أمام الآلاف من الموريتانيين أعلن وزير الدفاع والجنرال السابق محمد ولد الشيخ محمد أحمد ولد الغزواني ترشحه للانتخابات الرئاسية، في حفل إعلان ترشح هو الأول من نوعه في موريتانيا، إذ جرت العادة بأن يتم إعلان الترشح عبر بيانات أو مؤتمرات صحفية بسيطة، ولكن الرجل الذي خرج قبل أشهر قليلة من قيادة أركان الجيش فضل الدخول بقوة معترك السياسة.
امتلأ ملعب شيخه ولد بيديا في قلب نواكشوط بأنصار الرجل، وهو الذي تبلغ سعته 8500 مقعد، بينما تجمع المئات خارج بواباته في انتظار فرصة للدخول، ونصبت لجنة تنظيم الحفل شاشات كبيرة خارج الملعب لتمكين هؤلاء من متابعة مجريات حفل كانت قصيرة وخاطفة، ولكنها تأخرت لقرابة ساعتين ونصف عن موعدها المحدد.
كان المشهد في البداية منظماً إلى حد كبير، قبل أن تحدث بعض الاختلالات في الأخير، ولكنها اختلالات لم تؤثر على سير مجريات الحفل، وهي عملية تولتها الاتحادية الموريتانية لكرة القدم بإشراف مباشر من رئيسها أحمد ولد يحيى وطواقم إدارته، لأنها هي الجهة الإدارية المسؤولة عن تسيير الملعب.
تم توزيع الحضور إلى مستويات عديدة، وكل مستوى يشير إليه لون خاص تحمله بطاقة الدعوة، فخُصص جانب من المدرجات للنواب في البرلمان، وجانب آخر لأعضاء الحكومة والمسؤولين السامين، بينما خصصت مقصورة الشرف للمرشح وبعض المقربين منه، كانت في مقدمتهم السيدة الأولى تكبر بنت أحمد، بالإضافة إلى والدة ولد الغزواني وزوجته وبعض أقاربه، والوزير الأول ومسؤولين في رئاسة الجمهورية.
بقية المدرجات امتلأت بالمواطنين العاديين والناشطين السياسيين، فيما قال أحد المنظمين لـ « صحراء ميديا »: « لقد وزعنا أكثر من 12 ألف بطاقة دعوة وتوقعنا أن يكون الحضور أكثر من ذلك، لذا نصبنا شاشات في الخارج لمن لم يتسع لهم الملعب الصغير ».
الظهور الأول
ما بين المقصورة الرسمية والمنصة التي نصبت وسط الملعب، على مسافة تمتد لعشرات الأمتار، فُرش سجاد أحمر مر من فوقه المرشح وهو يرتدي زياً تقليدياً أبيض اللون، أنيق ببساطته مع أحذية جلدية إيطالية، لقد أراد الرجل أن يكلم الموريتانيين ببساطة، فخلع البدلة الرسمية تماماً كما خلع قبل أشهر البزة العسكرية.
عندما صعد المنصة الرسمية رفع « غزواني » يديه لتحية الجماهير، وعانق قارئ القرآن والصحفي الذي ينعش الحفل، كان يتحرك بسرعة وخفة بدا وكأنه غير متعود على أجواء الصخب التي تحيط به، فللمرة الأولى يواجه الرجل هذا الكم من البشر وهو الذي تلقى تكويناً عسكرياً جعله يميل للانزواء والانطواء.
كان يتحدث مع الصحفيين المحيطين به ويرد عليهم، خاطبه أحدهم قائلاً: « السيد الرئيس نتمنى لك النجاح والتوفيق »، رد الرجل بسرعة: « مرحباً بك.. شكراً جزيلاً »، جرى ذلك خلال لحظات انتظار بعد انقطاع التيار الكهربائي وهو يستعد لإلقاء خطابه، حادثة لم تربك الرجل الذي ظل واقفاً بهدوء في انتظار عودة الكهرباء.
أين عزيز ؟!
كان السؤال الأكثر تردداً على ألسنة الحاضرين في الملعب قبل انطلاقة الحفل، هو إن كان ولد عبد العزيز سيحضر، وهو ما تضاربت بخصوصه الأنباء، خاصة بعد مشاهدة مدير ديوانه والمسؤول عن برتوكوله وبعض حرسه الخاص، ولكن يبدو أن ولد عبد العزيز فضل عدم الحضور لأسباب لم يتم شرحها.
تحليلات الصحفيين الحاضرين كانت متضاربة بخصوص غياب ولد عبد العزيز عن حفل ترشح رجل ثقته وصديقه المقرب، فالطريق التي جمعت الرجلين منذ الدراسة في مكناس بالمغرب وحتى اليوم، تؤكد أن العلاقة بينهما قوية ومتينة، ولن تتأثر بملفات السياسة مهما وصلت إليه من تعقيد.
