“تعميد ” المجلس الوطني السوري : الإرتباك الأمريكي والتخبط الخليجي
خرج مؤتمر أصدقاء سوريا الذي انقعد في تونس يوم الجمعة الماضي بنتيجة أقل ما يقال إنها هزيلة، وذلك بالمقارنة مع مطالب أطياف المعارضة، وبالمقارنة كذلك مع التغطية الإعلامية المكثفة التي حظي بها الموتمر، وعدد الدول الكبير التي حج ممثلوها إلي العاصمة التونسية، للمشاركة في طقس سياسي لم ينتج عنه غير تعميد المجلس الوطني السوري ممثلا للمعارضة السورية .
صحيح أن سقف التوقعات لما كان يمكن أن يقوم به المؤتمر من اجراءات أو يتخذ من قرارات، كان منخفضا جدا ، ولم يكن ليخرج من دائرة القول إلي دائرة الفعل ، نظرا لتعقيد الأزمة السورية وغياب المبدائل السياسية ومحدودية مجال المناورة ، وارتباك الموقف الأمريكي وتذبذبه ، وتخبط الموقف الخليجي وعجزه ، بعد إنسداد آفاق التدخل العسكري الغربي بفعل الفيتو الروسي الصيني ، وإخفاق مبادرة الجامعة العربية التي ولدت ميتة والتي كانت تهدف إلي إسقاط بشار الأسد، أكثر مما تهدف لحل الأزمة السورية .
غير أن الإعتراف بالمجلس الوطني السوري وإن مثل ضغطا سياسيا ودبلوماسيا علي النظام السوري، ومخرجا ” دعائيا ” لمؤتمر تونس، إلا أنه في المقابل سيثير حفيظة معارضة الداخل وأطيافا آخري من معارضة الخارج ، و سيصب في النهاية في مصلحة النظام السوري دون غيره ، و لن يزيد طين المعارضة إلا بِلة ، وسيوسع الفجوة بين أطرافها المتناحرة ويناحر أطرافها الموحدة، كما حدث بعد ثلاثة أيام فقط من انتهاء مراسم حفل التعميد ، حيث انشقت مجموعة كبيرة من قيادات المجلس الوطني السوري لتشكل كيانا معارضا جديدا .
ويطرح قرار الإعتراف بالمجلس الوطني السوري مجموعة من الأسئلة تتعلق بالإستراتيجية المستقبلية التي ستنتهجها الولايات المتحدة وحلفائها الخليجيين لإسقاط الأسد : فهل هذا الإعتراف هو بداية عسكرة الثورة وإضفاء الشرعية الدولية علي عمليات تسليح المعارضة السورية، التي تقوم بها كل من المملكة العربية السعودية ودولة قطر كما تقول ذلك ” فورن بوليسي ” في عددها الأخير ؟ وهل عسكرة الثورة هي البديل المتاح للتدخل الدولي، أم أنه مجرد توطئة و بداية لهذا التدخل ؟ وهل ذهب مشروع توحيد المعارضة الذي دعت إليه جامعة الدول العربية أدراج الرياح ، مع وضع الحل السياسي التفاوضي علي الرف ؟
بعض الكتاب وصفوا المؤتمر بأنه كان كارثيا ، وأحدث مفعولا عكسيا تمثل في المزيد من العنف علي الأرض ، بعد أن كشفت نتائج المؤتمر عن مدي العجز الهائل الذي وصل إليه ” أصدقاء الشعب السوري ” وافتقارهم إلي رؤية جامعة أو خطة واضحة للتعامل مع أزمة ما فتئت تكبر و تزداد تعقيدا يوما بعد يوم . بل إن بعض الكتاب( خالد الحروب – الدستور الأردنية ) تمني لو لم ينعقد هذا المؤتمر أصلا ، فعندها كان سيبقي علي الأقل ” بعض الغموض “التهديدي” في الموقف الدولي، يردع النظام عن ممارسة المزيد من القمع، ويحسب للتهديد الخارجي حسابا ، ولو في الحدود الدنيا من الحسابات.”
أما الآن وقد تجاوز النظام السوري استحقاق مؤتمر تونس ، دون أن يمسسه سوء ،كما تجاوز قبل ذلك استحقاق مجلس الأمن وعاد منه مؤزرا بنصر خطابي مبين، وفيتو صيني روسي مزدج ، فإنه يبدو اليوم أشد ثقة بالنفس وأكثر قدرة علي استعادة زمام المبادرة ، ويعود ذلك – كما يقول وسام نصر( شؤون استراتيجية- فرنسا ) إلي نجاح النظام السوري في استدراج المعارضة إلي كمين عسكرة الإنتفاضة ، وذلك لإضعافها سياسيا، ونقل المواجهة معها من مستوي المواجهة الأمنية المحدودة ، إلي مستوي المواجهة العسكرية الشاملة . ويستدل الباحث علي هذا الإستدراج بما حدث في مدينة الزبداني الإستراتيجية التي تقع علي أبواب مدينة دمشق، والتي انسحبت منها القوات النظامية السورية بعد مفاوضات مع الجيش السوري الحر المعارض ، في الوقت الذي تقع فيه مدينة الزبداني بين كماشة قوات الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين( جناح أحمد جبريل) المتواجدة في الجانب اللبناني ، وقوات الفرقة الرابعة ، بقيادة ماهر الأسد شقيق الرئيس المتواجدة في الجانب السوري ، الأمر الذي يجعل سيطرة الجيش الحر عليها ولو ليوم واحد أمرا مريبا، فكيف لأسابيع ! .
