صورة مزعومة لشاعر موريتاني تثير جدلا على الفيسبوك
نواكشوط ـ محمد ناجي ولد أحمدو
أثارت صورة نشرت في شبكة التواصل الاجتماعي، الفيسبوك، على أنها للشاعر الموريتاني محمد ولد أبن ولد احميده، جدالا واسعا، حيث تضاربت آراء المتحاورين، وغالبيتهم مثقفون وشعراء وصحافيون، حول صدقية نسبة الصورة إلى ولد ابن.
ونفى غالبية المشاركين في النقاش أن تكون الصورة للشاعر المثير للجدل، غير أنها تكفلت أن تعيده للحياة، بعد ما يقرب من ستين سنة على رحيله، حيث ألقى المشاركون الضوء على فقرات من حياته، وقدموا نماذج من أدبيه الفصيح والشعبي.
الصورة التي نشرها الشاعر الشيخ ولد بلعمش، وهو أحد أبرز الشعراء الموريتانيين الذين يستخدمون الفيسبوك لنشر إنتاجهم، منقولة من ديوان الشاعر الشعبي الراحل همام فال، مصدرا لها بعبارة، “فاتحة لشهية النقاش”، حسب تعبير أحد مرتادي الصفحة، حيث كتب تعليقا عليها “صورة لولا الملامة قلت إن صاحبها أشعر الإنس والجن، إنه محمد ولد ابن ولد احميده”.
واعتبر الشاعر الشيخ ولد بلعمش في جواب على اعتراض أحد المدونين على نشر شعر الرجل، باعتباره “كثير الهجاء “أن من سبقنا أمة قد خلت لها ما كسبت ولنا ما كسبنا، وعلينا أن نتصفح آدابهم وخلافاتهم العلمية، لأننا الآن أبناء عصر آخر ننبذ الثارات، لا نظل أسيرين لها وندع دعوى الجاهلية فإنها منتنة”.
ويعلق مدون آخر بالقول “لابن أبن حكاياه مع البتول وعمرانه ورقاب العقل.. وفيها مقنع من شعره، دون أن نعرج على مناكفاته وما أشبه.. واعتقد أن ولد ابن يستحق إلقاء مزيد الضوء عليه”.
ورأى الشاعر محمد فال ولد محمد حرمه أنه عندما تتحدث عن شاعر؛ فإنه يجب أن تحكم عليه “من خلال درجة الإبداع في شعره بغض النظر عن الغرض والمواقف والآراء، فالناقد الفني لا يهتم بحمل الشعر للقيم الفاضلة بقدر ما يهتم بالصور الفنية والأساليب وجودة التصوير والقاموس اللغوي”، ليصل إلى القول بأنه عندما يتعلق الأمر بمحمد ولد ابنو ولد احميدة فـ”لا يمكننا إلا أن نعترف له بقدراته الشعرية الكبيرة، وأعتقد أن الشعراء الذين ناكفوه بمن فيهم المتفوقين عليه يعترفون له بذلك رغما عنهم”.
ووفر نقاش الصورة لمتتبعيه تذكرة سفر مجانية إلى الماضي، حيث قدم الوزير الأسبق عبد القادر ولد محمد صورة لمشهد سهرة غنائية، احتضنها منزل المترجم محمد ولد ابن المقداد (دودو سك) في سين لويس (أندر)، وأحياها الفنان الأشهر أمحمد (لعور) ولد انكذي، وحضرها على الخصوص كل من شمّـاد ولد احمد يوره، والولي ولد الشيخ سيدي بويَ، والوالد ولد القطب، وولد أبنُ ولد احميدَه في أول ظهور له، حيث بهر الحاضرين بقدرته الفائقة في فني الشعر الفصيح والشعبي.
أدباء الفيس حسموا موضوع نسبة الصورة، حيث نفوا أن تكون له، بالاستناد إلى شهادات محقق ديوانه الدكتور أحمد ولد حبيب الله، الذي نفى لأحد المشاركين في الحوار أن تكون لولد ابنو، استنادا إلى شهادات معاصريه.
ورأى مدون سمى نفسه “أرض العقيلات”، في إحالة إلى نص شعري شهير للشاعر الموريتاني محمدو ولد محمدي، أنه حينما يتعلق الأمر بشعر ولد ابنو فـ”يجب التفريق بين الهجو وغيره، فالهجو لا يجوز حكايته خاصة منه ما تحصل به إذاية الأحياء الذين قيل في حق ذويهم أو أجدادهم مثلا، أما لو انقطع النسل فذلك له حكم آخر كما نص عليه العلماء مثل نقائض جرير والفرزدق”.
الكاتب الصحفي والشاعر محمد سالم ولد محمدو علق على مختارات من شعر الرجل نشرها أحد المشاركين في الحوار بالقول “هذه المرقصات التي أوردتموها من سجدات الشعر الخالدة،وما رأي الباحثين الكرام في إنتاج مسلسل تلفزيوني عن ولد ابن”.
ورأي الكاتب الصحفي حبيب الله ولد أحمد أن “مساجلات ولد ابن مع فطاحلة عصره ليست كلها محاذير يجب السكوت عنها، بل إنها مساجلات خلقت مدرسة إبداع وتألق، وأبانت عن قوة الشعراء وإبداعهم وعلو كعبهم في اللغة الأصيلة النقية…وكانت ضرورية للتعرف على جوانب كانت بدون المساجلات ستطل غامضة إلى الأبد خاصة فيما يتعلق بغزارة اللغة وانسيابيتها”.
ولم يقتصر النقاش حول ولد ابن على موريتانيي الفيس، بل تدخل مثقفون عرب فيه، من قبيل الإعلامي العراقي في شبكة الجزيرة عامر الكبيسي.
بصيص ضوء
ولد محمد ولد ابن سنة 1897م في منطقة (ارگاب لعـگل) أو رقاب العقل كما يدعوها هو في شعره الفصيح: رقاب العقل إن لنا ولوعـــــــا بجيرتكن قد سكن الضلوعـــا
وتقع منطقة (ارگاب لعـگلل) في الجانب الشرقي من ولاية اترارزه.
وحسب الشاعر والباحث التقي ولد الشيخ فإن ولد أبن نشأ نشأة مدللة وعاش حياة مترفة، وقد مكنته ظروفه من حفظ القرآن باكرا ومن تلقي مبادئ العلوم في بيوت حيه، ولما بلغ سن التحصيل طلب العلم على مشايخ أجلاء من أبرز علماء عصره مثل الشيخ محمدو حامد ولد ألا، والشيخ احمدو ولد احمذيه وأحمدو ولد محمد محمود ولد فتى (اباه).
وحسب الدكتور احمدو ولد حبيب الله، فقد بلغ ما جمع من (اغن محمد) 1400 تافلويت، أما شعره فقد حققه ولد حبيب الله في رسالة تجاوزت صفحاتها الألف.
توفي محمد ولد ابن سنة 1943 بعد مرض ألم به في بلاد السنغال، حيث وري الثرى في (دگانه) تحديدا، وقد حضر وفاته جماعة من رفقاء دربه في الشهرة والأدب منهم محمد ولد محمد اليدالي والعالم ولد البشير.