كان بعض المحللين يقول إن ولد عبد العزيز قرر عدم الحضور لأنه يحمل صفة رئيس الجمهورية وبالتالي يتوجب عليه التزام الحياد « ولو ظاهرياً »، ولكن آخرين يقولون إن ولد الغزواني هو من كان لا يرغب في حضور صديقه المقرب، وقد تأكد ذلك في خطابه الجديد، فالخطة التي رسمها الرجل لحملته الانتخابية تشير إلى أنه يريد أن يثبت أنه « رئيس مستقل » وليس « وريثاً » لحكم ولد عبد العزيز.
حاضرون غائبون
الألوان الوطنية كانت حاضرة بقوة في اللافتة الكبيرة التي تشكل خلفية المنصة الرسمية، بخطوط حمراء وصفراء على لافتة خضراء، وهو أمر لفت انتباه أحد الصحفيين الذي استنكر ذلك وهو يشير إلى أن الألوان الوطنية يجب ألا يتم استغلالها في الحملات الانتخابية، فرد عليه آخر إن الأمر قد لا يكون مقصوداً.
ولكن ألوان العلم الوطني كانت حاضرة أكثر من ذلك، فمقاعد المدرجات كانت ألوانها صفراء وحمراء وخضراء، كما أن المنظمين اختاروا ملصقات بألوان العلم الوطني لإخفاء لافتات ترويج شركة « موريتل موبيل » التي كانت منصوبة في الملعب بموجب عقد رعاية مع الاتحادية الموريتانية لكرة القدم.
أما الغائبون فهم كثر في هذا الحفل، ومن أبرز ذلك شعارات الأحزاب السياسية، ولعل الأكثر لفتاً للانتباه هو الغياب التام لشعارات حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم أو ائتلاف الأغلبية الرئاسية، والتي غاب أيضاً أي ذكر لها في خطاب إعلان الترشح، كما أن صور الرئيس المنتهية ولايته محمد ولد عبد العزيز، كان حضورها محدوداً رغم أن ولد الغزواني خصص فقرة من خطابه للإشادة بما حققه ولد عبد العزيز من إنجازات ووصفه بأنه « أخ »، ومنحه صفة « الوطنية ».
قبل بداية الحفل كان المنظمون يبثون مقاطع « فيديو غرافيك » تتحدث عن الإنجازات التي تحققت في البنية التحتية والاقتصاد خلال السنوات العشر الأخيرة، دون أن تشير إلى ولد عبد العزيز ولا حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم، مكتفية بالحديث عن « إنجازات ملموسة ».
مبادرات في المدرجات
بعد أشهر من حمى المبادرات السياسية المطالبة بولاية رئاسية ثالثة لمحمد ولد عبد العزيز، بدا واضحاً أن أصحاب هذه المبادرات غيروا توجهاتهم وتأقلموا مع الوضع الجديد، حين تأكد أنه لا مجال لولاية رئاسية ثالثة، أكد ولد عبد العزيز في أكثر من مناسبة أنه لا يرغب فيها، ودعا في بيان صدر قبل أسابيع إلى التوقف عنها.
اليوم غزت المبادرات مدرجات ملعب شيخه ولد بيديا، وكانت في الموعد بعناوين جديدة مؤيدة وداعمة للمرشح الجديد، وذلك من خلال لافتات تحمل أسماء عديدة كمبادرة « نعم غزواني »، ومبادرة « نعم.. نحن نستيطع »، ومبادرة « مرشح الوفاق الوطني »، ومبادرات عديدة تحمل أسماء شخصيات سياسية ورجال أعمال، جميعها تعلن دعم ولد الغزواني.
ولكن أصحاب هذه المبادرات عندما أكمل ولد الغزواني خطابه، وتجول في أرجاء الملعب لتحية الحاضرين فيه، توجهوا جميعهم إلى المقصورة الرسمية سعياً وراء الحديث مع الرجل وإعلان الولاء له، كان ولد الغزواني يرد على كل من يحدثه أو يلقي عليه التحية، ما أخذ منه الكثير من الوقت وأحدث حالة من الارتباك لتعم الفوضى.
في آخر الحفل خلت المدرجات وتجمهر المئات حول المقصورة الرسمية، وبقيت المنصة الرسمية فارغة إلا من بعض الصحفيين يتلون ترجمات باللغات الوطنية لخطاب إعلان الترشح، لم تجد من يستمع إليها، فالجميع يسعى لإلقاء التحية على من يعتقدون أنه رئيس موريتانيا المقبل.