ويُذكّرُ الباحث بالتجربة الجزائرية في التسعينيات من القرن الماضي حيث أنتهج النظام الجزائري نفس الإستراتيجية في مجابهة جبهة الإنقاذ الإسلامية وأدرك أنذاك مبكرا ، أنه لن يتغلب عليها في المنازلة السياسية السلمية ولكنه سينتصر عليها بكل تأكيد عندما تحيد عن طابعها السلمي وتحمل السلاح ضد جيش يفوقها عدة وعتادا وخبرة ، وهو ما وقع بالفعل . ويقول الباحث إن بشار الأسد ينتهج نفس الإستراتيجية الجزائرية ، و ينفذها بنجاح كبير وهو من يفرض اليوم قواعد اللعبة علي خصومه، ويختار ساحة المعركة وتوقيت المواجهة .. وحتى نوع السلاح .. و ربما يطول الأمر في سوريا مثلما طال في الجزائر أو أكثر ! .
ويكيليكس مجددا : كشف فضائح العالم السفلي
قلة في العالم العربي من سمع بشركة ” استراتفورت ” ولمن لا يعرفها ، فهي شركة أمريكية استخباراتية ، تعلن علي الملإ طبيعة وظيفتها التجسسية وتفتخربها ولا تنكرها . وتعرِّف الشركة نفسها علي موقعها في الشبكة العنكبوتية بأنها ” الجهة التي تزوِّد مشتركيها بتحليلات جيو- سياسية ، فتمكّنهم من فهم العلاقات الدولية وماذا يجري فيها الآن، ولماذا يحصل ذلك؟ وماذا سيحدث غدا .” و تتباهى «ستراتفور» بتميّز طريقة عملها، إذ تعتمد على «جمع المعلومات من خلال رصد دقيق لمصادر المعلومات المفتوحة، وبفضل برنامج تنصت دقيق ومتطور ، و شبكة عالمية من الموارد البشرية ..” . (أي شبكة عالمية من الجواسيس!.)
وتضاهي ” استراتفورت ” في نفوذها ، الوكالة المركزية للمخابرات الأمريكية السيئة الصيت المعروفة اختصارا بـــ C.I.A ، والفرق بينهما أن هذه الأخيرة هي وكالة عامة تابعة للحكومة الآمريكية أما ” استراتفورت ” فهي شركة خاصة، أسسها جورج افريدمان سنة 1996 ، ولكنها تتعاون مع C.I.A و ” البانتاغون” ووزارة الخارجية الأمريكية ، ووحدات مشاة البحرية الأمريكية ، وكبريات شركات الصناعة و السلاح والنفط. .
وتتحدث الصحف والمواقع الألكترونية هذه الأيام، عن عشرات الشبكات الإستخباراتية التي تعمل في أمريكا وأوروبا علي غرار” استراتفورت”، وهي تقدم خدماتها للحكومات والشركات العابرة للقارات .. ولكل من يدفع أكثر! .
وخلال أعياد الميلاد من السنة المنصرمة أستطاع قراصنة ” أنانيموس ” أن يخترقوا مواقع هذه الشركة، رغم التقنيات المتقدمة التي كانت تحيط بها مواقعها الألكترونية ، واستطاع هؤلاء القراصنة الشجعان، أن يصلوا إلي بنك المعلومات الخاص بالشركة ، والتعرف علي عملائها، ومستخدميها ولوائح المشتركين، وأن يسطوا علي أكثر من خمسة ملايين رسالة ألكترونية، تداولتها الشركة مع عملائها ومستخدميها في الفترة الممتدة من 2004 -2011 تغطي طيفا واسعا من الموضوعات التي تتناول شؤون الدفاع ، وأنظمة الحكم في العالم الثالث والدول الأوروبية والآسيوية ، وعمولات السياسيين وجرائم البيئة وحتى الخيانة الزوجية والفضائح الإجتماعية .
وقد أهدي قراصنة ” أنانيموس ” هذا الصيد الإعلامي السمين والثمين، عربون مودة صادقة، و عرفانا بالجميل، إلي موقع” ويكيليكس” تضامنا مع مؤسسه ” أسانج ” الذي تطارده الولايات المتحدة بعد أن نشر فضائح دبلوماسييها علي العالم . وقد بدأ موقع ” ويكليكس” ابتداء من هذا الأسبوع بالإشتراك مع 25 وسيلة إعلامية عالمية في نشر الرسائل الألكترونية ، التي تكشف خفايا هذا العالم السفلي، الذي يتحكم في مصائر الدول والشعوب، مدعوما بقوة السلاح والمال والإعلام وحتى الجنس .