتبر المحامي ورئيس حزب اللقاء الديمقراطي محفوظ ولد بتاح إن قرار حل حزبه غير قانوني، وقدم قراءة جديدة للقانون قال إنها تستثني اللقاء من قانون الحل.
الطرح الذي قدمه ولد بتاح للدفاع عن حزبه، كان يتفق مع قراءة أخرى قدمها المحامي محمد المامي مولاي اعل، الذي قال في تدوينة نشرها على صفحته على الفيسبوك: « يبدو أن وزارة الداخلية استعجلت وحلت 76 حزبا سياسيا على أساس تطبيق قاعدة حل الأحزاب غير الحاصلة على 1 في المائة في اقتراعين بلديين، والواقع أن القاعدة غير منطبقة الآن على أي من الأحزاب السياسية ».
واستعرض ولد مولاي اعل ما قال إنها الأسباب التي تبرر قراءته للقانون والتي من ضمنها أن القانمون الصادر عام 2012 تم إلغاءه بموجب قانون جديد صدر عام 2018، ويبدأ تطبيقه من هذا التاريخ فقط.
مصير النواب
يرى الأستاذ أحمد صمب فال، وهو خبير دستوري وقانوني، أن المشرع لم يتحدث عن مصير النواب الذين تتعرض أحزابهم للحل بقوة القانون، ويضيف ولد صمب فال قائلاً: « المشرع في هذا التعديل لم يتطرق لمصير النواب والمستشارين الجهويين والمستشارين البلديين بعد حل أحزابهم ».
وأشار الخبير الدستوري والقانوني إلى أن المشرع حاول تدارك الأمر في تعديل صدر العام الماضي يقول فيه إن « يمكن أن يلتحق منتخبو الأحزاب التي تم حلها بأي حزب سياسي ممثل في الجمعية الوطنية، على أن لا يؤثر ذلك على نتائج الحزب المذكور ».
ولكن صمب فال يضيف معلقاً على التعديل: « النواب والمستشارون الجهويون والمستشارون البلديون الذين أصبحوا بلا أحزاب، لهم أن يلتحقو بأي حزب سياسي من الأحزاب الممثلة في البرلمان، ويعني ذلك عدم إمكانية التحاق أي منتخب (نائب-مستشار ) بحزب لا يملك تمثيلاً في البرلمان، بالإضافة إلى أن التحاق أي منتخب لا يؤثر على عدد الأصوت التي سبق وأن حصل عليها الحزب في الانتخابات ».
ويخلص الخبير الدستوري والقانوني إلى أن « النواب والمستشارين الجهويين والبلديين لهم حق اختيار أي حزب ممثل في الجمعية الوطنية، وتماشيا مع منع الترحال السياسي نقول إن رئيس البرلمان عليه أن يخبر وزارة الداخلية بواقعة أي التحاق حتى إذا حاول النائب تغيير حزبه يطبق عليه قانون الترحال السياسي الذي سيمنح المقد للحزب الذي سبق وأن التحق به ».
لقد أربك تطبيق هذا القانون الساحة السياسية عموماً، والبرلمان على وجه الخصوص، وبدا وكأنه يتعارض مع قوانين أخرى تمنع الترشح المستقل والترحال السياسي، ولكن الثابت في كل هذا هو أن قائمة الأحزاب تقلصت بشكل لافت، وسواء اتفق الفاعلون السياسيون على جدوائية الخطوة من عدمها، سيظل هاجس الواحد بالمائة يؤرق مضاجعهم.